ينظر الاتحاد الأوربي بشكل كبير ويراعي مصالح دوله وشعوبه بعد اشتداد الأزمة الروسية الأوكرانية وتصاعد حدة المشاكل الاقتصادية وآفاق ومراحل تزويد القارة الأوربية بالطاقة وهي تقبل على فصل شتاء بارد واستحكمت ظروفها لتكون في مأزق اقتصادي واجتماعي من الممكن أن يواجهها قريبا ، وامام هذه المعطيات فإنها تسعى إلى إعادة الحوار في المفاوضات التي جرت السنة الماضية وتوقفت في شهر آذار 2022 حول البرنامج النووي الإيراني وفي جولته الثامنة بالعاصمة النمساوية فيينا وحاولت تقديم العديد من المقترحات والافكار كان آخرها المبادرة التي قدمها ( جوزيب بوريل ) مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي للنظام الإيراني والتي تتعلق بمحاولة إنقاذ الاتفاق النووي والعودة للمفاوضات وتحقيق الأهداف والمنافع التي ترضي جميع الأطراف ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، ورغم عدم الاعلان عن المقترح إعلاميا إلا أن( علي باقري كني ) رئيس المفاوضين الإيرانيين أجاب بأن بلاده تسعى إلى تبادل الأفكار المقترحة لتمهيد الطريق للتوصل إلى تسوية ونهاية سريعة .
يمكن قراءة المقترح الأوربي والأفكار الإيرانية بأنها تسعى إلى وضع أسس تخدم الطموحات الأمريكية الأهداف الإيرانية ولهذا فإننا نرى أن الحلفاء الأوربيين جادين في ردم الهوة التي اتسعت بعد فشل مباحثات الدوحة الأخيرة ومحاولة الانفاق على نقاط جوهرية تضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران وبضمانات تساهم بتعزيز الثقة لدى الشركات العالمية للعودة للإستثمار في إيران ورفع قدرة الاقتصاد الإيراني الذي يعاني كثيرا بعد ارتفاع نسبة التضخم إلى 38% وانخفاض العملة المحلية وسوء الأحوال المعاشية وارتفاع نسبة البطالة لتشكل 40% وعدم تمكن الحكومة من دفع رواتب المتقاعدين في القطاع العام لعدة أشهر واتساع التظاهرات الشعبية والخوف على مستقبل النظام السياسي من قبل القيادات السياسية والعسكرية والأمنية.
ان الأوضاع القادمة ستشهد انفراج واضح في طبيعة السياسة المتبعة بمنطقة الشرق الأوسط بعد التداعيات التي أحدثتها الحرب بين موسكو وكييف والتوجه إلى سياسة التهدئة وعدم الانجرار إلى مواجهات عسكرية وأمنية مع الاحتفاظ بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ على تعهداتها لحلفائها بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة في 15 آب الماضي وهي بمثابة تعهدات خطية موثقة لحماية أمن وسلامة المنطقة من التهديدات الإيرانية وسياسة التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
تريد طهران الحفاظ على عدم انسحاب واشنطن من أي اتفاق قادم ورفع العقوبات بشكل كلي والاحتفاظ بنسبة 20%من اليورانيوم المخصب التي تراه حق من حقوق الشعوب الإيرانية وهي بذلك تستطيع مواجهة المد الشعبي الرافض للسياسية الإيرانية وتوجهاتها التي أدت إلى فرض العقوبات التي تحملها المواطن الإيراني وهي تخلت عن المطالبة برفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني باعتباره منظمة إرهابية ولكنها رفضت التدخل في برنامجها الخاص بالصواريخ البالستية وسياستها الخارجية الإقليمية ومشروعها السياسي بالمنطقة.
تبقى الإدارة الأمريكية حريصة على استخدام سياسية الدبلوماسية والدرع مع طهران وترى حاجتها في توقيع الاتفاق النووي لتمكن طهران من تصدير (1,5) مليون بر ميل من النفط يوميا ليساعد في التخفيف من الأعباء التي تواجه القارة الأوربية والحفاظ على اسعار النفظ في السوق العالمية للطاقة، وهذا يحقق لها أهدافها ومواقفها بالمنطقة العربية وسياستها نحو حلفائها والنظام الإيراني، كما يحقق الرغبة الأوربية التي تتكتم على طبيعة المطاليب الإيرانية وان بدت واضحة ولكنها تساهم في الحد من الخلاف بين واشنطن وطهران.
كما أن الحديث الاخير للرئيس الفرنسي ماكرون خلال مكالمته الهاتفية مع ابراهيم رئيسي الرئيس الإيراني بأنه يشعر بخيبة أمل من التأخر في الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وممانعة طهران في الاستجابة لإنهاء هذا الملف يشكل موقفا أوربيا واضحا ونصيحة ميدانية واشارة سياسية لطهران.
ستشهد الأيام القادمة تحولات سياسية عديدة على المستوى الإقليمي والدولي وطبيعة الأحداث القائمة في المنطقة وتأثيراتها على مديات نجاح المفاوضات التي يسعى إليها الحلفاء الأوربيين في تقريب وجهات النظر الأمريكية الإيرانية وصولا لحل واتفاق مشترك للجميع.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية