تخفيضات أوبك+ تتعثر لكن من المبكر حسم مصير الكارتل

تخفيضات أوبك+ تتعثر لكن من المبكر حسم مصير الكارتل

فشلُ سياسة التخفيضات التي انتهجتها منظمة أوبك+ في دفع أسعار النفط العالمية أعاد إلى الواجهة الحديث عن مصير الكارتل والتساؤل عما إذا كان في طريق التفكك، إلا أن محللين يرون أنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك.

فيينا – اتفقت منظمة أوبك+ وشركاؤها، بقيادة روسيا، في اجتماعها الأخير خلال أوائل ديسمبر الماضي على خفض إنتاجها المشترك من النفط الخام إلى حوالي 2.2 مليون برميل يوميا. وهذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة من التخفيضات التي تحملت المملكة العربية السعودية الجزء الأكبر منها، والتي نفّذتها المنظمة في محاولة لدفع أسعار النفط العالمية بشكل أكبر، لكن التخفيضات لم تنجح في ذلك.

وقالت إيرينا سلاف في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي إن فشل المنظمة أعاد الحديث عن تراجع أهميتها لكن ذلك قد يكون سابقا لأوانه. وذكرت وكالة رويترز الأسبوع الماضي أن أوبك ستواجه انخفاض الطلب على خامها في النصف الأول من العام المقبل.

واقتبس التقرير توقعات الطلب على النفط من وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية وأوبك نفسها التي أشارت إلى أن الطلب على نفط المجموعة سينخفض العام الجاري، على الأرجح بسبب ضعف الطلب الإجمالي على النفط الذي توقعته بشكل غير دقيق وكالة الطاقة الدولية منذ مدة.

وأشارت سلاف إلى أن المستوى الحالي للطلب على النفط سيخلق تحديا. فعندما وافقت أوبك+ على تخفيضات الإنتاج الأوسع، تجاهل ذلك التجار لأنهم توقعوه، ولأن العرض العالمي بدا وفيرا جدا. ويكمن السبب الثالث الذي دفع إلى هذا التجاهل في تاريخ أعضاء أوبك من الغش في تخفيضات الإنتاج. وبعبارة أخرى، قد يوجد ما يكفي من النفط لتغطية الطلب، حتى لو وافق الجميع على التخفيض رسميا.

وقالت أنغولا إنها ستنسحب من أوبك حتى تتمكن من إنتاج الكمية التي تريدها من النفط. ولم يساعد هذا أجندة الكارتل. وأثار ذلك تكهنات التفكك وعزز التصور بأن النفط سيبقى كافيا مهما فعلت أوبك لأن الطلب سوف يضعف. ويبدو أن الكثير من المتداولين يراهنون على ضعف الطلب وينسون أن الشعور بتخفيضات الإنتاج في الأسواق الفعلية يبرز بعد مرور شهرين على الأقل. وقال المحللون الذين علقوا على قرار أوبك+ الصادر في ديسمبر إن فترة الثلاثة أشهر (المدة المقررة للتخفيضات الأعمق الجديدة) لن تكون كافية للتأثير على العرض والأسعار.

◙ التقارير المتنبئة بنهاية أوبك تستند إلى افتراضات انخفاض الطلب على النفط والنمو المستمر في الإنتاج بالولايات المتحدة

وقال المعلق آدي إيمسيروفيك لرويترز “لا أعتقد أن الخفض لمدة ثلاثة أشهر سيكون طويلا بما يكفي لإحداث فرق ملموس في ما يتعلق بالإمدادات المادية حتى لو التزم الجميع به”. وقال محلل آخر “ستستمر التخفيضات لمدة ثلاثة أشهر فقط، وقد يستغرق تنفيذها حوالي شهر أو شهرين”. وصرّح كالوم ماكفيرسون، رئيس السلع الأولية لدى إنفيستيك، “لسوء الحظ، لن تكون لدينا فكرة عن إنتاج يناير حتى نهاية الشهر، وهذه فترة طويلة في سوق النفط”.

وتتابع سلاف “بمعنى آخر ترجع حالة الأسعار إلى عدم التفكير في حالة إمدادات النفط بعد أربعة أشهر من الآن. وهذا ليس مفاجئا، ولكن يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار أن تأثيرات مثل هذه القرارات تكون متأخرة في العادة، تماما مثل عودة شركات الحفر الأميركية إلى نمو الإنتاج، مهما كان حذرا”.

وعادة ما تُتّهم شركات الحفر الأميركية بالتسبب في فشل أوبك في التأثير على الأسعار وما ينتج عن ذلك من فقدان الأهمية التي يقول البعض إننا نشهدها. وفاجأ منتجو النفط الأميركيون الجميع هذا العام بإضافة مليون برميل إلى الإنتاج اليومي بفضل تحسن إنتاجية الآبار، حتى مع اتجاه عدد منصات الحفر نحو الانخفاض خلال أغلب السنة.

