أثار إعلان الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل الإفراج عن الحكومة اللبنانية المعطلة لأكثر من ثلاثة أشهر تساؤلات بشأن الخطوة المفاجئة، إلا أن تلك التساؤلات لم تلبث أن بددتها العقبة القانونية الجديدة التي تواجه المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار.
بيروت – وصفت دوائر لبنانية إفراج الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل المفاجئ عن الحكومة اللبنانية بالتراجع التكتيكي، بعد أن تبين أن التحقيق في الانفجار المدمر الذي ضرب مرفأ بيروت في عام 2020 يواجه احتمال الاصطدام بعقبة جديدة قد تتسبب في تركه معلقا من خلال منع صدور أي لوائح اتهام.
وقالت هذه الدوائر إن تراجع الثنائي الشيعي عن مقاطعته للجلسات الحكومية لم يأت استجابة لمعاناة “اللبنانيين الشرفاء” جراء التدهور الاقتصادي كما روج لذلك وإنما كان استنادا إلى عقبة قانونية تمنع المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار من إصدار أي لوائح اتهام، وهو ما يعني تجميده عمليا.
وفي أحدث تطور قالت مصادر قضائية إن دعوى المخاصمة التي رفعها الوزير السابق يوسف فنيانوس -وهو من أبرز الشخصيات التي يريد بيطار استجوابها- باتت معلقة بعد أن تقاعد القاضي روكز رزق الذي كان ينظر فيها الأسبوع الماضي.
وقال مصدر قضائي “طالما لم تبت هذه الدعوى لا يمكن لقاضي التحقيق أن يصدر القرار الظني (لائحة الاتهام)”.
نزار صاغية: الإجراء يسمح بترك المنصب شاغرا وإبقاء القضية معلقة
ولا يمكن صدور حكم في الدعوى، التي قال المصدر إنها تتهم بيطار بارتكاب “خطأ جسيم” في إجراء التحقيق، حتى يتم تعيين بديل لرزق الذي بلغ سن التقاعد الإلزامي.
وعادة ما يختار السياسيون القضاة في لبنان، الأمر الذي يقول عنه نزار صاغية المدير التنفيذي لمجموعة “المفكرة القانونية” (منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة) إنه قد يسمح لهم بترك المنصب شاغرا وإبقاء القضية معلقة. وقد تعرقل مثل هذه الخطوة تقدم التحقيق.
ووصف هيكو ويمين من “مجموعة الأزمات الدولية” (منظمة أهلية غير ربحية تعمل على منع نشوب الأزمات والنزاعات الدولية في العالم) الدعاوى القضائية التي تعرقل تقدم التحقيق بأنها “مسرحية قانونية”، وقال إن “عرقلة التحقيق ستلحق المزيد من الضرر بثقة العامة في مؤسسات الدولة”.
وأضاف ويمين “من الواضح جدا أن القاضي بيطار لن يُسمح له باستدعاء أي شخص، ناهيك عن توجيه اتهامات لأحد… لقد نجح من لا يريدون أن يحرز هذا التحقيق أي تقدم في مسعاهم”.
ويقاطع حزب الله وحلفاؤه اجتماعات مجلس الوزراء منذ ثلاثة أشهر، قائلين إنهم يريدون عزل بيطار. وقالت الجماعة وحلفاؤها السبت، بعد أيام قليلة من تقاعد رزق، إنهم سينهون مقاطعة الجلسات.
ويقول مراقبون إن حزب الله وحلفاؤه شعروا بأن خطوة المقاطعة لم تكن موفّقة وأن محاولتهم لفرض تغيير القاضي بالقوة لم تكن مناسبة، ما دفعهم إلى البحث عن عقبة قانونية توفرت في تقاعد القاضي رزق.
ويواجه بيطار اتهامات من معارضيه بالتحيز وتجاوز سلطاته، بينما يعتبر أنصاره مساعيه محاولةً جريئة لمحاسبة مسؤولين كبار في بلد ترسّخ فيه الإفلات من العقاب منذ نهاية الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وتسببت دعوى قضائية منفصلة بالفعل في تجميد التحقيق في الوقت الراهن. واحتج أهالي ضحايا الانفجار خارج قصر العدل في بيروت الاثنين للمطالبة بالتحرك بسرعة أكبر في التحقيق وتعيين بديل لرزق بشكل عاجل.
وقال كيان طليس الذي فقد شقيقه في الانفجار إن أهالي الضحايا يريدون تحقيق العدالة ولا يرغبون في الانتظار مدة سنوات ليشهدوا ذلك.
وعلّق بيطار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت عدة مرات خلال الأشهر السابقة بعد تبلغه دعاوى ردّ مقدمة ضده من وكلاء النواب والوزراء السابقين الذين أصدر بحقهم مذكرات توقيف، ثم عاد إلى التحقيق بعد ردود القضاء.
أوساط سياسية لبنانية تتساءل عن سبب إصرار حزب الله على استبعاد المحقق العدلي في انفجار بيروت رغم أنه لم يتهم أي طرف سياسي
وكان انفجار قد هز مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 وأسفر عن تضرر عدد من شوارع العاصمة وقتل أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 6 آلاف وترك 300 ألف شخص بلا مأوى. ولم تعرف حتى الآن كيفية حصول الانفجار ومن تسبب فيه.
وعزت السلطات انفجار المرفأ إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم دون إجراءات وقاية. وتبيّن أن مسؤولين سياسيين وأمنيين وقضائيين كانوا على دراية بمخاطر تخزينها ولم يحركوا ساكنا.
ولا تزال جل العوامل غامضة بعد أكثر من عام من بدء الحكومة تحقيقا قضائيا، بدءا ممّن أمر بالشحن وصولا إلى سبب تجاهل المسؤولين التحذيرات المتكررة من الخطر.
ولم يتهم بيطار أيّا من أعضاء حزب الله المعروفين، وهي الجماعة الشيعية التي لها نفوذ سياسي قوي وميليشيا تمتلك ترسانة كبيرة من السلاح. لكن تصرفات القاضي، بما في ذلك محاولاته لاستجواب شخصيات قوية متحالفة مع حزب الله كمشتبه بها، دفعت الجماعة إلى اتهامه بالتحيز.
وتتساءل أوساط سياسية لبنانية عن سبب إصرار حزب الله على استبعاد المحقق العدلي في انفجار بيروت رغم أنه لم يتهم أي طرف سياسي بالمسؤولية عن الحادثة، بما في ذلك حزب الله.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بوضع نفسه في مواجهة مع المحقق يعزز ما تتداوله وسائل إعلام غربية ومحلية من شكوك في وجود دور ما للحزب في حادثة انفجار مرفأ بيروت.
العرب