الباحثة شذى خليل*
قفزت أسعار المواد الغذائية العالمية مرات متتالية عن مستوياتها في الفترة الماضية، بسبب تراجع احتمالات جني المحاصيل وسوء الإدارة هذا أدى الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، و تنامي مخاوف بشأن الضغوط التضخمية.
وبحسب تصريحات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ، فإن ما يتم إنتاجه في عالم الغذاء يكفي للجميع ، ومع ذلك فإن 14٪ من الغذاء المنتج يضيع ، ونسبة الفاقد ” التبذير ” من الطعام، يصل حجم الإنتاج في جميع أنحاء العالم إلى 17٪.
وصل عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع بنهاية عام 2020 إلى 811 مليونًا، عالميا في ظل تفاقم أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد، ما لم يتم تفعيل برامج الحماية الاجتماعية، وكانت الشبكة العالمية لمكافحة أزمات الغذاء، والتي تضم المنظمات الدولية، قد قالت في العام الماضي، إن 28 مليون شخص في 28 دولة، يعانون من مستويات طارئة من الجوع الحاد، وبأن جمهورية الكونغو الديمقراطية واليمن وأفغانستان، هي الأكثر تضررا.
وتقرير اخر قال إن 133 ألف شخص يعيشون في أشد مراحل انعدام الأمن الغذائي خطورة، في بوركينا فاسو وجنوب السودان واليمن، و أنهم يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة للحيلولة دون تفشي الموت بسبب الجوع.
ولا تزال إفريقيا القارة الأكثر تضررا من نقص الغذاء، حيث تضرر 98 مليون شخص، أو 63 في المئة من الحالات العالمية، ما يمثل ارتفاعا من 54 في المئة مقارنة بسنة 2019.
ورغم أن تقديرات منظمة الفاو لإنهاء الجوع بحلول عام 2030 تتطلب 40 إلى 50 مليار دولار، إلا أن هذه المبالغ ضئيلة مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي تقدره قاعدة بيانات البنك الدولي بنحو 84.8 تريليون دولار.
من جهة أخرى خفضت منظمة الفاو تقديراتها لمخزونات الحبوب العالمية لأسباب منها تدهور توقعات محصول القمح وسط الجفاف الذي طال أمده في أمريكا الشمالية والطقس غير الملائم في مزارع الحبوب الرئيسة الآخرى مثل روسيا وكندا، ستكون المخزونات هي الأصغر منذ أكثر من أربعة عقود.
ارتفعت أسعار الغذاء العالمية بنحو 33٪ في العام الماضي، مما زاد من أخطار التضخم للبنوك المركزية وكذلك المستهلكين، لا سيما في الدول الفقيرة التي تعتمد على الواردات، تأثرت سلاسل الإمداد الغذائي أيضًا بنقص العمال وسط وباء فيروس كورونا وارتفاع تكاليف الشحن.
اما الأمم المتحدة وقياسها لتكاليف الغذاء فأنها ارتفعت بنسبة 3.1٪ في أغسطس ليقترب من الذروة التي تم تحديدها في مايو، وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن هذا التقدم كان مدفوعا بتراجع توقعات إنتاج الحبوب والصقيع الذي أضر بمحاصيل قصب السكر في البرازيل التي تعد أكبر دولة مزارعة وتقلص إمدادات البذور الزيتية مما ادى إلى انخفاض العرض وتضخم الأسعار.
وتشير الدلائل القريبة إلى أن أسعار المواد الغذائية ستستمر في الارتفاع – على الأقل – على المدى المتوسط ، أي خلال عام من الآن، بسبب الارتفاعات المتتالية في أسواق النفط، ومن المتوقع أن يصل سعر برميل النفط إلى 90٪ في النصف الأول من عام 2022 في الواقع ، وتعتقد بعض التقديرات أن سعر النفط سيقترب من 100 دولار للبرميل.
