تساءلت مجلة “إيكونوميست” إن أنهت الحرب الأوكرانية- الروسية، التقارب التركي- الروسي. وأشارت في تقرير لها إلى حالة الازدحام التي شهدها مضيق البسفور الذي يقسم اسطنبول ويربط بين بحري مرمرة والأسود.
ووسط الناقلات العملاقة وعبارات الركاب ومجموعة الدلافين العابرة شقت ست سفن برمائية هجومية روسية عباب الماء منذ بداية شهر شباط/فبراير في طريقها إلى الشمال، إلى جانب غواصة من طراز كيلو. ولروسيا اليوم أربع غواصات في البحر الأسود، كل منها محمل بالصواريخ القادرة على استهداف أوكرانيا في أي مكان.
وأشارت المجلة إلى أن قلة من الدول تراقب الحرب التي تم نشر الأسلحة من أجلها مثل تركيا. فحكومتها، برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، حريصة على استمرار التقارب مع روسيا.
وقال أردوغان في 23 شباط / فبراير: “لا يمكننا الاستسلام” بشأن روسيا أو أوكرانيا. لكن تصرفات روسيا قد تضطره إلى ذلك. ففي اليوم التالي، عندما بدأت القنابل الروسية تسقط على أوكرانيا، وصفت وزارة الخارجية التركية الغزو بأنه “غير مقبول” و “انتهاك خطير للقانون الدولي”. وكانت قد شجبت بالفعل اعتراف روسيا بجيوب انفصالية في أوكرانيا. وقالت المجلة إن الحرب الدائرة تعتبر بمثابة اختبار للعلاقة بين البلدين وربما قضت عليها.
لكن ما يقلق أردوغان أكثر هو اقتصاد تركيا وحاجته لروسيا. فأردوغان، الذي ساعد على دفع التضخم إلى أكثر من 48% وشوه عملته بتخفيضات أسعار الفائدة غير الحكيمة، بحاجة للنقد الأجنبي من موسم السياحة المزدحم، وانخفاض أسعار الطاقة وبعض تدابير الاستقرار الإقليمي. ويبدو أن تصرفات روسيا في أوكرانيا قد نسفت هذه التطلعات.
ما يقلق أردوغان أكثر هو اقتصاد تركيا وحاجته لروسيا، فأردوغان، الذي ساعد على دفع التضخم إلى أكثر من 48% وشوه عملته بتخفيضات أسعار الفائدة غير الحكيمة، بحاجة للنقد الأجنبي من موسم السياحة المزدحم
وشكل الروس والأوكرانيون أكثر من ربع الزوار الأجانب لتركيا العام الماضي. وفي هذا الصيف، من المفترض أن يظهر عدد أقل بكثير. كما أن العقوبات الغربية ضد روسيا، أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لتركيا ومصدر الغاز الرئيسي، ستوجه ضربة منفصلة للاقتصاد. وتسببت الحرب بالفعل باهتزاز في الأسواق التركية. في 24 شباط/ فبراير، كانت الليرة تتجه لأسوأ يوم لها هذا العام.
وفي الوقت نفسه، لا تريد تركيا استعداء روسيا. والمرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك كان بعد إسقاط طائرة حربية روسية بالقرب من الحدود مع سوريا عام 2015. وكان الرد الروسي قويا ومزيجا من العقوبات والتهديدات مما أدى لاعتذار نادر ومجموعة من التنازلات من أردوغان. وتبع ذلك ذوبان الجليد في العلاقات وتميز بصفقات طاقة جديدة، والتعاون في سوريا، وشراء تركيا لنظام الدفاع الجوي إس-400 من روسيا. وحاولت روسيا منذ ذلك الحين إبعاد تركيا عن الناتو، في حين أن تركيا المنبوذة عن شركائها الغربيين، تتطلع إلى روسيا لتعزيز مصالحها الإقليمية.
واللافت للانتباه نجاة هذا التقارب من اغتيال سفير روسيا في تركيا إلى جانب حروب في ليبيا وسوريا وأذربيجان، حيث تصارع وكلاء تركيا ضد روسيا.
