في 17 آب (أغسطس) 2022، أعلنت تركيا وإسرائيل أنهما ستعيدان العلاقات الدبلوماسية بينهما وستقومان بتعيين سفراء بشكل متبادل.
وكانت الدلائل تشير الى أن العلاقات بين البلدين قد دخلت مسارًا جديدًا. وظهر ذلك جليا في زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، إلى أنقرة في آذار (مارس)، وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة. وكانت أول رحلة يقوم بها رئيس دولة إسرائيلي إلى تركيا منذ العام 2007. ثم في وقت لاحق، في شهر أيار (مايو)، قام وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بزيارة إلى إسرائيل أيضًا.
في الحقيقة، كانت عملية التطبيع بين البلدين قد بدأت منذ سنوات، مع إشراك مسؤولي الاتصال الدبلوماسي رفيعي المستوى ودبلوماسية القنوات الخلفية التي حققت تقدمًا بطيئًا، وإنما متزايد. وكان وراء هذه الدبلوماسية المكوكية تاريخ من العلاقات الثنائية التي أثبتت مرونتها وهشاشتها معًا، حيث سرعان ما تندلع الخلافات أحيانًا فجأة وأحيانًا تتم إدارتها بطريقة هادئة.
الآن، هناك العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك، التي تفتح مسار العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
فمن جهتها، تواجه تركيا أزمة اقتصادية متفاقمة مع ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 80.21 في المائة في آب (أغسطس)، وتكافح من أجل تعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي. وقد بلغ حجم التجارة مع إسرائيل 8.4 مليار دولار العام الماضي، ويبدو كل من الشريكين حريصاً على تعزيز الشراكة التجارية. كما يرغب كلا الجانبين أيضًا في الحد من نفوذ إيران والوكلاء الموالين لإيران العاملين في سورية والمنطقة الأوسع.
إضافة إلى ذلك، تشكل آفاق التعاون في موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط منطقة رئيسية أخرى أيضًا للاهتمام المشترك. وعلى الرغم من الخلافات حول قضية حماس والفلسطينيين، ثمة ما يكفي مما يمكن الاتفاق عليه في المرحلة الحالية لجعل المصالحة بين البلدين قابلة للحياة. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التعاون في مجال الغاز سيكون “إحدى أهم الخطوات التي يمكن أن نتخذها معًا”. وتحرص الدولتان على لعب دور متزايد في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة كبديل عن روسيا.
كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بدولة إسرائيل في العام 1949. وتوسعت العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل مطرد في مجالات الدفاع، والاستخبارات، والتجارة، حتى لو أنها تطورت وراء الأبواب المغلقة وخارج نطاق تدقيق الشكوك العامة من كلا الجانبين.
حلف شمال الأطلسي
كانت زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا والحفاوة التي استقبل بها والاهتمام الإعلامي الكبير كلها دلائل على تحول كبير يحدث في الموقف التركي تجاه إسرائيل. وكانت العلاقات بين البلدين قد تدهورت بشكل حاد في العام 2010 عندما قُتل عشرة مدنيين أتراك كانوا على متن سفينة “مافي مرمرة” خلال غارة شنتها قوات كوماندوز البحرية الإسرائيلية لوقف قافلة بحرية كانت تهدف إلى خرق الحصار العسكري المفروض على غزة.
وردّ أردوغان على ذلك باستدعاء السفير التركي لدى إسرائيل في ذلك الوقت. وعاد احتمال المصالحة لفترة وجيزة عندما أصدرت إسرائيل اعتذارا لتركيا بشأن الحادث في العام 2013 وقدمت تعويضات لعائلات الضحايا.
ومع ذلك، تراجعت العلاقات الدبلوماسية مرة أخرى في العام 2018 بسبب قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والعنف الذي أعقب ذلك حيث قتل أكثر من ستين فلسطينيًا في اشتباكات على طول السياج الحدودي بين غزة وإسرائيل.
سوف يكون تقييم المد والجزر بين هذين الجارين الاستراتيجيين مستحيلًا من دون تقييم مصالح الولايات المتحدة. وبالنسبة للإدارات الأميركية المتعاقبة، كانت الأولوية الإستراتيجية طويلة الأمد هي تعزيز العلاقات القوية بين إسرائيل وتركيا، والتي يُنظر إليها على أنها مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط الأوسع.
كان الجديد هو ما شاهدناه في نهايات شهر تشرين الأول (أكتوبر) حين أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، عن حقبة جديدة في العلاقات الأمنية العلنية لبلاده مع تركيا بعد انقطاع دام عقدًا، فيما جاء نتيجة لزيارة مفاجئة قام بها إلى أنقرة.
يقول غابرييل ميتشل، زميل السياسة في “معهد ميتفيم”، إنه في حين أنها ليست هناك صلة مباشرة بين حل النزاع على الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية واحتمالات إبرام صفقة خط أنابيب بين إسرائيل وتركيا، إذا تم تحقيق ذلك، فإن ذلك يمكن أن يؤسس سابقة مهمة لترتيبات الحدود البحرية الأخرى في أماكن أخرى من المنطقة. وعلى الرغم من أن تركيا ولبنان ليسا جارين ساحليين، إلا أن أنقرة تدرك أن الاتفاقية سوف تخدم طموحاتها الخاصة للعمل مع كل من إسرائيل ولبنان بشأن صادرات الطاقة. وسيكون دفع رسوم عبور للبنان، على سبيل المثال، أحد الخيارات التي تطرح بين صانعي السياسة لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.