لكن الكثيرين يفترضون أن الصناعة ستحافظ على هذا المستوى من تحسينات الإنتاجية وستستمر في زيادة الإنتاج. وهذا ما قد يحدث بالفعل. ولكنه قد لا يتحقق، حيث توقعت إدارة معلومات الطاقة معدل نمو إنتاج أكثر تواضعا هذا العام، وقدّرت أن يكون أقل من 300 ألف برميل يوميا.

وشهد تقييم الأثر البيئي أخطاء في السابق، وخاصة هذا العام، حيث استمر في التنبؤ بانخفاضات شهرية في إنتاج حوض بيرميان، في حين سجل هذا الإنتاج نموا. وفي الحقيقة ليست التحسينات في الإنتاجية أمرا لن يتوقف يوما، بل توجد حدود له. كما تتعدد إستراتيجيات الشركات، وتتركز الآن بين عدد قليل من المؤسسات إثر سلسلة من الصفقات الكبيرة في 2023. بمعنى آخر سيكون الإنتاج كيفما يريد المنتجون الكبار، وليس من المؤكّد أنهم يهدفون إلى الحد الأقصى.

وتستند التقارير الأخيرة المتنبئة بنهاية أوبك إلى افتراضات انخفاض الطلب على النفط والنمو المستمر في الإنتاج بالولايات المتحدة، لكن ليس أي من هذا حتميا. وكان الطلب على النفط مفاجئا وإيجابيا منذ أن أعلنت شركة بريتيش بتروليوم أن ذروة الطلب قد حدثت ثم انتهت في 2019، وكانت مخطئة في ذلك. وكان منتجو النفط الأميركيون مفاجئين بانضباطهم ونفورهم الجديد من نمو الإنتاج بأي ثمن.

وليس على أوبك سوى الانتظار حتى يعدّل الطلب مستويات العرض المريحة التي يراها التجار سببا في ضعف الأسعار. وربما تراجعت حصة المنظمة في الإجمالي العالمي بسبب التخفيضات، لكنها لا تزال قوية إلى حد كبير عند 27 في المئة من الإجمالي. وتتمتع بطاقة فائضة تصل إلى حوالي 5 ملايين برميل يوميا، وقد تقرر استخدامها إذا تطلب الأمر ذلك. ولذلك تبقى التقارير التي تتحدث عن نهاية أوبك مبالغا فيها إلى حد كبير.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن “الارتفاع المستمر في الإنتاج وتباطؤ نمو الطلب سيعقدان الجهود التي يبذلها المنتجون الرئيسيون للدفاع عن حصتهم في السوق وإبقاء أسعار النفط مرتفعة”.

ويقول أليستر نيوتن، وهو محلل سياسي أمضى عشرين عاما في السلك الدبلوماسي البريطاني، في تقرير نشرته مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية إنه “مع احتمال أن يتجاوز الإنتاج من خارج أوبك+ النمو في الاستهلاك، سيكافح الكارتل لإبقاء خام برنت فوق 80 دولارا للبرميل”. ويتوقع نيوتن أن تكون 70 دولارا للبرميل يوم 31 ديسمبر 2024.

ويبقى هذا أقل بكثير من الإجماع الحالي الذي يتراوح بين 80 و85 دولارا للبرميل خلال 2024. ويضيف نيوتن “يعدّ هذا في الواقع أكثر انسجاما مع التوقعات في حالة حدوث ركود عالمي، وهو ما لا أتوقع أن نشهده. لكنني أبقى حذرا بشأن أوروبا ونمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 في المئة في الصين، وأرى أن النسبة الحقيقية قد تكون 3 أو 4 في المئة”.

ويتابع ” كما أتوقع أن يستمر معدل تسارع التوسع في مصادر الطاقة المتجددة في الصين، مع الاعتبار الجزئي للتركيز على ما يسمى بـ’الثلاثة الجدد’ (الخلايا الشمسية وبطاريات الليثيوم وتصنيع السيارات الكهربائية) الذين أصبحوا محركات اقتصادية إستراتيجية. ونعتبر هذا مهما حيث يُنظر إلى الصين على نطاق واسع على أنها أكبر مصدر محتمل للنمو في الطلب على النفط هذا العام.

وأوافق توقعات وكالة الطاقة الدولية حول نمو استهلاك النفط العالمي في عام 2024 (أي 1.1 مليون برميل يوميا)، أكثر من اقتناعي بتوقع منظمة أوبك نمو الطلب على النفط في 2024 بمقدار 2.25 مليون برميل يوميا”. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن المنتجين من خارج أوبك+ سيزيدون العرض على مستوى العالم بما مجموعه 1.2 مليون برميل في اليوم. وبعبارات أخرى، سيتجاوز النمو في العرض النمو في الطلب خلال الأشهر الـ12 المقبلة.

