نيروبي – نشب القتال مجددا حول حدود منطقة تيغراي في شمال إثيوبيا، مما أدى إلى انهيار وقف إطلاق النار المعلن في مارس، في خطوة يتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالتسبب فيها وإعادة إشعال فتيل الحرب التي اندلعت في نوفمبر 2020 عندما استولت قوات تيغراي على قواعد عسكرية في أنحاء المنطقة.
وظل حزب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الذي يسيطر على تيغراي، مهيمنا على الحكومة الإثيوبية لثلاثة عقود تقريبا حتى تم تعيين رئيس الوزراء آبي أحمد في عام 2018. ويتهم الحزب آبي بجعل السلطة مركزية على حساب الأقاليم، وهو ما ينفيه رئيس الوزراء.
وقالت الحكومة الإثيوبية الجمعة إن هجمات قوات تيغراي تصاعدت مما أدى إلى مقتل مدنيين وفرار السكان وتدمير ممتلكات. كما اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالاستيلاء على المساعدات الغذائية المخصصة للمعوزين في الإقليم.
◙ هجمات قوات تيغراي تصاعدت مما أدى إلى مقتل مدنيين وفرار السكان وتدمير ممتلكات، كما اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالاستيلاء على المساعدات الغذائية
وفي المقابل قالت القيادة العسكرية لقوات تيغراي في بيان إن “العدو، بعد أن نشر بالفعل قوات ضخمة لدى إريتريا بدأ الآن حملة مشتركة مع قوات أجنبية غازية من إريتريا”. وأضافت أن بلدة أديبايو الشمالية تعرضت للهجوم من أربعة اتجاهات بينما تواصل القتال على الجبهة الجنوبية لتيغراي. وقال المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي جيتاتشو رضا على تويتر إن قوات البلدين “شنت هجوما كبيرا من أربعة محاور” حول منطقة أديبايو.
ومن الصعب التحقق من الادعاءات والادعاءات المضادة حول الأحداث على الأرض في تيغراي، حيث لا يُسمح للصحافيين بالدخول، والمنطقة لديها القليل من قنوات الاتصال مع العالم الخارجي منذ انسحاب القوات الحكومية في منتصف عام 2021. وقال موظف إغاثة في بلدة شيري في تيغراي إن شهودا أفادوا بوقوع قصف مدفعي عنيف من إريتريا على تيغراي الأربعاء والخميس.
وتعود جذور الحرب في إثيوبيا إلى مظالم قديمة بين الجماعات العرقية، تراكمت على مدى عقود من الاضطرابات وتغيير النظام الحاكم بالقوة، والنزاعات على الأراضي بين المناطق وأنظمة حكم استبدادية استمرت لفترات طويلة، آخرها ائتلاف سيطر عليه تحالف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من 1991 إلى 2018.
واتهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالسعي لإعادة تأكيد هيمنة عرقية تيغراي على إثيوبيا، في حين تتهمه الجبهة الشعبية بالإفراط في مركزية السلطة وقمع أبناء تيغراي. ويرفض كل جانب رواية الآخر.
وسبق أن أدى الصراع في الدولة الأفريقية الثانية من حيث عدد السكان إلى مقتل الآلاف من الأشخاص وتشريد الملايين ودفع أجزاء من تيغراي إلى شفا المجاعة. ويحتاج تقريبا جميع سكان تيغراي البالغ عددهم 5.5 مليون نسمة إلى مساعدات غذائية، لكن الجولة الأخيرة من العنف أوقفت جميع القوافل الإنسانية.
وكانت دول أجنبية أيدت محادثات السلام التي قادها مبعوث الاتحاد الأفريقي أولوسيجون أوباسانجو. وأعلن الجانبان في يونيو أنهما عينا ممثلين لهما في المحادثات. وقالت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إنه تم عقد اجتماعين في الخارج، وهو ما لم تؤكده الحكومة التي لم ترد على طلبات التعليق. وبدد تجدد القتال آمال التوصل إلى حل يرضي الطرفين.
ويبدو أن الجانبين استغلا حالة الهدوء، بعد قتال دام أزهق أرواح الآلاف من الأشخاص ودمر البنية التحتية وشرد عشرات الآلاف، لإعادة تنظيم الصفوف. وخرجت تقارير من تيغراي تتحدث عن تجنيد إجباري وسجن الآباء أو الزوجات حال الامتناع عن الانضمام إلى المجندين.
كما ذكر سكان حول المناطق التي اندلع فيها القتال أن تحركات المسلحين وأفراد القوات الحكومية زادت في الأيام السابقة للاشتباكات. وتعهد الجيش الإثيوبي باتخاذ إجراء قانوني ضد كل من ينقل “معلومات أو شائعات غير مناسبة”.
◙ آبي أحمد اتهم جبهة تيغراي بالسعي لإعادة تأكيد هيمنة عرقية تيغراي على إثيوبيا، في حين تتهمه الجبهة الشعبية بالإفراط في مركزية السلطة وقمع أبناء تيغراي
وتتمثل المشكلة الأساسية التي أدت إلى تجدد المواجهات العسكرية في أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أرادت إعادة الخدمات المدنية الأساسية إلى تيغراي قبل بدء أي محادثات سلام جادة، وهو طلب أيده مبعوثون أميركيون وأوروبيون. ولا تزال الخدمات المصرفية والاتصالات الهاتفية متوقفة في تيغراي منذ انسحاب جنود إثيوبيا وإريتريا من معظم مناطق تيغراي قبل أكثر من عام.
وأتاح وقف إطلاق النار دخول قوافل كبيرة إلى المنطقة مرة أخرى في أبريل الماضي. ولم يُسمح بالدخول إلا لنذر يسير من المساعدات منذ منتصف عام 2021، مما أدى إلى ما سمته الأمم المتحدة “حصارا فعليا”. ونفت الحكومة منع وصول المساعدات.
لكن حتى بعد أبريل تكابد فرق الإغاثة المشاق لتوزيع المواد الغذائية لأنها لم تتمكن من جلب سوى أقل من 20 في المئة من الوقود اللازم. كما يوجد نقص في الأدوية. ويحتدّ سوء التغذية مع ارتفاع نسبة الذين في “فقر مدقع” من 37 في المئة من السكان في يناير إلى 47 في المئة في أغسطس.
ويدور قتال في جنوب تيغراي بين الجيش الإثيوبي وقوات متحالفة معه من إقليم أمهرة وبين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. كما نفذت الحكومة ضربات جوية في مقلي عاصمة تيغراي. ونشب القتال أيضا في الغرب، في منطقة تتنازعها تيغراي وأمهرة. كما وردت تقارير عن قصف عبر الحدود قادم من إريتريا إلى الشمال. وقاتلت القوات الإريترية قبل ذلك إلى جانب الجنود الإثيوبيين أمام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وقالت الجبهة إنها تتوقع دَفعة قوية من الغرب. وتحرص الحكومة الإثيوبية على الاحتفاظ بالسيطرة على المنطقة المتنازع عليها لأسباب من بينها أنها تمنع وصول الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى السودان الذي يمكن أن تستخدمه الجبهة كطريق لإعادة التزود بالأسلحة أو المجندين. والمنطقة التي تسيطر عليها قوات تيغراي محاطة حاليا بالقوات المناوئة من جميع الجهات.
العرب