تصريحات قادة حلف الأطلسي ومسؤولين غربيين كبار حول إمكانية استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأسلحة نووية أو كيميائية في حربه الجارية حاليا في أوكرانيا. آخر هذه التصريحات كانت للأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، الذي قال أمس الخميس، إن روسيا قد تكون بصدد محاولة لاختلاق ذريعة لاستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قال قبلها بيوم إن “التهديد الكيميائي حقيقي”.
كررت القيادات السياسية والعسكرية الروسية، بدورها، تهديداتها باستخدام السلاح النووي، بدءا من إعلان بوتين في بداية هذا الشهر وضع قوات الردع النووي في حالة التأهب، وهو ما يعني جاهزية أدوات القتال النووية لأوامر انتشار وإطلاق لحظية، كما قال الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الثلاثاء الماضي، إن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية إذا أصبح وجودها مهددا.
قامت روسيا أيضا بفتح موضوع وجود مختبرات نووية وبيولوجية في أوكرانيا، وعقد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بطلب من موسكو، جلسة استماع لتقديم دلائل على وجود 30 مركزا بيولوجيا في أوكرانيا “فيها مواد سامة وخطيرة”.
مع تراجع فكرة إزاحة الاجتياح الروسي السريعة للقيادة السياسية الأوكرانية، واحتلال العاصمة كييف خلال أيام، بدأت مقاومة شديدة للغزو بالظهور، مما أدى لاستعصاءات عسكرية واضحة (كما هو الحال في مدينة ماريوبول المحاصرة)، كما ظهرت وقائع خطيرة، من قبيل الهجوم على قاعدة زابوروجيا للطاقة النووية الذي أدى لاشتعال حريق في أحد مبانيها، وكذلك وقائع تدل على تصعيد تدريجي لنوعيات الأسلحة المستخدمة، حيث أعلنت كييف أن موسكو استخدمت قنابل “خارقة” على ماريوبول، كما نشرت تقارير حقوقية وإعلامية عن استخدام أسلحة فراغية وعنقودية وصواريخ فرط صوتية.
بدوره، انتقل حلف الأطلسي من مجرد إعلان إمكانية حصول هجمات كيميائية روسية في أوكرانيا إلى الإعلان عن كونه سيوفر مزيدا من الدعم لأوكرانيا للتصدي للتهديدات الكيميائية والبيولوجية والنووية، كما أنه سيقوم بنشر وسائل دفاع ضد الهجمات الكيميائية والإشعاعية والنووية على الجهة الشرقية من أوروبا.
حصل تطور هائل في القوة التدميرية للأسلحة النووية، فنفذت واشنطن انفجارا تجريبيا أكبر بألف مرة من القنبلة الذرية التي دمرت مدينة هيروشيما اليابانية، كما نفذت موسكو انفجارا أكبر بـ3 آلاف مرة، ويفترض أن القوة المرعبة لهذه الأسلحة قد وضعت حاجزا ردعيا هائلا يمنع أي دولة، مهما كانت قوتها، من استخدامه.
لم يحصل إعلان بوتين وضع قوات الردع النووي في حالة تأهب كرد على تهديد نووي بل جرى بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما عقوبات اقتصادية هائلة، وهو ما سماه بوتين “حربا اقتصادية خاطفة”، وهو أمر يدل على غضب الزعيم الروسي لكنه لا يعدّ مبررا، بأي مقياس كان، للتهديد بالسلاح النووي.
يشير استخدام الأسلحة الفرط صوتية والعنقودية والفراغية واستهداف المدنيين بشكل مباشر، وقصف المشافي، إلى أن الغضب الروسي يتزايد. مفهوم طبعا أن المقصود من التهديدات النووية هو إرهاب الدول الغربية لكن الحرب الأوكرانية، بمجملها، دليل على أن الرئيس الروسي قادر على خوض مغامرات كبرى لكسر الحدود التي حظرتها المنظومات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية.
تتدرب القوات الروسية منذ وقت طويل على التحول من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية، كوسيلة لكسب أفضلية بعد التعرض لخسائر في الحرب، وهذا يعني أن بوتين، إذا وجد أن مجريات الحرب لا تسير في صالحه، يمكن أن يغامر باستخدام أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية محدودة القدرة، وهو ما سيدفع الصراع الجاري في أوكرانيا، إلى حيّز آخر لم يتخيله العالم بعد.
لقد عبر بوتين، باجتياحه أوكرانيا، الخط العالمي الأحمر، فما الذي سيوقفه عن اجتياز الخط التالي؟
القدس العربي