ولا يستبعد نيوتن حدوث صدمة جيوسياسية في هذه المرحلة الصعبة بسبب تهديد واضح لإمدادات النفط المرتبطة بالحرب الروسية – الأوكرانية. كما أن استجابة الأسواق للحرب بين إسرائيل وحماس كانت محسوبة رغم الزعزعة التي شهدتها إثر الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر الأحمر.

وبينما ستستمر إيران في إثارة المشاكل لكونها تشعر بالقدرة على الإفلات من العقاب، إلا أنها لا تريد أن تجد نفسها في صراع كبير مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. ويرى نيوتن أن احتمال أن تنفذ فنزويلا تهديداتها ضد غيانا ضئيل وأن احتمال التصعيد بين الصين وتايوان عند 10 في المئة رغم القلق المشروع المنتشر بين المحللين.

وهذا ما يتركنا مع السؤال الأكثر إزعاجا: كيف ستستجيب أوبك+ لمزيج انخفاض الأسعار وتراجع حصتها في السوق. ويتوقع نيوتن ألا يتجاوز الرد سوى الحفاظ على جميع التخفيضات التي أمكن الاتفاق عليها منذ أكتوبر 2022 والتزام أعضاء الكارتل بمستويات الإنتاج المتفق عليها.

وإذا كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية أكثر دقّة من توقعات أوبك، فسيخاطر الاستمرار في التحمل بالمزيد من تآكل حصة المنظمة في السوق العالمية، وهي التي انخفضت بالفعل إلى 51 في المئة. وتكمن المشكلة الحقيقية التي تواجه أوبك+ في أن الخيارات الثلاثة الأخرى الواضحة لم تعد أكثر جاذبية. وبدا الحصول على موافقة الأعضاء بشكل عام على المزيد من الخفض أمرا صعبا حتى قبل أن تعلن أنغولا الشهر الماضي أنها ستغادر الكارتل.

وليس انسحاب أنغولا بنفس خطورة انسحاب الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، لكن على السعودية أن تعتبر الأمر خطوة قد تؤدي إلى تطورات أكثر خطورة إن حاولت فرض المزيد من التخفيضات الشاملة. ولا يتوقع نيوتن أن تتطوع السعودية بالمزيد من التخفيضات من جانب واحد، حيث أصبح إنتاجها بالفعل أقل بنحو 25 في المئة من طاقتها القصوى. ويعني تطوعها التنازل عن حصتها في السوق لمنتجين من الكارتل وخارجه.

◙ مدة الأشهر الثلاثة المقررة للتخفيضات الأعمق الجديدة لن تكون كافية للتأثير على العرض والأسعار

ويرى البعض أن الرياض ستذهب في الاتجاه المعاكس، أي زيادة إنتاجها لكسر السعر والضغط على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. لكن ما يجمع الكثيرون عليه على نطاق واسع يؤكد أن هزيمة أوبك في حرب الأسعار 2014-2016 ستخفف من حدّة هذا الاتجاه. وستدرس أوبك+ مسارات العمل المحتملة في وقت يتعزز فيه شبه الإجماع على أن ذروة النفط وشيكة.

وكتب كريس غيليس في مقال نشرته صحيفة فاينانشال تايمز في 21 ديسمبر الماضي أن “التعهد في مؤتمر المناخ (كوب 28) بالانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري مهم. ولكن لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بتوقع أنه سيغير الكثير. وكان من الممكن الاتفاق على الصياغة الأدق لأن الانتقال يحدث بالفعل. وتبقى ذروة النفط في الأفق ولا تستطيع أوبك+ فعل الكثير حيال ذلك”.

ويوافق نيوتن رأي غيليس بأن قدرة الكارتل تتضاءل في إملاء سعر النفط بسرعة بسبب انخفاض الأسعار، وتناقص حصته في السوق بالفعل، واقتراب ذروة النفط. ويقول “الواقع أننا قد نكون الآن قريبين جدا من اللحظة التي يبرز فيها للأعضاء الذين يتمتعون باحتياطيات كبيرة غير مستغلة خيار أن يسيروا على خطى أنغولا وينسحبوا”.

ويتابع نيوتن “لكنني لا أتوقع انشقاقات كبيرة في أوبك+ قريبا. ولا أرى بالمثل أن هذا سيكون شرطا مسبقا للمزيد من الانخفاضات في سعر خام برنت إلى 70 دولارا للبرميل في نهاية العام، والذي أعتقد أن ظروفه موجودة بالفعل”.

العرب