لا شك أن هناك تحديات تقف أمام تركيا وإسرائيل والتي يجب التغلب عليها. ويحد هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في “صافي صفر” للعام 2050 من العمر التجاري المتوقع لخط أنابيب جديد تم بناؤه لتوصيل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
ووفقًا لإيسر أوزديل، وهو زميل غير مقيم في “مجلس الأطلسي في تركيا”، فإن التقارب يجعل الطاقة بندًا إيجابيًا في جدول الأعمال في العلاقات الثنائية. ويجادل بأن “هذا قد يخلق وضعًا مربحًا لجميع الأطراف الإقليمية بينما يواجه العالم أزمة غاز طبيعي كبرى. وقد لا يقتصر هذا التأثير الإقليمي على إيصال الغاز الإسرائيلي إلى الأسواق الدولية فحسب، بل إنه قد يمهد الطريق أيضًا لتسييل موارد الطاقة بشكل أسرع في البلدان الأخرى في المنطقة، وخاصة مصر”.
والأمل هو أن المصالح الاقتصادية المشتركة يمكن أن تقوض تأثير الخلافات السياسية بين تركيا وإسرائيل والدول الساحلية الأخرى. ووفقًا لمايكل برادشو، أستاذ الطاقة العالمية في كلية وارويك للأعمال والمدير المشارك في مركز أبحاث الطاقة بالمملكة المتحدة، فإن من المدهش أن يُنظر إلى الاتفاقيات الدبلوماسية على أنها تؤدي إلى استثمارات تجارية كبيرة. فبعد كل شيء، إنها شركات الطاقة، وليس الدول، هي التي تقرر مباشرة استثمارات البنية التحتية للغاز، ويجب عليها موازنة الخيارات حيث ستواجه المشاريع منافسة عالمية لاستثمارات رأس المال والمشترين.
ميرال
كان إطلاق التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري بين البلدين هو أبرز مؤشرات ما توصل إليه وزير الدفاع الاسرائيلي في زيارته الأخيرة. والتحدي الرئيسي الآخر هو أن أي خط أنابيب غاز من إسرائيل إلى تركيا سيتعين عليه أن يمر بالضرورة عبر المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة التي تطالب بها قبرص. وفي ظل الخلاف بين القبارصة اليونانيين والأتراك حول تسوية شاملة لمستقبل الجزيرة، فإن إشراك قبرص في صفقة طاقة تشمل تركيا سيكون أمرًا صعبًا.
ومع ذلك، هناك مجال أمام الولايات المتحدة وبريطانيا لممارسة دبلوماسية بناءة بشكل مشترك لإقناع قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، بأنه من مصلحة أوروبا وحلفائها أن يستمر مشروع خط الأنابيب هذا.
جاءت زيارة غانتس التي استمرت ليوم واحد إلى العضو القوي في حلف شمال الأطلسي بعد شهرين من استئناف إسرائيل وتركيا العلاقات الدبلوماسية بينهما. وقال غانتس بعد اجتماعات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الدفاع خلوصي أكار: “لأكثر من عقد من الزمان لم تكن هناك علاقات أمنية رسمية. اليوم نقوم بتغيير ذلك، في عملية مسؤولة وتدريجية تخدم مصالح إسرائيل”.
لكن العلاقات تدهورت في عهد أردوغان الذي ابتعد عن علمانية بلاده منذ أن أصبح زعيما بارزا في العام 2003. وبدأت العلاقات الثنائية تتأرجح في العام 2008 بعد عملية عسكرية إسرائيلية في غزة. ثم تجمدت العلاقات في العام 2010 بعد مقتل 10 مدنيين أتراك في أعقاب غارة إسرائيلية على السفينة التركية “مافي مرمرة”، وهي جزء من أسطول حاول خرق الحصار من خلال نقل المساعدات إلى قطاع غزة.
والآن، بعد أشهر من الدفء الدبلوماسي، أعلنت إسرائيل وتركيا في 17 آب (أغسطس) عن استعادة العلاقات بشكل كامل وعودة السفراء إلى البلدين.
تحدث غانتس عن نشاطات الحركات فلسطينية المسلحة على الأراضي التركية، وقال “إن القضية طرحت في محادثاتنا”، وأضاف أن إسرائيل تتحاور وتنسق باستمرار مع المنظمات الأمنية التركية. وقال: “هذا هو أول اجتماع أمني استراتيجي بعد سنوات عديدة”.
وقال غانتس أيضاً إنه يعتقد أنه “يمكن القيام بالكثير معًا من أجل الحد من تأثير أولئك الذين يزعزعون استقرار مناطقنا، من خلال دعم أو تنفيذ الإرهاب ضد المدنيين الأبرياء”. وأضاف الوزير الإسرائيلي “هذا ينطبق أيضا على الساحة الفلسطينية”.
وكان استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في العاصمة أنقرة، في لقاء مفاجئ لم يكن ضمن ترتيبات زيارة غانتس الرسمية إلى تركيا، قد أثار تساؤلات عدة حول فحوى اللقاء ومدى إمكانية حضور ملف قادة “حماس” في النقاش بين الطرفين.
وأفادت وكالة الأناضول للأنباء، بأن اللقاء بين أردوغان ووزير الدفاع الإسرائيلي، جرى في المجمع الرئاسي بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام، بحضور وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، فيما اكتفت الرئاسة التركية بنشر صورة تجمع أردوغان بوزيري الدفاع التركي والإسرائيلي. وقالت تقارير إسرائيلية إن المباحثات شملت، أيضا، ملف قادة حركة حماس.
وأشارت “قناة كان” الإسرائيلية، إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، ناقش خلال زيارته، ملف تواجد قيادة حركة حماس بتركيا، والعلاقات القائمة بين الحركة الفلسطينية والسلطات التركية. وأوضحت القناة أن غانتس حمل إلى تركيا رسالة سياسية مفادها بأن إسرائيل لا تقبل باستضافة أنقرة لكبار مسؤولي حركة حماس الفلسطينية.
أحوال