الباحثة شذا خليل*
شهدت أسعار النفط ارتفاعًا هذا الأسبوع، مما يشير إلى احتمال تحقيق مكاسب أسبوعية ثانية على التوالي، مدفوعة بمجموعة من العوامل الجيوسياسية واستراتيجيات التحكم في الإنتاج. تشمل أبرز هذه التطورات فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، بالإضافة إلى خطة جديدة من أوبك+ تهدف إلى الحد من الإنتاج من قبل سبع دول أعضاء في المنظمة، مما يعزز التوقعات بتقليص المعروض من النفط.
ارتفاع أسعار النفط بفضل العقوبات وتخفيضات الإنتاج
في تداولات آسيا المبكرة يوم الجمعة، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا. ارتفعت عقود خام برنت الآجلة بمقدار 42 سنتًا، أو 0.6%، لتصل إلى 72.40 دولارًا للبرميل، بينما ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكية بمقدار 45 سنتًا، أو 0.6%، لتصل إلى 68.52 دولارًا للبرميل. يعكس هذا الارتفاع تزايد الاعتقاد بوجود قيود في المعروض العالمي من النفط.
على أساس أسبوعي، من المتوقع أن تغلق كلا المرجعين الرئيسيين مع مكاسب تقدر بحوالي 2%، وهو أكبر زيادة أسبوعية منذ الأسبوع الأول من عام 2025. يعود هذا الزخم بشكل رئيسي إلى عاملين رئيسيين:
عقوبات الولايات المتحدة على إيران: العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران قد عززت التوترات في سوق النفط العالمي. إذ تواجه إيران، التي تعد من أكبر منتجي النفط في العالم، قيودًا على صادراتها النفطية، مما يحد من قدرتها على المشاركة بحرية في سلاسل الإمداد العالمية. هذا التقليص المحتمل في المعروض يثير القلق بشأن حدوث نقص في النفط العالمي، مما يعزز ارتفاع الأسعار.
تخفيضات الإنتاج من أوبك+: أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، المعروفون مجتمعيًا باسم أوبك+، عن خطة لتقليص إنتاج سبع من دولهم الأعضاء. تهدف هذه التخفيضات إلى مكافحة تهديد الإفراط في الإنتاج في السوق العالمية، والذي قد يؤدي إلى فائض من النفط وانخفاض الأسعار. من خلال إدارة مستويات الإنتاج، تسعى أوبك+ إلى استقرار أسعار النفط والحفاظ على نفوذها في السوق.
تأثير ذلك على سوق العراق للنفط
بالنسبة للعراق، الذي يُعد من أكبر المنتجين داخل أوبك، فإن هذه التغيرات في مشهد النفط العالمي تحمل تداعيات كبيرة. وباعتباره عضوًا في أوبك، فإن العراق ملزم باتباع سياسات المنظمة، بما في ذلك قرار أوبك+ الأخير بتقليص الإنتاج. وبينما كان العراق تاريخيًا أحد البلدان التي تجاوزت أهداف إنتاجها في بعض الأحيان، فإن التخفيضات الجديدة من المرجح أن تضطره إلى إجراء تعديلات في معدلات إنتاجه.
إنتاج النفط العراقي والإيرادات
يعد قطاع النفط في العراق من الركائز الأساسية للاقتصاد، حيث تمثل صادرات النفط الجزء الأكبر من إيرادات البلاد. إن تأثير هذه التغيرات العالمية في الإنتاج والأسعار يمكن أن يكون إيجابيًا وتحديًا في الوقت نفسه للعراق:
تأثير إيجابي على الإيرادات: قد يوفر ارتفاع أسعار النفط، المدفوع بتخفيضات أوبك+ والعقوبات على إيران، فرصة للعراق لزيادة إيراداته من صادرات النفط. يمكن أن تستفيد الحكومة من الإيرادات المرتفعة بسبب الزيادة في الأسعار، والتي يمكن استخدامها في مشاريع التنمية أو لتحقيق الاستقرار في الميزانية الوطنية. إذا حافظ العراق على مستويات إنتاجه ضمن الحدود التي تحددها أوبك، فإنه قد يحقق تدفقًا مستدامًا من الإيرادات النفطية.
الضغط على مستويات الإنتاج: يعد إنتاج العراق من النفط أمرًا حاسمًا في صفقة أوبك+، لكن أي محاولة لتقليص الإنتاج قد تؤثر على مستويات صادراته النفطية. ونظرًا للاعتماد الكبير للعراق على صادرات النفط، فإن تقليص الإنتاج قد يحد من إمكانيات الحكومة في الحصول على الإيرادات الفورية، خاصة إذا أدى ذلك إلى تخفيضات طويلة الأمد في الإنتاج. سيكون على البلاد أن توازن بين الالتزام باتفاقيات أوبك+ وضمان تلبية احتياجاتها الاقتصادية الداخلية.
الاستثمار وتطوير البنية التحتية: قد يشجع ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإيرادات على مزيد من الاستثمار في البنية التحتية لقطاع النفط في العراق. ومع ذلك، قد يواجه العراق صعوبة في جذب الاستثمارات الأجنبية المستدامة في قطاعه النفطي بسبب المخاطر الجيوسياسية والبيئة الأمنية غير المستقرة. ومن ثم، سيكون على الحكومة وضع سياسات تعزز الاستقرار والثقة لضمان جذب الاستثمارات.
أوبك+ وآفاق أسعار النفط العالمية
بينما تواصل أوبك+ تعديل مستويات إنتاجها، يبقى سوق النفط العالمي في حالة من التغيير. ومع مشاركة دول رئيسية مثل السعودية وروسيا والعراق في هذه التخفيضات الجماعية، تحاول أوبك+ إيجاد توازن بين دعم أسعار النفط وتلبية احتياجات أعضائها الاقتصادية. من المتوقع أن تظل هذه الجهود للحد من الإنتاج تحت ضغط على أسعار النفط، لا سيما إذا استمرت التوترات الجيوسياسية، مثل تلك المتعلقة بإيران، في تقييد الإمدادات.
قد تظل أسعار النفط مرتفعة على المدى القصير إلى المتوسط، مما يفيد الدول المنتجة للنفط مثل العراق، ولكنها تشكل أيضًا تحديات للمستهلكين. على الرغم من هذه المكاسب القصيرة الأجل، قد تواجه أسواق النفط صعوبات على المدى الطويل بسبب عوامل مثل التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتغيرات في أنماط استهلاك الطاقة، والتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.
الخلاصة
يستمر تأثير العقوبات الأمريكية على إيران وتخفيضات الإنتاج من أوبك+ في دفع أسعار النفط للأعلى، حيث ارتفعت عقود خام برنت إلى 72.40 دولارًا للبرميل وعقود خام غرب تكساس إلى 68.52 دولارًا للبرميل. هذه التطورات تساهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا وربما أكثر ربحية للمنتجين. بالنسبة للعراق، على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط قد يجلب فوائد اقتصادية، فإن التحدي يكمن في الالتزام بأهداف إنتاج أوبك+ مع الحفاظ على إيرادات صادراته الحيوية من النفط. يظل سوق النفط العالمي معقدًا، وهذه التقلبات في الأسعار لها تداعيات كبيرة ليس فقط على العراق، ولكن على الاقتصادات العالمية وأمن الطاقة أيضًا.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية