اتجهت الأنظار أمس صوب العاصمة البلجيكية بروكسل، التي استضافت 3 قمم خاصة بالأزمة الأوكرانية، في خضم أزمة عالمية كبرى ناجمة عن الحرب بين كييف وموسكو وتصاعد الخلاف الحاد بين روسيا والغرب.
وشملت القمم الثلاث كلا من حلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الصناعية، وتعقد تزامنا مع مرور شهر على بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
ويرى مراقبون أن هذه القمم، لا سيما قمة “الناتو” المنعقدة على وقع تنامي صراعات النفوذ والمجالات الحيوية بين الكتلة الأطلسية الغربية وروسيا الآن وربما في القريب مع الصين، تحتم بلورة خطط وسياسات لهذه المرحلة الجديدة من الصراع بين كتل وقوى دولية كبرى.
ففي القمة الاولى اتفق قادة دول (الناتو) بإجتماعهم في بروكسل أمس على تعزيز الجناح الشرقي للحلف في مواجهة الهجوم العسكي الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، وحذروا موسكو من استخدام الأسلحة الكيماوية.
وذكر بيان مشترك أعقب اجتماع زعماء الدول الثلاثين الأعضاء في الحلف “ما زلنا على قلب رجل واحد في معارضتنا للعدوان الروسي ومساعدة أوكرانيا حكومة وشعبا والدفاع عن أمن جميع الحلفاء”.
واتفق الزعماء على تشكيل 4 مجموعات قتالية أخرى، في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا.
وقال الأمين العام للحلف ينس ستولنبرغ، إن “الناتو” طلب من الصين ألا تقدم أي دعم للعمليات العسكرية التي أطلقتها روسيا في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، وسط تنديد غربي.
وأضاف ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحفي، إنه يدعو الصين إلى حث روسيا على وقف الحرب التي تدور رحاها بأوكرانيا.
وكان الأمين العام للحلف يتحدث على هامش القمة الثانية التي عقدها القادة الغربيون لأجل بحث الاستجابة الممكنة إزاء أزمة أوكرانيا.
وأكد “الناتو” أنه تم الاتفاق على تقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، التي انتقدت مرارا ما اعتبرته تقصيرا من الحلف.
ويأتي الإعلان عن زيادة الدعم، فيما طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من القادة الغربيين، إمداده بمقاتلات ودبابات وأنظمة دفاع من أجل التصدي للقوات الروسية.
وأشار ستولتنبرغ إلى حرص”الناتو” على عدم تحول النزاع إلى مواجهة عسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
ومن جهة أخرى، نبه “الناتو” إلى أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية من طرف روسيا سيؤدي إلى تغيير خريطة الحرب.
ومنذ بداية الأزمة، رفضت دول “الناتو” أن تتدخل عسكريا في أوكرانيا، تفاديا للانزلاق إلى ما وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن بـ”الحرب العالمية الثالثة”.
وفضلت واشنطن إلى جانب حلفائها الغربيين، استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، لأجل إلحاق أضرار بالغة باقتصاد روسيا التي وصفت الإجراءات بالعدائية إلى جانب إمداد أوكرانيا بأسلحة.
وعلى الصعيد الإنساني، تعتزم الولايات المتحدة التبرع بمليار دولار من أجل مساعدة الدول المجاورة لأوكرانيا على استقبال اللاجئين، وسط تقارير عن فرار الملايين من سكان الحرب منذ اندلاع الحرب.
وكان الكاتب والباحث السياسي طارق سارممي قال قبل انعقاد القمم الثلاث إنها “لن تسفر عما قد يغير بشكل عاجل وفوري من إيقاع الأزمة الأوكرانية ومساراتها، لكن الغرب يعوّل بلا شك على إنهاك روسيا واستنزافها عسكريا واقتصاديا من خلال هذه الحرب، وغالبا فإن تكثيف العمل في هذا الاتجاه سيكون هو بوصلة هذه القمم الغربية الأولى مع استبعاد كلي لخيارات التدخل العسكري في أوكرانيا”.
وبيّن سارممي، أن “ما بعد اندلاع حرب أوكرانيا ليس كما قبله، فنحن حيال جملة تغييرات وتحولات جذرية في التوازنات والاصطفافات الدولية، وفي ميزان القوى العالمي، حيث الكتلة الغربية الأطلسية في مواجهة واسعة وشبه مفتوحة مع روسيا، والأخيرة تدعمها وإن كان بشكل غير مفتوح ومباشر قوى دولية كبرى ذات ثقل كالصين والهند. ولهذا فالكتلة الغربية بجناحيها الأميركي والأوروبي، معنية تماما بذلك وبإعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها، وهذا ما يفسر انعقاد هذه القمم دفعة واحدة”.
واختتم سارممي حديثه بالقول: “حتى داخل الكتلة الغربية والأطلسية ثمة تمايزات وتعدد مراكز قوى ومصالح، لا سيما بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا ما ظهر جليا من خلال دعوة وزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين في بروكسل، لاستحداث ما يشبه نواة جيش أوروبي مستقبلي يكفل أمن أوروبا، وهو ما أثار وإن دون إعلان صريح بذلك الامتعاض في ضفة الأطلسي الأميركية”.
واستبق الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ القمة، بالإعلان عن عزم “الناتو” تعزيز دفاعاته ضد روسيا في خاصرته الشرقية.
وقال ستولتنبرغ: “سيقرر قادة الناتو في قمتهم أمس تعزيز الموقف الدفاعي بأربع مجموعات قتالية جديدة في بلغاريا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا، ليرتفع عدد مجموعات القتال المنتشرة إلى 8 مجموعات من البلطيق إلى البحر الأسود”.
وشدد أمين عام الحلف على أن “الناتو” لن يتسامح مع أي هجوم يستهدف سيادة الدول وسلامتها، مؤكدا مواصلة الحلف تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا.
وأشار ستولتنبرغ إلى أن التحالف العسكري المؤلف من 30 دولة، بصدد تغيير وضعيته الأمنية في أوروبا بشكل جذري في المستقبل، ردا على الحرب الروسية في أوكرانيا.
ميدانيا أعلن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، أول من أمس أن الأوكرانيين أجبروا القوات الروسية على التراجع مع دخول الهجوم الروسي على أوكرانيا أسبوعه الخامس، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لمسافة تزيد عن 30 كلم شرقي كييف، وأن الجيش الروسي باشر بإقامة مواقع دفاعية في عدد من جبهات القتال.
وقال المسؤول للصحفيين طالبا عدم نشر، اسمه إن “الأوكرانيين نجحوا في دفع الروس للتراجع إلى بُعد 55 كلم شرق وشمال شرق كييف”، موضحا أن هذا الأمر يمثل “تغييرا في الوضع الميداني حول العاصمة”.
وحتى الثلاثاء الماضي كان البنتاغون يقول إن القوات الروسية تتمركز على بُعد 15 إلى 20 كلم من وسط المدينة.
وأضاف المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية: “بدأنا نراهم يتحصنون ويقيمون مواقع دفاعية”.
وتابع: “المسألة ليست أن الروس لا يتقدمون، بل أنهم لا يحاولون التقدم. إنهم يتخذون مواقع دفاعية”.
ووفقا لتقديرات البنتاغون، فإن القوات الروسية تراوح مكانها على بُعد 10 كيلومترات من وسط تشيرنيهيف الواقعة شمال شرقي كييف.
وأوضح المصدر العسكري الأميركي أن القوات الروسية في هذه المنطقة “تتخلى عن أراض وتتحرك في اتجاه معاكس، لكن ليس كثيرا”.
أما في مدينة خاركيف شرقي أوكرانيا، حيث لا يزال القتال محتدما، فلا تزال القوات الروسية على بُعد 15 إلى 20 كيلومترا من وسط المدينة، وتواجه مقاومة “شديدة جدا” من الأوكرانيين.
وبحسب المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، فإن الجيش الروسي “يعطي الآن، على ما يبدو، الأولوية لمنطقتي لوغانسك ودونيتسك” الانفصاليتين المواليتين لموسكو في شرق أوكرانيا.
وقال: “إنهم يوفرون قدرا أكبر بكثير من الطاقة في لوغانسك ودونيتسك، خاصة حول لوغانسك”.
وأضاف: “نعتقد أنهم يحاولون تثبيت القوات الأوكرانية (المنتشرة منذ 2014 على طول خط الجبهة مع المناطق الانفصالية) في مكانها، حتى لا يمكن استخدامها في مكان آخر”.
أما في جنوب أوكرانيا، فقال المسؤول إن البحرية الروسية تستخدم ميناء بيرديانسك الواقع على بحر آزوف للتزود بالمؤن والوقود.
وبيرديانسك إحدى المدن القليلة التي تمكنت القوات الروسية من السيطرة عليها، في اليوم الثامن والعشرين من هجومها على أوكرانيا.
بالمقابل، قال المسؤول إن البنتاغون لم يلحظ أي تغيير على الأرض في أوديسا.
وأضاف أنه خلافا لما حصل مطلع الأسبوع، فإن السفن الروسية التي قصفت أوديسا مرات عدة لم تطلق عليها أي صاروخ يومي خلال اليومين الماضيين.-
(وكالات)