هي خطوة أولى في مشوار الألف ميل بين دمشق وأنقرة، بدأت من موسكو بعقد لقاء ثلاثي ضم وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي بحضور رؤساء استخبارات هذه الدول، وهو اجتماع كان كفيلاً إلى حد بعيد بإذابة الجليد بين دولتين جارتين سادت لغة الحرب بينهما لعقد من الزمن، بينما كانت قد سبقته سلسلة اجتماعات أمنية على مدار أشهر، وسيتبعه لقاء مشابه بين وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والتركي مولود تشاويش أوغلو في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الحالي.
الاتفاق الثلاثي، بحسب ما صرحت به أروقة دوائر السياسة الروسية، يمكن تلخيصه في نقاط تتضمن انسحاب تركيا بالكامل من سوريا، واحترام أنقرة سيادة دمشق بشكل يضمن فتح الطريق الواصل بين اللاذقية وحلب “أم 4″، وبسط نفوذ النظام في دمشق على الأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مع تشكيل لجان مشتركة تنفيذية للاتفاق.
الضمانات والتحديات
ومع كل ذلك تنظر الأوساط السياسية السورية بحذر وحرص شديدين حيال الاتفاق ومدى تطبيقه على الأرض، لا سيما أن المصلحة التركية بالانعطاف إلى دمشق والعودة من خلال مد جسور التواصل معها سببه المباشر الانتخابات التركية في عام 2023، بالتالي تمثل عودة اللاجئين المطلب الأصعب بالنسبة إلى حكومة أنقرة الداعمة لهم وللمعارضة السورية منذ بداية الصراع المندلع عام 2011. ومع كل ما يثار حيال تطبيع العلاقات بين البلدين، تثار تساؤلات عن جدوى العثرات والضمانات لتحقيق بنود الاتفاق بكل ما جاء فيه.
ورأى السفير السوري السابق لدى تركيا نضال قبلان في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “وجود ضمانات لتحصين الاتفاق أمر ضروري، ويجب أن تلزم موسكو الجانب التركي إجراءات على الأرض عبر جدول زمني، بل وإيجاد مراحل لتطبيق كل الخطوات عبر مواعيد ومواقيت محددة، والالتزام به، كالانسحاب من إدلب وتسليم مناطق في ريف حلب، وكلها برعاية روسية. إن كل الاتفاقات في السابق لم نرَ التزاماً وثيقاً بها من جانب تركيا”.
ولفت قبلان أيضاً إلى أهمية ضمان وجود شريط أمني على طول الحدود يمكن أن يحدد بـ10 أو 15 كيلومتراً في سوريا، والمساحة ذاتها في تركيا، وليس فقط في الأراضي السورية “مع تسيير دوريات (روسية – تركية – سورية)، ووقف نهب الثروات، والنظر إلى إيجاد تعويضات مالية واقتصادية وتعويض للصناعيين الذين نهبت وفككت معاملهم، وهربت إلى تركيا، مع فتح المعابر الحدودية لإيجاد حركة تصدير واستيراد متبادل”.
في غضون هذه التطورات، ينظر الشارع السوري إلى المصالحة كضوء يخترق الأسوار المحيطة باقتصاده المتهالك بعد عقوبات تزداد وطأة وشدة، وانعدام القدرة الشرائية، مما أنهك السوريين، ولهذا الأمر خرج المجتمع الأهلي والمحلي في سوريا بكل أطيافه ومشاربه الموالية والمعارضة لمطالبة الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات، ولا سيما قانون قيصر (سيزر)، أو التخفيف منه.
وفي هذا الجانب رجح قبلان أن “الانفتاح الاقتصادي واتفاقات التجارة البينية كفيلة بصناعة فرق. ولعل الأميركي حينما يرى عدداً من الدول من بينها الصين وتركيا قد كسرت الحصار وقوانين العقوبات، فحتماً سيلغيها، بالتالي لا شيء دائماً في السياسية”.
العثرات في إدلب
إزاء ذلك، ومع بداية تطبيق ما اتفق عليه بين دمشق وأنقرة، يمكن الاصطدام بالوجود الأميركي، شمال شرقي البلاد، حيث في قواعد عسكرية وفي حقول النفط والغاز، أو بالأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إحدى أذرع “الإدارة الذاتية” الكردية. وقال السفير السوري السابق لدى تركيا، إن “الأميركي ليس بصدد المواجهة على الأرض في سوريا مع الروسي أو يقف بوجه تركيا الدولة العضو في (الناتو)”.
وجزم في الوقت ذاته بأنه “بالتوازي مع جهود لكسر جليد العلاقات، ونية فتح صفحة جديدة، فإن التنظيمات المتشددة في ما يخص حضورها بإدلب، ومن أبرزها هيئة تحرير الشام (النصرة) سابقاً، وتنظيمات متشددة أخرى، قد لا تذعن للاتفاق”. وأضاف، “ليس مستبعداً البدء بحملة عسكرية وأمنية (سورية – روسية – وتركية) لتحرير هذه الأراضي بالقوة، بخاصة أن هذه الجماعات ترفض الرضوخ لهذه التطورات، ولهذا هم أمام خيارات، إما الانصياع، وإما المواجهة العسكرية، وإما نفيهم خارج البلاد”. ومن غير السهل، بحسب مراقبين، أن تتخلى هذه التنظيمات بعد مرور ثماني أو تسع سنوات عن وجودها بعد قضاء فترة طويلة، بالتالي ليس مستبعداً أن ترسلها إسطنبول إلى ساحات دولية ساخنة عسكرياً، كما حدث في أذربيجان، ولا تخفي الأوساط السياسية في دمشق خدعة الحكومة التركية الحالية بغرض الحصول على مكاسب سياسية لكسب الشارع الداخلي من هذا التطبيع، ويجزم متابعون للشأن السوري بأن التحدي أمام الضامن الروسي كبير لإرغام أنقرة على الوفاء بالتزاماتها، لكن على رغم ذلك لا بد من وجود جدول زمني محكم قبل الانتخابات التركية التي ستجري هذا العام.
اندبندت عربي