منذ أربعين عامًا على تأسيس حزب الله في ذروة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، تحول الحزب من منظمة رثة إلى الجماعة الأكثر تسليحًا في الشرق الأوسط. كما أنه بات النموذج الأكثر نجاحا للصورة التي تريدها إيران لمنهج التحكم من خلال القوة المحلية في المنطقة.
ويلعب الحزب، الذي يهيمن على المشهد الداخلي في لبنان، دورًا فعالًا في نشر نفوذ طهران في جميع أنحاء العالم العربي.
ويبدو العراق اليوم نسخة مكررة من لبنان، ليس فقط في انتشار الميليشيات وهيمنتها، بل في قدرة نماذج من حزب الله على تعطيل تشكيل الحكومات بعد الانتخابات ومنع اختيار رئيس للبلاد.
◙ منذ الانسحاب الإسرائيلي، نما الجدل حول حزب الله بشكل مطرد مع تغير دوره من حزب مقاوم إلى حزب مهيمن على المشهد الداخلي في لبنان بالقوة
وأصبح القرار الوطني في العراق ولبنان قرارا إيرانيا، ومن غير المسموح لقوى سياسية أخرى مناقشته حتى لو حصلت على حضور كبير في البرلمان أو كانت شيعية.
ويقول مراقبون إن إيران تقدم الحزب أمام مختلف أذرعها الفعالة في المنطقة كقوة ذكية نجحت في أن تتحول إلى محور رئيسي في لبنان من خلال اللعب على مفردات المقاومة التي مكنتها من أن تتحكم في القرار السياسي والأمني للبنان، بأن تقبل بهذه الحكومة أو تطيح بها وبرئيسها، ولا يتم اختيار رئيس للبنان لا تقبل به أيا كان اسمه وارتباطاته الداخلية والخارجية.
ولم يكتف الحزب بدوره اللبناني، فقد تدخل عسكريا إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، وكان له دور مؤثر في هزيمة المعارضة السورية في المناطق القريبة من لبنان وتشريده لعناصرها وأسرهم باتجاه الشمال.
ويقول المراقبون إن الأسد لو سقط لكانت سوريا النموذج الثالث لهيمنة حزب الله بعد نموذحيْ الحوثيين في اليمن، والميليشيات والأحزاب الموالية لإيران في العراق، وكلاهما نجح في بناء دولة داخل الدولة وصار رقما لا يمكن التغاضي عن تأثيره، مشيرين إلى أن حزب الله كان سيخلف الأسد لو انهارت قواته وتحالفاته العشائرية والعرقية، وسيفرض نموذجه الخاص في سوريا ليشكل قوة شبيهة بنفوذ حماس في غزة.
ويرى المراقبون أن إيران نجحت من خلال نموذج حزب الله في اختراق قوى وأحزاب تبدو على النقيض التام مع هويتها كدولة دينية مثل اليساريين والقوميين العرب، وذلك بوقوف الحزب ضد إسرائيل.
مي شدياق: خطر حزب الله على لبنان كبير
كان القرار الأكثر إثارة للجدل الذي اتخذه حزب الله هو إرسال الآلاف من المقاتلين إلى سوريا منذ 2013 لدعم الأسد ضد مقاتلي المعارضة، وكذلك ضد المسلحين المرتبطين بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وبسبب تدخله في سوريا ترسّخت في جميع أنحاء العالم العربي صورة حزب الله كقوة شيعية طائفية تقاتل بشكل رئيسي المتمردين السنة وتنشر قوة إيران.
كما اتُهم الحزب بمساعدة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، مما دفع ست دول عربية على الأقل إلى إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية.
ولا يوجد تاريخ محدد لتأسيس حزب الله، بدءًا من مجموعة صغيرة غامضة من المقاتلين بمساعدة الحرس الثوري الإيراني شبه العسكري. لكن الجماعة تقول إن ذلك حدث في صيف عام 1982.
وعزز حزب الله قوته العسكرية. ويفتخر بوجود 100.000 مقاتل مدربين تدريباً جيداً. والآن يقول زعيمه حسن نصرالله إن لديهم صواريخ دقيقة التوجيه يمكنها ضرب أيّ مكان في إسرائيل ومنع السفن من الوصول إلى ساحل البحر المتوسط، بالإضافة إلى طائرات دون طيار يمكنها تنفيذ عمليات نوعية أو جمع المعلومات الاستخبارية.
ويقول جو ماكرون، المحلل في شؤون الشرق الأوسط، “لقد تطور حزب الله بشكل كبير في العقود الأربعة الماضية في هيكله التنظيمي، وانتشاره العالمي، ومشاركته الإقليمية”.
وكان أكبر إنجازات حزب الله على مدى السنوات الأربعين الماضية حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية التي تحتل أجزاء من جنوب لبنان، وذلك عندما أُجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب في مايو 2000 دون اتفاق سلام مثل ما توصلت إليه إسرائيل مع مصر والأردن والفلسطينيين، ما جلب الثناء للحزب من جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لكن منذ الانسحاب الإسرائيلي، نما الجدل حول حزب الله بشكل مطرد مع تغير دوره من حزب مقاوم إلى حزب مهيمن على المشهد الداخلي في لبنان بالقوة، مع رفضه المساس بسلاحه.
وفي عام 2005، قُتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، أقوى سياسي سني في البلاد في ذلك الوقت، في انفجار ضخم لشاحنة مفخخة في بيروت. واتهمت محكمة تدعمها الأمم المتحدة ثلاثة من أعضاء حزب الله بالوقوف وراء الاغتيال.
◙ إيران تقدم الحزب أمام أذرعها كقوة ذكية نجحت في أن تتحول إلى فاعل رئيسي في لبنان باللعب على مفردات المقاومة
وأُلقي باللوم على حزب الله في اغتيالات أخرى أعقبت ذلك، واستهدفت في الغالب مسيحيين وسياسيين ومثقفين ينتقدون الجماعة.
وقالت الصحفية والوزيرة السابقة مي شدياق التي فقدت ذراعها ورجليها في محاولة اغتيال عام 2005 مع وضع متفجرات في سيارتها “خطر حزب الله على لبنان كبير”. وقالت لوكالة أسوشيتد برس إن حزب الله يعمل على توسيع نفوذ إيران في لبنان، “وهذه خطة طويلة الأجل كانوا يعملون عليها منذ 40 عامًا”.
واستثمر الحزب الإمكانيات الكبيرة التي يحصل عليها من إيران لفرض نفسه كقوة وحيدة في لبنان.
وفي عام 2016، ضمن انتخاب حليفه المسيحي ميشال عون رئيسًا، ثم فاز وحلفاؤه بأغلبية برلمانية في الانتخابات اللاحقة.
وأدى هذا إلى تحديد دور الحزب كجزء من نظام حكم يتحمل مسؤولية عقود من الفساد وسوء الإدارة في الانهيار الاقتصادي في لبنان، بدءا من أواخر عام 2019.
وبدأت في أواخر عام 2019 احتجاجات حاشدة تطالب بإبعاد هؤلاء السياسيين، وبعد أيام من ذلك، هاجم المئات من أنصار حزب الله المتظاهرين في وسط بيروت، مما أجبرهم على الفرار. وعاقب الناخبون حزب الله وحلفاءه في انتخابات هذا العام، مما جعلهم يفقدون أغلبيتهم البرلمانية.
صحيفة العرب