عبّرت بعض السلطات العربية عن تأييد واضح للاجتياح الروسيّ لأوكرانيا، كما حصل من قبل السودان، الذي لم تكتف سلطاته بإعلان وقوفها مع موسكو، بل ابتعثت أيضا نائب رئيس «المجلس السيادي» محمد حمدان دقلو، الذي سافر إلى العاصمة الروسيّة خلال فترة الغزو لتأكيد ذلك التأييد.
أعلنت الإمارات بدورها تأييدها لموسكو عبر الحديث عن «الشراكة الاستراتيجية» التي تجمع البلدين، في اتصال لوزير خارجيتها عبد الله بن زايد بنظيره سيرغي لافروف.
لا ضرورة للتأكيد على موقف النظام السوري حيث أظهر رئيسه، بشار الأسد، ابتهاجه بالاجتياح و«اعترافه» بالجمهوريات الانفصالية، وكان وزير خارجيته فيصل المقداد في موسكو أيضا. دمشق، في عرف السياسة الخارجية الروسية، هي نظير الشيشان، الذي عيّن فيه بوتين رئيسه رمضان قديروف، وبيلاروس، التي انطلق جزء من الهجوم من أراضيها، و«الجمهوريات» الانفصالية التابعة للكرملين في جورجيا ومولدوفيا وأوكرانيا، والدول المحسوبة عليها، كأوزبكستان، التي أعلنت تأييدها للعملية بالطبع، والحليفة لها، كالصين، وإيران، التي برّرت الاجتياح بـ«استفزازات الناتو».
اختارت الدول العربية الأخرى التزام موقف وسطيّ، كما فعلت مصر التي أكدت على «أهمية تغليب لغة الحوار» والأردن الذي طالب بـ«بذل أقصى الجهود لضبط النفس» فيما أجرى وزير الخارجية القطري اتصالين بنظيريه الأوكراني والروسي، ودعت الكويت «لتسوية النزاع بالطرق السلمية». إدانة الهجوم الروسي جاءت من قبل الحكومة الليبية في طرابلس، وكذلك من قبل الخارجية اللبنانية، فتعرضت لانتقادات أطراف مؤيدة لـ«محور الممانعة» وكان موقف تركيا مميزا بدوره، حيث رفض الاجتياح الروسي، وانتقد رئيسها، رجب طيب اردوغان، موقف «الناتو» غير الحاسم.
امتنعت السلطة الفلسطينية عن التعليق على الهجوم الروسي، ولم يظهر سوى تعليق مؤيد للاجتياح من قبل «الجبهة الديمقراطية» يندد بـ«الإجراءات العدوانية» لأمريكا وأوروبا ضد روسيا. حسابات السلطة الفلسطينية، في الموضوع، تتعلّق بالحفاظ على العلاقات الودية مع موسكو، التي هي جزء من «اللجنة الرباعية الدولية للسلام» من دون إغضاب الغرب، الذي يؤمن أشكالا من التمويل للسلطة، وآليات دولية وشعبية لمناهضة إسرائيل. يكمن وراء هذا الموقف، أيضا، رأي عام فلسطيني ينظر إلى العالم بمنظار يعتبر ما يضرّ الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين، ويفيد خصومها في روسيا والصين وإيران، مفيدا للقضية الفلسطينية.
تتعلق مواقف الدول العربية من الأحداث العالمية (بما فيها حدث خطير مثل اجتياح أوكرانيا) بحسابات سياسية مباشرة، لكن جذرها الحقيقي يكمن في تقديس منطق القوّة، الذي يحكم العلاقات بين الأنظمة وشعوبها، وبين الأنظمة والقوى الدولية، وهو ما يفسّر، على سبيل المثال، علاقة بعض الأنظمة الوثيقة بإسرائيل وروسيا معا، أو بعلاقة التبعية المطلقة لموسكو (مع جعجعة فارغة ضد إسرائيل) كما هو حال نظام الأسد.
رغم أن الحدث الأوكراني لا يهدد النظم العربية بشكل مباشر فإن تداعياته الجغرافية ـ السياسية ستكون مؤثرة، كما أن تداعياته الاقتصادية ستكون واضحة، من حيث الأثر الكبير على أسواق النفط والغاز والقمح والذرة، حيث تعتمد عدة بلدان عربية على القمح الأوكراني، وستنعكس العقوبات على روسيا على أسعار النفط والغاز، وهو ما سيضغط على اقتصادات بلدان عربية عديدة، وستضيف أسعار الطاقة والغذاء والطيران والنقل أعباء اقتصادية على عشرات الملايين من سكان المنطقة.
يبقى القول إن الحسابات السياسية الضيّقة، وزيادة الاستقطاب بين أنظمة قوية وشعوب ضعيفة، والابتعاد عن المبادئ التي تؤكد على سيادة الدول وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، مسائل هي في صلب نضال الشعوب العربية، والموقف من الاجتياح الروسي، هو أيضا، موقف من الاحتلال الإسرائيلي وطغيان الدكتاتوريات، وأن قبول احتلال في مكان بعيد عنا، هو قبول لاحتلال آخر يجثم فوق صدورنا.
القدس العربي