وتتعاون القوتان ما أمكن وتواجهان بعضهما البعض عند الضرورة، وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر تقريبا. “إنه مثل رقصة الكابويرا”، كما يقول دبلوماسي أوروبي، مشيرا إلى أسلوب برازيلي من فنون الدفاع عن النفس. “كل طرف يقوم برقصته، ويعاين حجم الآخر، ولكن هناك دائما خطر تطور الأمر إلى تبادل الضربات”. وعندما يحصل ذلك، يجد أحدهما (عادة تركيا) طريقة لتقليص حجمه. عندما قتلت غارة جوية روسية عشرات القوات التركية المتمركزة في سوريا عام 2020، أمر أردوغان بشن حملة قصف ضد قوات النظام السوري، لكن ليس المواقع الروسية. كما التزمت تركيا الصمت حيال تصرفات روسيا الغريبة في بيلاروسيا.
تركيا تعتبر أوكرانيا شريكا استراتيجيا وعارضت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمت خطط أوكرانيا للانضمام إلى الناتو، وشاركت مخاوفها بشأن الحشد البحري الروسي في البحر الأسود
لكن تركيا تعتبر أوكرانيا شريكا استراتيجيا وعارضت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمت خطط أوكرانيا للانضمام إلى الناتو، وشاركت مخاوفها بشأن الحشد البحري الروسي في البحر الأسود. كما باعت تركيا عشرات الطائرات المسلحة بدون طيار لأوكرانيا، مما أزعج بوتين. وفي وقت سابق من هذا العام، وقع أردوغان والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتفاقية تعاون دفاعي جديدة. ويقول ألبير كوسكون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي مؤسسة غير ربحية أمريكية، إن الحرب ستجعل من الصعب على تركيا موازنة التزاماتها كعضو في الناتو وعلاقاتها الدافئة مع روسيا. ولقد ساعد دعم تركيا لأوكرانيا الدولة بالفعل على تحسين أوراق اعتمادها الباهتة في حلف شمال الأطلسي. وأشاد الدبلوماسيون الأمريكيون، الذين اعتادوا على تحميل تركيا مسؤولية سجلها في مجال حقوق الإنسان، بموقفها من أوكرانيا. من المفيد أن تركيا بدأت في إصلاح العلاقات مع الإمارات ومصر وإسرائيل، وكلهم حلفاء لأمريكا. ومع ذلك، فإن لدى روسيا طرقا لتقليل دعم تركيا لأوكرانيا. لا يتضح هذا في أي مكان كما هو الحال في إدلب، وهي محافظة في شمال شرق سوريا مكتظة بأكثر من 3 ملايين مدني ويسيطر عليها متطرفون إسلاميون. قبل عامين، وافقت تركيا، الداعمة للمسلحين وروسيا، التي تدعم النظام السوري، على وقف إطلاق النار. أدى ذلك إلى وقف هجوم النظام الذي كان من شأنه أن يدفع المتمردين وملايين اللاجئين نحو الحدود التركية.
وقال مسؤولون في أنقرة إنه منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انتعشت انتهاكات وقف إطلاق النار. هذا ليس من قبيل الصدفة. وهم يعتقدون أن روسيا تقوم باستخدام اللاجئين كسلاح ضد تركيا. يقول أحد المسؤولين: “ينظر الروس إلى إدلب على أنها نقطة ضعف لتركيا.. إنهم يرسلون رسالة مفادها أننا إذا فعلنا شيئا لا يحبونه [في أوكرانيا]، فيمكنهم جعل حياتنا صعبة”.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال أردوغان إن تركيا ستفعل كل ما أمكن كعضو في الناتو في حالة الغزو الروسي. ولكن من الناحية العملية، لا يوجد الكثير من استعداد تركيا للقيام به لأوكرانيا. في الآونة الأخيرة، أشار أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء إلى أن تركيا لن تلتزم بالعقوبات الخارجية ضد روسيا، واصفا إياها بأنها “غير مجدية”. وبدلا من ذلك، حاولت تركيا وضع نفسها كوسيط محتمل بين روسيا وأوكرانيا، وهي فكرة تبدو الآن ساذجة. كان لدى أردوغان رغبة في أن يحافظ على علاقات حميمة مع روسيا، لكن الحرب في أوكرانيا من المرجح أن تثبت نهاية هذا الأمر.
القدس العربي