باريس – وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مزايدات حقوق الإنسان وراءه وحرص على استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وخصّه بمصافحة طويلة على سجادة حمراء بسطت له على درج الإليزيه، في إشارة واضحة إلى أن مصلحة فرنسا هي الأهم.
يأتي هذا بالرغم من أن الزيارة انتهت دون أي اتفاق واضح بشأن طلب الرئيس الفرنسي من ولي العهد السعودي مساعدة أوروبا في الاستغناء عن نفط روسيا، أي زيادة الإنتاج، في وقت جددت فيه موسكو والرياض التزامهما باتفاق أوبك+.
وقال مراقبون إن الرئيس الفرنسي لم يكن معنيّا بمزايدات حقوق الإنسان بالرغم من الضغط الذي تمارسه منظمات وشخصيات حقوقية، مشيرين إلى أن ماكرون يعرف أن الأمير محمد بن سلمان ليس في موقع ضعف وأنه لا يقبل بالمزايدة على بلاده، وهو ما حصل خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة إلى السعودية، حين اضطر إلى الحديث عن المصالح وهمش موضوع مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
ماكرون لم يكن معنيا بمزايدات حقوق الإنسان، وهو يعرف أن الأمير محمد بن سلمان ليس في موقع ضعف وأنه لا يقبل بالمزايدة
ويرى المراقبون أن وضع فرنسا وبلدان أوروبا ككل لا يسمح لها بإغضاب السعودية، بل على العكس تسعى هذه البلدان لكسب ودها من أجل المساعدة على تطويق مخلفات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا والتي وضعت الأوروبيين وجها لوجه مع موسكو؛ إذ صاروا مهددين بخسارة إمدادات الغاز الروسي، وهو وضع لا يسمح لهم بتوسيع قاعدة الخصوم عبر استعداء دول أخرى وخاصة منها الدول الكبرى المصدرة للنفط.
وفي الرد على المنتقدين للحفاوة التي قوبل بها الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه شددت الرئاسة الفرنسية على أن هذا العشاء (تناول ولي العهد السعودي العشاء مع الرئيس الفرنسي الخميس) ضروري نظرا إلى الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والأزمة الغذائية في الشرق الأوسط والمخاوف المرتبطة ببرنامج إيران النووي.
وأضافت الرئاسة الفرنسية “إذا أردنا مواجهة تداعيات هذه الأزمات من جهة والتأثير في المنطقة من أجل مصلحة الجميع (من جهة أخرى)، فإن السبيل الوحيد هو التحدّث إلى جميع الأطراف الرئيسية”.
ودافع حلفاء الرئيس الفرنسي عن الحفاوة التي قُوبل بها ولي العهد السعودي، وقالوا إنها تجسيد لـ”السياسة الواقعية” التي ينتهجها ماكرون، ما يعني وضع الاحتياجات العملية فوق المبادئ في السياسة الخارجية، وهو الكلام نفسه الذي برر به داعمو بايدن لقاءه بالأمير محمد بن سلمان.
واعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن أنّ الحفاوة لا تعني “وضع مبادئنا جانبًا”. لكنها استدركت بقولها إنها ضرورية “في سياق نعلم فيه أن روسيا تقطع وتهدد بقطع وإعادة قطع إمدادات الغاز وحيث يوجد توتر حول أسعار الطاقة” لا يمكن “ألا نبحث (في هذه الأمور) مع الدول التي هي على وجه التحديد منتجة للطاقة”.
واستقبل الرئيس الفرنسي مساء الخميس ولي العهد السعودي مصافحًا إيّاه مطوّلًا قبل عشاء عمل في قصر الإليزيه في باريس رغم احتجاجات من قبل مدافعين عن حقوق الإنسان.
واتفق ماكرون والأمير محمد بن سلمان على العمل على “التخفيف من آثار الحرب في أوكرانيا”، وفق ما أفادت به الرئاسة الفرنسية الجمعة.
وعلى غرار بايدن الذي زار الرياض في وقت سابق من هذا الشهر، كان ماكرون حريصًا على الحصول على تعهّد بزيادة إنتاج النفط من الحاكم الفعلي للسعودية.
ولم يشر البيان الفرنسي إلى أي اتفاق لكنه قال إن الرجلين اتفقا على “تكثيف تعاونهما لتخفيف آثار (الحرب) في أوروبا والشرق الأوسط والعالم”.
وأكد بيان نشره مكتب ماكرون على التنسيق بين الدولتين، وقال إن ماكرون “شدد على أهمية استمرار التنسيق مع السعودية لتنويع مصادر إمدادات الطاقة إلى الدول الأوروبية”.
ولم يعلق ولي العهد السعودي على ما قاله ماكرون بشأن التعاون في مجال الطاقة، وخاصة مساعدة فرنسا ومن ورائها الدول الأوروبية في محاولات الاستغناء عن الغاز الروسي، واكتفى بشكر الرئيس الفرنسي على الحفاوة التي خصه بها.
وكتب الأمير محمد بن سلمان في رسالة نشرتها وزارة الخارجية السعودية “فيما أغادر بلدكم الصديق، يسعدني أن أعبر لمعاليكم عن أعمق امتناني وتقديري لحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي حظيتُ بها والوفد المرافق”.
ومن شأن تلافي ولي العهد السعودي الحديث عن اتفاق أو تفاهمات بخصوص النفط أن يثير الشكوك في التصريحات الفرنسية، ويعزز التكهنات التي تفيد بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تمنيات فرنسية، خاصة أن السعودية أظهرت خلال الفترة الأخيرة موقفا متصلبا تجاه مسألة زيادة إنتاج النفط ورفضت الاستجابة لدعوات أميركية تطالب بزيادة الإنتاج.
ويقول محللون سياسيون إن السعودية تريد بناء علاقات خارجية مع أوروبا والولايات المتحدة، لكن دون أن يكون ذلك على حساب روسيا، خاصة أن ما يجمعها بالأخيرة هو المصالح المشتركة في أوبك+، وهو ما يفسر سرعة صدور بيان مشترك للتأكيد على استمرار الالتزام باتفاق المنظمة.
وأكد الكرملين في بيان على موقعه الإلكتروني الجمعة التزام روسيا والسعودية باتفاق تحالف أوبك+ وضمان استقرار سوق النفط العالمية خلال الاجتماع الذي جمع بين نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ووزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان.
وقال البيان إن الدولتين اللتين تقودان التحالف النفطي “ملتزمتان بشدة بهدف أوبك+ وهو المحافظة على استقرار السوق واستعادة التوازن بين العرض والطلب”.
وأشارت وكالة بلومبرغ إلى أن اجتماع الأمير عبدالعزيز بن سلمان ونوفاك هو الأول من نوعه بين الوزيرين منذ يونيو الماضي، وقبل الاجتماع المقرر لدول أوبك+ لمناقشة السياسة الإنتاجية للتجمع خلال سبتمبر المقبل.
العرب