بعد أيام من تشديد فرنسا شروط منح التأشيرات لمواطني الجزائر والمغرب وتونس، التي أدت لردود فعل متباينة في دول المغرب العربي المعنية، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتجاها جديدا للتصعيد، مركزا هذه المرة على الجزائر، التي يتواجد 5 ملايين مهاجر منها في فرنسا، والتي تعتبر الجالية الأهم للجزائر في العالم.
كانت باريس قد أعلنت قبلها عن تأجيل زيارة رئيس وزرائها جان كاستكس إلى الجزائر للمرة الثانية، ويبدو أن لذلك علاقة باستخدام الجزائر لهذه الزيارة للتعبير عن انزعاجها من القرار الفرنسي الآنف، عبر خفض عدد الوزراء القادمين، وإنقاص مدة الزيارة ليوم واحد بدل يومين.
كانت الحكومة الفرنسية قد بررت تشديد شروط منح التأشيرات للبلدان المغاربية الثلاثة بدعوى رفض هذه الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لإعادة مهاجرين غير نظاميين متواجدين في فرنسا، لكن حديثا لماكرون مع مجموعة من الفرنسيين من أصل جزائري غير الرئيس الفرنسي السبب المذكور قائلا إن المقصود من الحركة «التضييق على أشخاص ضمن النظام (الجزائري) الحاكم».
رفع ماكرون بتصريحاته الأخيرة سلم النقد لـ«النظام السياسي العسكري» الجزائري، واعتبره متعيشا على قضية كراهية فرنسا، وأن الرئيس، عبد المجيد تبون، عالق في ذلك النظام «الصعب للغاية».
أضاف الرئيس الفرنسي نغمة جديدة بربط قضايا العلاقات الشائكة بين الجزائر وفرنسا بتركيا، التي قال إن الجزائريين نسوا الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها و«ترويجها لفكرة أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون» مضيفا أنه «يريد كتابة التاريخ الجزائري لكشف تزييف الحقائق الذي قام به الأتراك».
بعد نقد النظام الجزائري، ورئيسه، واعتبار الحقبة العثمانية في الجزائر احتلالا مشابها للاحتلال الاستيطاني والدموي لفرنسا، يختم ماكرون هجومه الشامل بسؤال: «هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟» وهذا ليس سؤالا في الحقيقة وليس تشكيكا في وجود الأمة الجزائرية فحسب، بل إعلان يعتبر وجود الاحتلال الفرنسي سبب نشوء الأمة الجزائرية، ويقول إن الجزائريين مدينون لفرنسا بنشوئهم كشعب.
تخلط تصريحات ماكرون الأخيرة، مثل مطحنة كهربائية، القضايا السياسية والتاريخية والثقافية، ولا تكتفي بنقد النظام الجزائري ورئيسه، ولا التعامل بمنطق الغطرسة القديم للدولة الاستعمارية، بل تريد أيضا ربط نشوء الشعب الجزائري بنعمة الاستعمار الذي حل عليهم بفضل فرنسا، وتريد أن تكتب لهم تاريخهم من جديد، كما تريد أيضا أن تخفف من حمولة الجرائم المهولة التي ارتكبت ضد الجزائريين خلال 130 عاما من الاحتلال، بمشابهتها بالحقبة العثمانية.
يتجاهل ماكرون أن العثمانيين ساعدوا الجزائر في التخلص من الحملات الإسبانية التي ارتدت طابعا صليبيا ولاحقت الأندلسيين الذين فروا بعد سقوط غرناطة في منطقة شمال افريقيا، وأن الخطر الإسباني هو الذي دفع الجزائر للانضمام للسلطنة العثمانية عام 1518، وأن القوة العسكرية العثمانية التي أرسلها السلطان سليم الأول كانت نواة الجيش الجزائري. النضال الجزائري الطويل ضد الاستعمار الفرنسي، بهذا المعنى، هو استمرار لصراع تاريخي وجغرافي طويل، ورغبة ماكرون في إعادة كتابة التاريخ هي جزء من هذا الصراع، رغم أن أسباب حماسته الشديدة تلك تتعلق بتحسين حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022.
القدس العربي