والتوقعات تقول ان الزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية، قد تؤدي إلى تفاقم الجوع في جميع أنحاء العالم، وان تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن متوسط مؤشر أسعار الغذاء في سبتمبر 2021 ارتفع بنسبة 32.8٪ على أساس سنوي، أي مقارنة بمستوى الأسعار في سبتمبر / أيلول 2020. وتعزو المنظمة ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء إلى ارتفاع أسعار معظم الحبوب والأغذية. الزيوت النباتية. الألبان والسكر والقمح.
تنذر هذه الزيادة في أسعار الغذاء بتكرار الأزمة التي مر بها العالم في عامي 2006 و 2008.وبالتالي ارتفاع أسعار الطاقة.
تأثيرها على الدول النامية
الدول النامية والدول التي تعتمد على الواردات لتحقيق الأمن الغذائي ستكون في مأزق، خاصة الدول التي تعتمد على الواردات لتحقيق الأمن الغذائي، وفي الوقت الذي تكافح فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل التغلب على الصراعات الجارية، من الأهمية بمكان أيضا أن تراقب المنطقة تحديات طويلة الأمد أمام الاستقرار كالأمن الغذائي ولك للحيلولة دون “فقدان السلام”. وفي مواجهة المآسي الإنسانية التي تتكشف عنها الحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن من الصعب التركيز على التهديدات الناشئة وغير التقليدية، إن لم يكن الرد عليها. فهي تشكل تهديدا كبيرا لمستقبل المنطقة، ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى تقويض أي مكاسب أمنية. والخبر السار هو أنه عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي، توجد تدابير يمكن اتخاذها الآن لتحقيق فائدة عاجلة في حين تسهم في الاستقرار على الأجل الطويل.
الدول العربية تندرج تحت تصنيف الدول النامية والتي تعاني من ضعف مستوى الأمن الغذائي لديها بسبب ضعف وتخلف زراعتها وصناعاتها الغذائية. ويقدر حجم استيرادها السنوي من الأغذية بأكثر من 70 مليار دولار أمريكي. ولا يعود هذا الضعف فقط إلى سياسة الحكومات فقط، بل أيضا إلى الجفاف والحروب والتغيرات المناخية، و تحديد الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة والهجرة على أنها قضايا ستزداد أهمية. وبم وتحديد الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة والهجرة على أنها قضايا ستزداد أهمية. وبما أن المنطقة العربية تستورد أكثر من 50% من السعرات الحرارية التي تستهلكها، حيث إنها تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، فإن الأمن الغذائي له صداه. فليس من المستغرب أن تتجاوز المنطقة التعريف الشائع للأمن الغذائي وتربطه بالأمن القومي. ففي أعقاب أزمة أسعار الغذاء 2008-2009 انضم أربعة ملايين شخص الى قائمة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في المنطقة العربية. وفي بلد كاليمن، تم استخدام مخزونات البذور قبل عام من الموعد المقرر، مما يعرض الأمن الغذائي المستقبلي للخطر. واليوم، يهدد الجوع وسوء التغذية اليمن مرة أخرى بعد أن تفاقما بسبب الصراع .
أن المنطقة العربية تستورد أكثر من 50% من السعرات الحرارية التي تستهلكها، حيث أنها تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، فإن الأمن الغذائي له صداه. فليس من المستغرب أن تتجاوز المنطقة التعريف الشائع للأمن الغذائي وتربطه بالأمن القومي. ففي أعقاب أزمة أسعار الغذاء 2008-2009 انضم أربعة ملايين شخص الى قائمة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في المنطقة العربية. وفي بلد كاليمن، تم استخدام مخزونات البذور قبل عام من الموعد المقرر، مما يعرض الأمن الغذائي المستقبلي للخطر. واليوم، يهدد الجوع وسوء التغذية اليمن مرة أخرى بعد أن تفاقما بسبب الصراع.
