دمى لتجنب الانقلاب…مزايا متابعة مناورات المالكي..

دمى لتجنب الانقلاب…مزايا متابعة مناورات المالكي..

111111

عندما استولى مسلحو “داعش” (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (ISIS) في الشهر الماضي بسهولة ويسر على شمال البلاد، اعتمد رئيس الوزراء نوري المالكي اللوم اسلوباً لتبيان عدم فاعلية جيشه ضد عدو أصغر منه بكثير.

في محاولة لحماية نظامه من الانقلابات، استعان المالكي بقوات امنية موالية له، اختارها بعناية من وحدات الجيش الرئيسة في سلسلة القيادة العسكرية، واجرى مراكمة قوات تابعة لوزارة الداخلية لموازنة الجيش. الامر الذي قوض معنويات الجنود، وبدا من المستحيل تقريباً على القوات المسلحة، التي كانت مسؤولة عن حماية المحافظات الشمالية ان تجري تنسيقاً فعالاً فيما بينها.

وبعد فان إدانة المالكيتفتقد لامر: فالمعضلة التي يواجهها ليست فريدة من نوعها. ويمكن القول ان القوات العسكرية القوية القادرة على هزيمة المتمردين وردع الغزاة، ستتمكن في ذات الوقت من الاستيلاء على السلطة. وبالنسبة للزعامة الفردية، فان النتائج المترتبة على انقلاب عسكري هي أكثر خطورة بكثير من الهزيمة في المعركة، حيث يواجه القادة المخلوعون بعد الانقلابات احتمال النفي أو الموت. بينما النكسة العسكرية نادراً ما تجلب المصير ذاته. ومن هنا فالاستراتيجية التي استخدمها المالكي تدور حول الوقاية من الانقلاب، وهي ذات الاستراتيجيات التي استخدمها زعماء من قبله فيدل كاسترو إلى صدام حسين.

وباختصار، فإن الكيفية التي يجري بها تحسين القدرة العسكرية العراقية دون تقويض السيطرة المدنية، لن يكتب لها التقدم حتى عندما يترك المالكي منصبه. فقواعد ترسيخ الحكم الديمقراطي والمدني في العراق هي عملية قد تستغرق عقودا، إن لم يكن لفترة أطول. وفي غضون ذلك، فان سياسة الولايات المتحدة في العراق يجب أن تعكس فهماً للتهديدات التي تواجه القادة والأدوات المتاحة لها للتصدي لتلك التهديدات.

ادلة ايجابية

عندما تولى المالكي السلطة في عام 2008، ورث دولة ذات انقسامات طائفية عميقة وتاريخ طويل من التداخل بين العسكرية والسياسة. ولقطع الطريق على معارضيه السياسيين من استخدام الانقلاب العسكري كطريق سريع للوصول الى السلطة، قام المالكي بفصل ألوية رئيسة، بما في ذلك  لواء 56 المكلف بحماية المؤسسات الحكومية والمسؤولين في بغداد، وكتائب الحرس الرئاسي الأول والثاني، من هيكل القيادة العسكرية. واستبدل القادة ذوي الخبرة بقيادة موالين له شخصياً. علاوة على ذلك، ففي عام 2010، عند تولي المالكي منصب وزير الداخلية، فانه سيطر بشكل مباشر على كل مؤسسات الوزارة، بما في ذلك حرس الحدود والشرطة الاتحادية، والتي هي بمثابة ظهير للقوة العسكرية.

هذه الاستراتيجيات التي توصف بالطائفية، تعبر من جهة اخرى عن خشية المالكي من امكانية استيلاء المعارضين على السلطة، وللانقلابات تاريخ طويل في العراق. فبعد الانقلاب البعثي في عام 1968، على سبيل المثال، أنشأ الرئيس أحمد حسن البكر قوات الحرس الجمهوري والميليشيات الشعبية، وكلاهما يتكون من الموالين لحزبه. وأنشأ الرئيس صدام حسين العديد من القوات الاضافية، بما في ذلك الحرس الجمهوري الخاص، وفدائيي صدام، وقوات القدس، والتي ترفع تقاريرها مباشرة له.

تجنب الانقلابات هو نموذج يتكرر على الدوام. فعلى سبيل المثال، توسع القادة الهنود بدءا بنهرو بتعزيز القوات شبه العسكرية والشرطة التابعة لوزارة الشؤون الداخلية، لمنع الجيش من أن يصبح لاعباً سياساً كما هو الحال في باكستان المجاورة. وبعد وقت قصير من وصوله الى السلطة في كوبا، اوجد كاسترو سلسلة من قوات الميليشيا لنفس السبب. وفي أوائل الستينيات من القرن الماضي، استجاب الرئيس الاندونيسي سوكارنو بعد زيادة التوتر مع الجيش في حشد لواء الشرطة المتنقلة ونقله تحت قيادته المباشرة. اليوم، ما يقرب من 80 % من القادة في العالم النامي يستخدمون نوعاً من الموازنة شبه العسكرية مع القوات المسلحة.

