مثّلت نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والأيام الأولى من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الإعلان عن اعتقال القوات العراقية بمختلف صنوفها عدداً من قيادات تنظيم “داعش” بشكل لافت للانتباه، وذلك تزامناً مع الأزمة التي تمر بها البلاد عقب إجراء الانتخابات البرلمانية قبل شهرين.
وهذا الأمر كان واضحاً في البيانات التي صدرت من قبل قيادة العمليات المشتركة ومن خلية الإعلام الأمني في البلاد، حول عمليات أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والأمن الوطني والجيش والاستخبارات العسكرية في ملاحقة قيادات وعناصر التنظيم وتفكيك شبكاته.
الهجمات مستمرة
وربما يثير الإعلان العراقي المستمر عن هذه الاعتقالات بالتزامن مع عدم توقف هجمات “داعش” على محيط المناطق المتنازع عليها، الشكوك حول مدى جديتها، لكونها في الوقت ذاته تؤكد أن القوات الأمنية العراقية تحاول تفكيك شبكات التنظيم الصغيرة المنتشرة في مناطق عدة بعمليات أمنية بعيدة من العمليات العسكرية الكبرى، التي كانت تُشنّ في السابق على يد الحكومات السابقة.
اعتقال قيادي بارز شمال بغداد
وكشف جهاز مكافحة الإرهاب عن القبض على 13 إرهابياً من عصابات “داعش”، بينهم أحد قادة المفارز الإرهابية المسؤولة عن اغتيال الضباط في قاطع شمال بغداد.
وذكر الجهاز في بيان له أن قوة منه “ألقت القبض على ثلاثة من قادة زمر داعـش الإرهابية، أحدهم كان اشترك بعمليات جبانة وغادرة استهدفت ضباطاً في القوات الأمنية، وكان ينوي تنفيذ مزيد من العمليات الغادرة، وذلك بعد مداهمة ليلية لمنازلهم في كل من الطارمية والرضوانية والتاجي”، وأضاف أن قواته تمكّنت من اعتقال قائد عسكري ينتمي لـ “داعـش” ومرافق له خلال عملية في أطراف مدينة كركوك، مشيراً إلى اعتقال أربعة عناصر من التنظيم خلال عملية أمنية في محافظة الأنبار.
ولم يقتصر الإعلان عن إلقاء القبض على قيادات “داعش” هذا الشهر، إذ كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحدث عن إلقاء القبض على سامي جاسم، مسؤول المالية نائب زعيم تنظيم “داعش” السابق أبو بكر البغدادي من قبل الأجهزة الأمنية في 11 نوفمبر “بعملية لجهاز الاستخبارات تُعتبر واحدة من أصعب العمليات الاستخبارية خارج الحدود”.
ونجحت القوات المسلحة في خفض معدلات هجمات التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين، عبر سلسلة عمليات عسكرية مدعومة من طيران التحالف الدولي. إلا أن هذه العمليات لم تمنعه من شن هجمات بين الحين والآخر تستهدف مناطق جولاء وخانقين وأطراف المقدادية في ديالى ومحيط الحويجة في كركوك، وأطراف قضاء “طوزخرماتو” والجزيرة، وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين.
وتمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة على ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد، وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات الإرهابيين على مناطق واسعة من هذه المحافظات، وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
تطور الجهد الاستخباري
وقال المستشار السابق في مجال الأمن صفاء الأعسم إن زيادة وتيرة اعتقال قيادات “داعش” خلال هذه الفترة، تعود إلى تطور الجهد الاستخباري وزيادة نشاط المتطرفين خلال الأيام الـ 120 الماضية، وأضاف، “داعش بدأ يتمدد أكثر في العراق، وهناك زيادة في دعمه المالي واللوجستي، وهناك أذرع له داخل البلاد، لا سيما في المناطق المحصورة بين جبال مكحول وحوض حمرين والصحراء الغربية الواقعة شمال غربي الأنبار”، مشيراً إلى أن هذه النقاط جعلت الاستخبارات العسكرية العراقية تعمل بزيادة الحيطة والحذر.
