الخرطوم – انتقلت حدة الصراع الروسي – الأميركي – الأوروبي إلى الساحة الأفريقية مع تطورات الأحداث في الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة منذ الرابع والعشرين من فبراير 2022.
وهذا المستجد تجلى خلال اليومين الماضيين من زيارات مبعوثين غربيين إلى السودان بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الخرطوم.
وزار لافروف الخرطوم الأربعاء والخميس، فيما زارها 6 مبعوثين غربيين من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وهذا التزاحم على الخرطوم جاء في ظل تنازع دولي بشأن ملفات عديدة بالمنطقة، خاصة الملف السوداني وهو من أهم الملفات التي تبدو مقلقة للعديد من دول المنطقة والولايات المتحدة وأوروبا، لأنه يشمل احتمال إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان.
وملف القاعدة الروسية دائما ما يخبو ليعود إلى السطح، في ظل تضارب وغموض سوداني حول مصيره، فتارة يُجمد وأخرى يحتاج للمراجعة وثالثة تحتاج الاتفاقية بشأنه لموافقة برلمانية، بحسب تصريحات مسؤولين سودانيين.
وقال لافروف الخميس إن بلاده في انتظار موافقة المؤسسات التشريعية (البرلمانية) في السودان على إنشاء القاعدة البحرية.
ونقلت وكالة “اسوشيتد برس” عن اثنين من المسؤولين في السودان أن الجيش أكمل مراجعة اتفاق مع روسيا لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
وبحسب المسؤولين، فإن الاتفاق ينتظر تشكيل حكومة مدنية وهيئة تشريعية للتصديق عليه قبل أن يدخل حيز التنفيذ.
وأفاد المسؤولان أن موسكو لبت أحدث مطالب السودان، بما في ذلك توفير المزيد من الأسلحة والمعدات.
وقال أحد المسؤولين ”لقد أزالوا كل مخاوفنا… أصبح الاتفاق مقبولا من الجانب العسكري”.
ولم يقدم المسؤولون المزيد من التفاصيل وتحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، فيما رفض متحدث باسم الجيش السوداني التعليق.
والسودان دون برلمان منذ أن أجبرت انتفاضة شعبية الجيش على الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019.
وكانت البلاد غارقة في الفوضى السياسية منذ أن أدى انقلاب عسكري في أكتوبر 2021 إلى إخراج انتقالها قصير الأجل عن مساره.
ويسمح الاتفاق لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية تضم ما يصل إلى 300 جندي روسي، والاحتفاظ في وقت واحد بما يصل إلى أربع سفن بحرية، بما في ذلك سفن تعمل بالطاقة النووية، في بورتسودان الإستراتيجية على البحر الأحمر.
وستضمن القاعدة وجود البحرية الروسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وتجنيب سفنها الحاجة إلى رحلات طويلة للوصول إلى المنطقة، وفقا لفيكتور بونداريف قائد القوات الجوية الروسية السابق.
القاعدة تضمن وجود البحرية الروسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وتجنب سفنها رحلات طويلة إلى المنطقة
وفي المقابل، ستقوم روسيا بتزويد السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية. ومن المقرر أن يستمر الاتفاق لمدة 25 عاما، مع تمديدات تلقائية لمدة 10 سنوات إذا لم يعترض أي من الجانبين.
وفي مايو 2019 كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.
وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السادس عشر من نوفمبر 2020 على إنشاء قاعدة بحرية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
وفي التاسع من ديسمبر 2020 نشرت الصحيفة الرسمية الروسية نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ”تعزيز السلام والأمن في المنطقة”.
وتنص الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.
ويمكن لهذه القاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.
الجيش السوداني أكمل مراجعة اتفاق مع روسيا لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر
وخلال الفترة الماضية اتسمت التصريحات السودانية بشأن القاعدة الروسية بالتباين، وفق مراقبين، وكأن الخرطوم تستخدم موضوع القاعدة للمناورة في علاقاتها مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة.
وحتى التصريحات السودانية بشأن زيارة لافروف اكتفت بالإعلان عن تناول القضايا الثنائية الاقتصادية وذات الطابع الدولي، ولم تتطرق إلى ملف القاعدة الروسية.
وفي الثاني من مارس 2022 عقب عودته من موسكو، قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن بلاده ليست لديها مشكلة مع روسيا أو أي دولة أخرى في ما يتعلق بإقامة قاعدة على ساحل البحر الأحمر، بشرط ألا تشكل تهديدا للأمن القومي.
وفي الأول من نوفمبر 2021 قال رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان “لدينا اتفاق مع روسيا من ضمنه إنشاء قاعدة بحرية، ونتحدث فيه باستمرار ولدينا بعض الملاحظات نحتاج إلى إزالتها (قبل التنفيذ).. ملتزمون بالاتفاقيات الدولية وسنمضي في تنفيذ الاتفاق حتى النهاية”.
وفي الثاني من يونيو 2021 أعلن رئيس أركان الجيش محمد عثمان الحسين أن بلاده بصدد مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا، بما فيها القاعدة العسكرية على البحر الأحمر.
وفي الثاني عشر من يوليو 2021 أعلنت وزيرة الخارجية مريم المهدي أثناء زيارتها لموسكو أن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء المركز اللوجستي الروسي على ساحل البحر الأحمر، وهو جزء من اتفاق وقعته الحكومة السابقة، لكن لم تتم المصادقة عليه بعد من المجلس التشريعي (البرلمان).
وفي مايو 2021 ذكرت وسائل إعلام إقليمية ودولية أن الخرطوم جمدت اتفاقياتها مع روسيا، بما فيها إنشاء قاعدة عسكرية شمالي مدينة بورتسودان، بينما نفت موسكو أن تكون الاتفاقية جُمدت.
ولدى السودان ساحل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم، ويوجد عليه ميناء بورتسودان، وهو الميناء الرئيسي للبلاد ويمثل منفذا بحريا إستراتيجيا لعدة دول مغلقة ومجاورة مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.
كما يقع السودان في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الأفريقي والخليج العربي وشمال أفريقيا، ما يمثل أهمية لمساعي واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالله رزق إن زيارة لافروف إلى الخرطوم المتزامنة مع زيارة المبعوثين الغربيين “توضح المكانة المتميزة للسودان” وتعكس أنه أصبح “حلبة صراع دولية”.
وأضاف “خاصة أن وجود الوفد الأوروبي الأميركي في ذات وقت وصول لافروف شكَّل حالة تشويش وإرباك وضغط على الحكومة من الخوض أكثر في قضايا حساسة حملها لافروف وعلى رأسها القاعدة العسكرية”.
واعتبر رزق أن “زيارة لافروف تمت في وقت يمر فيه السودان بأسوأ حالاته، حيث يفتقر للإدارة الحكومية الفاعلة، مما أوجد فراغا في السلطة تشغله الفوضى”.
وبوساطة أفريقية وأممية تُبذل جهود لمعالجة أزمة سياسية سودانية متواصلة منذ أن فرض البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 إجراءات استثنائية اعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا” على المرحلة الانتقالية، بينما قال هو إنها تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”.
ومشيرا إلى المعلن من أن الجانبين السوداني والروسي بحثا العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، قال رزق إن “القضايا الثنائية التي يمكن الإشارة إليها في هذه المباحثات تتمثل في علاقة السودان بشركة فاغنر الأمنية (الروسية)، وتصدير الذهب إلى روسيا، والقاعدة العسكرية على البحر الأحمر ضمن مشروع اتفاق أمني واسع”.
العرب