وحتى المناطق الأكثر ثراء، مثل دول الخليج، يتزايد اعتمادها على الأسواق العالمية لتلبية احتياجاتها الغذائية. وهذا يضعها في خطر طويل الأجل، حيث أصبح النظام العالمي لتجارة الأغذية أقل موثوقية. وفي الواقع، وكما أشار إيكارت فويرتز، فإن بلدان الخليج أصبحت أكثر حذرا من خطر انقطاع الإمدادات الغذائية. ولذلك، اختارت دول الخليج التوجه إلى عمليات الاستحواذ على الأراضي في الخارج لتعزيز أمنها الغذائي والحد من الاعتماد على الأسواق العالمية.
ركزت معظم الدول العربية منذ استقلالها على سياسات اقتصادية تعطي الأولوية لتصدير المواد الأولية وبناء صناعات تحويلية تعتمد حتى في موادها الأولية والوسيطة للإنتاج على الاستيراد الكامل من الخارج والتبعية له بدلا من اعتمادها أيضا على المدخلات المحلية. أما الإنتاج الزراعي وخاصة من القمح فلم يحظ بدعم ملحوظ في هذه السياسات. وقد قاد ذلك إلى تدهور الإنتاج الذي تم التعويض عنه عن طريق الاستيراد بأموال النفط وعوائد المواد الأولية الأخرى.
ومن العوامل الأخرى التي تسهم في رفع تكاليف الغذاء خلال الفترة المقبلة ارتفاع تكاليف الشحن ، بسبب تعثر وتباطؤ خطوط النقل والإمداد منذ بداية أزمة كورونا.
يعتقد بعض الخبراء أن أسعار الشحن ارتفعت الآن بنسبة 4 إلى 5 مرات مقارنة بما كانت عليه قبل وباء كورونا.
كانت الحاوية التي يبلغ طولها 40 قدمًا تكلف حوالي 2000 دولار لشحنها ، بينما تكلف الآن أكثر من 10000 دولار لشحنها.
وبحسب أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020 ، بلغت الفجوة الغذائية على مستوى الوطن العربي 33.6 مليار دولار.
ويشير التقرير إلى أن هيكل الفجوة الغذائية لم يتغير خلال العقدين الماضيين ، حيث شكلت الحبوب 60.1٪ ، والسكر 9.3٪ ، والزيوت والدهون 3.8٪.
وبلغت الصادرات الزراعية العربية في عام 2018 ، 29.8 مليار دولار ، فيما بلغت الواردات الزراعية 91.9 مليار دولار ، وبالتالي هناك عجز في الميزان التجاري الزراعي بلغ 62.3 مليار دولار.
و أنه خلال أزمة الغذاء العالمية خلال عامي 2006 و 2007 ، سارعت دول الخليج والدول العربية الأخرى للإعلان عن نيتها الاستثمار في المجال الزراعي في السودان ، بسبب الإمكانات الزراعية الكبيرة لدولة السودان ، ولكن هذه الإعلانات – سواء تم تحقيق شيء ما أم لا. – لم تغير من واقع العجز الزراعي والغذائي في الوطن العربي. بل الأسوأ من ذلك أن دولة السودان نفسها تستورد القمح والدقيق بشكل عام ، مما يؤكد مايعانيه العالم العربي من عجز في الميزان التجاري للمنتجات الزراعية مما يشكل خطورة على الأمن القومي العربي.
تتقلص المخزونات الوقائية العالمية من هذه المحاصيل منذ عام 2017 ، حيث فاق الطلب العرض. ساعد تهاون المتاجر على استقرار الأسواق العالمية ، لكن الأسعار ارتفعت بشكل حاد منذ عام 2019.
ختاما الشيء الجدير بالاهتمام هو عدد المرات التي أبلغت فيها منظمة الأغذية والزراعة عن “عدم القدرة على التنبؤ” و “الطقس غير الملائم” منذ عام 2000 ، والتي أدت إلى “انخفاض توقعات الحصاد” ، و “المحاصيل المنكوبة بالطقس” و “انخفاض الإنتاج”.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية