تشير وقائع عملية اغتيال شيرين أبو عاقلة، إلى حصولها بشكل مخطط له، فسلطات قوات الاحتلال، التي تتباهى دائما بـ«دقة أهدافها» لا يمكن أن تفوتها حسابات مقتل الإعلامية الفلسطينية الشهيرة، التي تحمل الجنسية الأمريكية، والتي غطت على مدار خمسة وعشرين عاما أعمال الجيش الإسرائيلي، واكتسبت خبرة كبيرة في توثيق جرائمه.
سبقت عملية الاغتيال، كما هو معلوم، تهديدات أطلقها وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس «باستهداف مصادر التحريض» وذلك بعد عملية مدينة إلعاد، في الخامس من الشهر الحالي، وقد أشار إعلاميون فلسطينيون حينها إلى أن هذه تهديدات رأس المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هي توعد بانتقام كبير مقبل.
ساهم رأس حربة المستوطنين المتطرفين، والنائب في الكنيست الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بدوره، في التحضير لهذا الانتقام باتهام مراسلي قناة «الجزيرة» القطرية، بالوقوف بشكل مقصود وسط الاشتباكات، قائلا إنه «يدعم جنود الجيش بشكل كامل» وبذلك اندمج صوتا المسؤول عن الجيش مع زعيم التطرف واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والشيخ جراح.
وقد وثقت وسائل إعلامية وصول حملة تهديدات بالقتل والاعتقال من قبل جيش الاحتلال لعديد من الإعلاميين الفلسطينيين في الضفة، مع مطالب واضحة لهم بعدم تغطية أي اقتحامات أو اشتباكات سينفذها الجيش قريبا، وقد نجت إحدى الصحافيات الفلسطينيات، شذى حنابشة، قبل يومين، من محاولة اغتيال للمرة الثانية خلال تغطية أحد الاقتحامات في مخيم جنين.
يمثل استهداف شيرين أبو عاقلة قتلا للمعاني الكبيرة التي تحملها، فهي ابنة القدس، العربية المسيحية، وهي الفلسطينية – الأردنية – الأمريكية، وهي مراسلة قناة «الجزيرة» التي كانت، منذ نشوئها، أحد أهم المنصات الإعلامية العربية التي تعتمد سياسة مهنية عالية في تغطية الأحداث، وهي فوق كل ذلك، الشاهد الحي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
باغتيالها، تفترض إسرائيل، أنها توجه ضربة كبيرة لكل ما تمثله هذه القضايا التي تعمل، باشتباكها معا، وبرمزيتها، وبمهنيتها، على تفكيك أساطير إسرائيل عن نفسها، وفضح الطبيعة الوحشية وغير الديمقراطية والمعادية للبشرية عموما.
تتوازى، بشكل مدهش، حرارة الردود الشعبية على استشهاد أبو عاقلة، مع الردود العربية والدولية، وتكشف هذه الردود، والتشييع العظيم الذي حظيت به، عن المكانة الرفيعة التي مثلتها بحياتها وبموتها.
في أحد اللقاءات معها تقول شيرين إنها اختارت الصحافة كي تكون قريبة من الإنسان، ورغم صعوبة تغيير الواقع فقد كانت قادرة على «إيصال الصوت» وإبقاء «التغطية مستمرة من فلسطين» والحقيقة أن صوتها سيظل يتردد في مسامع الملايين من الذين تابعوها وأحبوا ابتسامتها الحزينة التي أصبحت جزءا من الذاكرة الفلسطينية المستمرة.
القدس العربي