كالعادة، يعود زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى تكتيكه الذي نجح مراراً في حرف مسار الأزمات الخانقة؛ انسحابٌ وتجميدٌ يتركان الآخرين، خصوماً وحلفاء، مجبرين على الانتظار دون حراك. وفي عقدة تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فإنه يغادر المفاوضات محتكراً أوراق المناورة لنفسه.
فاجأ رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان، حسن العذاري، الجميع، بإعلانه أمس السبت، تجميد مفاوضات الحكومة، وعدم حضور جلسة البرلمان، غداً الاثنين، «بأوامر من الصدر». وخلال الساعات الماضية، خاض الجميع في حسابات معقدة ومجهولة عن التوقيتات الدستورية لمسار تشكيل الحكومة، ومصير التحالفات القائمة الآن، بين الأغلبية وخصومها.
وقبل موقف الصدر الأخير، كانت الأجواء زاخرة بالتوقعات المخيفة عما سيؤول إليه مشروع حكومة الأغلبية. بعض الإشارات التي قال الصدريون إنهم تلقوها خلال الأيام الماضية تلمح إلى «حرق الأخضر واليابس»، قبل أن ينجح الصدر فما يريد.
اختار الصدر جدل التنافس بين برهم وصالح وهوشيار زيباري على منصب رئيس الجمهورية، مقدمة لاعتزاله الأخير. ثمة حيلة سياسية موجهة لقوى الإطار التنسيقي، وفي الوقت نفسه رسالة صريحة للحليف الكردي بإطفاء أزمة الرئيس أو تأجيلها لحين ظرف سياسي مختلف، لكن خطوة الصدر الأخيرة في المجمل، مناورة تشبه سابقاتها حين قرر الانسحاب من السباق الانتخابي، لقتل «المباراة» على خصومه.
«تَقلب» الصدر، كما يحلو لمحللي الشأن العراقي توصيفه، يندرج اليوم ضمن خياراته المتاحة لتنفيذ مشروعه، الذي يصفه هو بـ«الإصلاحي»، وهو أيضاً استجابة واقعية للانسداد السياسي وشح الحلول السريعة للأزمة. تقول مصادر عليمة إن الصدر أبلغ ضيوفه في الحنانة، نيجيرفان بارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر، بخطته في «تعطيل المفاوضات لكسبها»، وإجبار «الإطار التنسيقي» على القبول بشروط الصدر، وهو بهذا المعنى يريد المضي بمشروعه دون تعديلات يفرضها الآخرون، أو ترك الحكومة لمن يريد.
لكن الصدر اختار انسحاباً لا يقلب خطط الإطاريين وحسب، بل إنه سيدخل الجميع في خيارات غير مسبوقة، منها التحرش بالتوقيتات القانونية، بدءاً من اختيار رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئيس الوزراء. وهذه ستكون المرة الأولى التي ستشهد البلاد فيها فراغاً غير محدد الأجل، وهو أمر لم يعالجه الدستور العراقي. وقد يكون الصدر اختار هذا السقف العالي من «التحرش» بالنظام لخنق خصومه.
وسلب الصدر ورقة «الثلث المعطل» من قوى الإطار التنسيقي. لا معنى لها بعد الآن، بعدما أمضوا الأيام الماضية في حشد العدد الكافي من النواب لوقف جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. يقول مصدر سياسي مطلع، إن أطراف الإطار عقدت عصر السبت اجتماعاً للبحث في خيارات جديدة بعد موقف الصدر الأخير.
الشرق الاوسط