اتفاقات أمنية
وأشار الأعسم إلى وجود معلومات بدأت تصل إلى الأجهزة الاستخبارية عن طريق غرف العمليات المشتركة مع دول الجوار، فضلاً عن الاتفاقات الأمنية مع دول الخليج العربية بهذا الخصوص، وأكد تطور المؤسسة الأمنية في المجال الاستخباري نتيجة الخبرة التي اكتسبتها في معاركها ضد التنظيم، لافتاً إلى أن تلك الأجهزة اخترقت “داعش” من بداية الهرم لأعلاه وبدأت بإلقاء القبض على قياداته.
اقرأ المزيد
بغداد تتسلم 100 داعشي عراقي احتجزوا في سوريا
هل يحدث الانسحاب الأميركي من العراق إرباكا في المشهد الأمني؟
قتلى في مواجهات بين البيشمركة و”داعش” بشمال العراق
بغداد وأربيل تشكلان قوة مشتركة لمواجهة “داعش”
وتابع أن المعلومات الاستخبارية تحتاج إلى صبر طويل للوصول إلى القيادات العليا، لا سيما أن التنظيم أصبح عنكبوتياً داخل العراق وكل رأس خيط لديه ارتباط برأس خيط آخر، والوصول إلى هذه القيادات جاء نتيجة كثرة الخبرة، إضافة إلى التعاون بين الحشد العشائري وشيوخ العشائر في القرى والأقضية والنواحي والمحافظات المحيطة بحوض جبال حمرين، مبيّناً أن المؤسسة العسكرية استطاعت الوصول إلى عدد كبير من القيادات، وأوضح الأعسم أن “عناصر داعش الأجانب يشكلون 10 في المئة فقط والباقين هم من أبناء العراق الضالين”.
الأجهزة الأمنية تلاحق “داعش”
وتقول القيادات الأمنية إن هناك عملاً كبيراً تبذله وزارة الداخلية والاستخبارات وجهاز الأمن الوطني لمتابعة وملاحقة تلك العصابات، وأوضح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي لوكالة الأنباء العراقية (واع)، “القوات الأمنية تبذل قصارى جهدها في متابعة وملاحقة عصابات الجريمة المنظمة”، وأضاف أن “تعاون المواطن في هذا المجال مهم جداً، من خلال تزويد الجهات الأمنية بأماكن وجود الإرهابيين، ما يساعد في القضاء على الجريمة المنظمة”، ولفت إلى أن “هناك عملاً كبيراً لنصب الكاميرات في كل المناطق، لمتابعة المطلوبين وإلقاء القبض عليهم، إضافة إلى تفعيل الجهد الاستخباري الأمني وتكثيف المصادر، وهذا ما تعمل عليه كل الأجهزة الأمنية”.
لا ينتمون للصف الأول
بدوره، قال المتخصص في الشؤون الأمنية أعياد الطوفان إن الذين تم إلقاء القبض عليهم من “داعش” على الرغم من أهميتهم، إلا أنهم لا ينتمون إلى قيادات الصف الأول، وأشار إلى أن اعتقال عدد من القيادات داخل البلاد جاء بالتعاون مع المواطنين العراقيين، وتحدث عن “تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية بعد انعدام ثقتهم ولفترة طويلة بالأجهزة الأمنية، فهم يعانون من إرهاب داعش، إلا أن النظرة القاصرة لهم واتهامهم بدعم الإرهابيين، أدّيا إلى عدم تعاونهم مع الأجهزة الأمنية العراقية لفترة من الزمن”.
وتصاعدت هجمات الإرهابيين خلال الأسابيع الماضية على القوات العراقية وقوات البيشمركة في الأماكن الفاصلة بين الطرفين على الحدود بين كركوك وأربيل وديالى والسليمانية وصلاح الدين ونينوى، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
التعاون الإقليمي مع العراق
ولفت الطوفان إلى أن التعاون الإقليمي مع بغداد أدى إلى إلقاء القبض على بعض القيادات في عدد من الدول، ولم يستطِع جهاز الاستخبارات أن يعمل في الدول المجاورة، وإنما ما جرى هو تسليم هذه الدول قيادات من “داعش” إلى العراق، وفي وقت اعتبر أن الذين اعتُقلوا ليسوا بأهمية الصف الأول، إلا أن لهم دوراً بارزاً مثل المسؤول المالي لـ”داعش”، موضحاً أن التنظيم لديه بدلاء لأي قيادي يتم إلقاء القبض عليه أو قتله.
اندبندت عربي