جاء قرار أوبك+ خفض حصص إنتاج النفط ليحبط مخططات واشنطن التي كانت تطالب بتقييد أسعار النفط، وأعاد هذا المقترح دوائر النقاش الضيقة بعد أن التمس الأعضاء الثلاثة عشر في التحالف بقيادة السعودية أن الرضوخ لضغوط واشنطن بالإمكان أن يجعل تقييد الأسعار ورقة رابحة تستغلها مستقبلا ووسيلة ضغط للحفاظ على مصالحها.
واشنطن – بينما قررت أوبك+ خفض حصص إنتاج النفط لدعم الأسعار، لا تزال الإدارة الأميركية تناقش هذه الخطوة التي ترفضها بشدة وتتمسك بوجوب تقييد أسعار النفط في مواجهة روسيا التي تجني أرباحا من ارتفاع أسعار النفط وتعتمد على مبيعات المحروقات لتمويل حربها في أوكرانيا.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين طرحت فكرة وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي كوسيلة لخفض عائداتها من النفط في الربيع لأول مرة. ثم تطورت الفكرة منذ ذلك الحين لتصبح خطة شاملة تضم شركائها من مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي. وأصبح الأمر محفوفا بالمخاطر أكثر مما كان.
وقد أحدثت أوبك+ في وقت سابق من هذا الشهر ضجة في واشنطن بالموافقة على خفض حصتها من إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا وإنتاجها الفعلي بنحو مليون برميل يوميا.
وسيكون جل الخفض من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، مما يعني أن إمدادات النفط المادية ستتقلص على مستوى العالم.
وارتفعت أسعار النفط عند ورود هذه الأنباء لكنها هدأت مع استمرار المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وزيادة احتمال معاناة العديد من كبار المستهلكين من الركود.
وأكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي الثلاثاء أن قرار مجموعة أوبك+ خفض الإنتاج كان “صائبا”، رافضا محاولات “تسييس” الخطوة، وذلك وسط تصاعد الاتهامات الأميركية للكارتل بالوقوف إلى جانب روسيا ضد مصالح واشنطن.
وقال إن “الدليل على أن القرار كان صائبا.. هو أن القرار الذي اتخذناه ومع أنه نص على خفض الإنتاج إلا أنه أدى إلى انخفاض في الأسعار واستقرارها عند مستوى مقارب لمستوى أكتوبر 2021”.
وتقول إيرينا سلاف الكاتبة في موقع “أويل برايس” الأميركي إن المناقشات مستمرة في واشنطن حول سقف أسعار النفط الروسي، وبدأ البعض في إدارة الرئيس جو بايدن يشعرون بالقلق من أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية.
وذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء مخاوف بعض مسؤولي البيت الأبيض الأسبوع الماضي، قائلة إنه بعد قرار خفض إنتاج أوبك+ زاد التقلب في سوق النفط بشكل ملحوظ وقد يؤدي تحديد سقف سعر الخام الروسي إلى ارتفاع الأسعار بدلا من انخفاضها.
وكما يسود خوف آخر يعدّ مبررا، وهو تنفيذ روسيا لتحذيرها من أنها قد تختار التوقف عن بيع النفط لأي دولة تطبق سقفا لسعر نفطها. وسيؤدي هذا بالتأكيد إلى ارتفاع أسعار النفط، مع تقدير بنك “يو بي إس” مؤخرا بأن القفزة قد تؤدي إلى وصول خام برنت إلى 125 دولارا للبرميل.
وقال محلل البنك ورئيس قسم السلع دومينيك شنايدر، لشبكة “سي.إن.بي.سي” إن “الروس كانوا واضحين ‘إذا أجبرتنا على قبول الحد الأقصى للسعر، فنحن ببساطة لن نسلمك النفط الخام’…”.
ويرى أنه يمكن أن يؤدي الحد الأقصى إلى انخفاض العرض العالمي بمقدار مليون برميل آخر في اليوم نتيجة لسقف السعر إذا تقرر تطبيقه بالفعل، مما يدفع النفط الخام إلى ما يزيد عن 100 دولار للبرميل.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون لوكالة بلومبيرغ إن الأخبار التي تفيد بأن للبعض في البيت الأبيض مخاوف جدية بشأن سقف أسعار النفط “غير صحيحة”. وذكرت أن فريق الإدارة “يمضي قدما بكامل طاقته في تنفيذ حد أقصى لسعر النفط الروسي بدعم قوي من مجموعة السبع وشركاء آخرين. وهذه الطريقة الأكثر فاعلية لضمان استمرار تدفق النفط إلى السوق بأسعار منخفضة وتلبية العرض للطلب”.
ومع ذلك، تقول الكاتبة إنه كان واضحا منذ البداية أن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى لم تستطع فعلا أن تجعل سقف الأسعار فعالا، ويرجع ذلك أساسا إلى أنها حظرت واردات النفط الروسي بالفعل. فكان من الضروري إشراك المستهلكين مثل الصين والهند، وهو أمر صعب.
وذكرت الصحيفة الهندوسية اليومية هذا الشهر، نقلا عن جانيت يلين أنه لم تكن هناك محاولات لإقناع دول أخرى خارج تحالف مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى سقف الأسعار. وحدث هذا بعد شهرين فقط من جولة يلين في آسيا التي كانت تهدف جزئيا لإقناع الهند والصين بالانضمام إلى بلادها.
وتذكر سلاف أنه بالإضافة إلى الخطر الحقيقي المتمثل في حدوث المزيد من صدمات العرض، توجد تحديات أخرى لسقف السعر، بما في ذلك الطريقة الدقيقة لتنفيذه في عالم مع قواعد نقل الشحن التي تقدم مجموعة من الطرق للتحايل على مثل هذه الحدود القصوى.
وقال محلل أبحاث الطاقة في مركز “بروغل” البحثي ومقره بروكسل، بن ماكويليامز، ليورونيوز هذا الشهر “إنه لمن التفاؤل الشديد أن نعتقد أن الحد الأقصى للسعر يمكن أن ينجح. لا أعتقد أن مهندسيه أنفسهم يعتقدون أنه سيعمل بشكل مثالي. إنهم يفضلون فقط نظاما لا يزال بإمكان روسيا فيه تحقيق بعض الأرباح أعلى من الحد الأقصى بدلا من السيناريو الذي تُجبر فيه تماما على الخروج من السوق”.
وتعززت كل هذه المخاوف حين قررت أوبك+ خفض الإنتاج، على الرغم من أن المحللين حذروا من أن المجموعة لن ترحب بأي سقف لأسعار النفط لأنه سيكون سابقة خطيرة قد تتكرر معها في أي وقت تصبح فيه الولايات المتحدة غير راضية عن سياساتها.
لذلك، ترى المحللة أنه يمكن النظر إلى قرار أوبك+ بخفض الإنتاج كخطوة اقتصادية وقائية وموقف رسمي لدول الكارتل وخطوة سياسية وقائية لتحدي سقف سعر النفط.
ونتيجة لهذه الخطوة الاستباقية، أصبح التقييد أكثر خطورة، وترجح سلاف أن نشهد فترة طويلة من المناقشات على الرغم من أن الموقف الرسمي لمجموعة السبع هو وجوب الاتفاق على الحدود في أقرب وقت ممكن. وكانت هذه المناقشات تسير بشكل جيد للغاية منذ أشهر، لكننا لم نر قرارا نهائيا حتى الآن.
أي سقف للأسعار سيكون سابقة خطيرة قد تتكرر في أي وقت تصبح فيه الولايات المتحدة غير راضية عن سياسات أوبك+
العرب