وعلى اية حال، فان فصل الوحدات القائمة من سلسلة القيادة العسكرية يجعل من الصعب على أي قوة واحدة الاستيلاء على السلطة. فالانقلاب الناجح يتطلب من مدبريه تنسيق أعمالهم قبل البدء به. وعندما تأخذ قوات الأمن المتعددة أوامرها من زعماء متعددين، تصبح المهمة أكثر صعوبة. فضلاً عن ذلك فان القوات الموازية والموالية لرأس للنظام، يمكنها أيضا أن تكون مصدراً للمقاومة المسلحة في أعقاب حدوث الانقلاب. ففي عام 2002 جرت محاولة انقلاب في فنزويلا، افشلتها قوة الحرس الرئاسي التابعة للرئيس هوغو شافيز التي اطاحت بقادة الانقلاب المتمركزين في القصر الرئاسي.

ولكن هناك عدداً من المتغيرات: على الرغم من أن القوات الموالية  لحماية رأس السلطة، تمكن صانع القرار من الابقاء على كرسيه، فإنها تعوق أيضا الفاعلية العسكرية في ميدان المعركة. ولعل من ابرز المشاكل التي واجهتها القوات المسلحة العراقية في كل من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وحرب العراق عام 2003 ما يتعلق بالاتصال والتنسيق.

وبطبيعة الحال، ففي المعركة ضد “داعش” تقاسم الجيش العراقي المسؤولية عن العمليات في محافظة نينوى، مع اثنين من قوات وزارة الداخلية، وهما حرس الحدود والشرطة الاتحادية، بالإضافة الى انه لا يعرف الجنود هناك بعضهم بعضا، ناهيك عن العمل معاً، وكذلك ارتداء ازياء مختلفة، ففي  تقرير اصدرته المجموعة الدولية لمعالجة الازمات عام 2010، نقلاً عن قائد في وزارة الداخلية قوله “ان جنودنا في نقاط التفتيش وفي كثير من الأحيان لا يعرفون حتى من يسمح لهم بالمرور “.

ولاشك في ان وجود قوات متعددة خارج الهيكلية العسكرية، يقلل من الروح المعنوية، ويدفع الى تصاعد الاستياء في صفوف الجيش النظامي نتيجة تحويل الموارد والارزاق للقوات الاخرى. وفي ذات الوقت، فان القوات الموازية، قد لا يتلقى الدعم الكافي في ساحة المعركة. وهو ما شهدناه بالنسبة لحرس الحدود التابعين لوزارة الداخلية العراقية، الذين شكوا بمرارة في أعقاب هجوم “داعش” من عدم قدرة الوزارة على تزويدهم بالطعام والماء.

ومن مضار وقود قوات موازية؛ انه، قد تنجح الانقلابات بحدود 40 % ، ولكن وجود ثقل شبه عسكري يقلل من خطر حدوث انقلاب ناجح بمقدار النصف. ففي الدول التي تتوافر فيها اكثر من قوة عسكرية، والتي تصل الى اكثر من ثلاثة تشكيلات عسكرية أو أكثر متداخلة مع القوات العسكرية، فان 21 % فقط من الانقلابات تنجح في إزالة قادة من السلطة. حيث يرتبط النظام الحالي بشبكة من الولاءات العرقية الحزبية، الامر الى يقلل من احتمالات نجاح  الانقلاب لتصل إلى 14 %. وهو ما شكل حافزاً قوياً للمالكي والزعماء الذين على شاكلته، لاستخدام استراتيجيات تجنب الانقلابات على حساب الكفاءة العسكرية.

آمنة ومأمونة

ما العمل اذن؟ العراقيون يعيشون في اوضاع  اقليمية خطيرة، لذلك هم لا يستطيعون إعاقة الانشطة العسكرية للمسلحين، فضلاً عن بقاء احتمال حدوث الانقلاب قائماً. ومن ناحية اخرى فان استراتيجية تجنب الانقلاب تضعف سيادة القانون وتقلل من السيطرة المدنية على الجيش، وعلى المدى الطويل فان ما تقدم يزيد من خطر الانقلاب.

على مدى العقد الماضي، ركزت الولايات المتحدة على جعل الحكومة العراقية أكثر شمولية، من خلال تقاسم السلطة وفقاً للمكونات العرقية والطائفية، ما يؤدي الى زيادة فرصة تحقيق الاستقرار في العقود المقبلة. لكن في الوقت ذاته، يتصاعد احتمال حدوث الانقلاب العسكري، من خلال تنافس الفصائل المرتبطة برأس السلطة، والاخرى من داخل المؤسسة العسكرية والامنية، ومن المرجح أن يستمرالمالكي في مقاومة نداءات الولايات المتحدة لعدم تسييس قوات الأمن والابقاء عليها بعيداً عن التجاذبات والانتماءات.

وبعد؛ فان استبدال المالكي ليس هو الحل، فهو تحجيم تبعات الهزيمة العسكرية فقط، التي تفوق اثارها، تداعيات أي انقلاب. ومن المفارقات أن أي زعيم عراقي يتولى الحكم لابد ان يكون على استعداد لتقليص استراتيجيات الوقاية من الانقلاب، التي عرقلت قوات الأمن في البلاد. وهذا يعني أن أكثر نجاحات “داعش” ترجع الى ما اعتبره المالكي وسيلة للحفاظ على بقائه في السلطة.

الآن، قد يكون هناك القليل الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله في المدى القصير، ويمكن للمستشارين العسكريين الأمريكيين ان يركزوا على تخفيف بعض العواقب السلبية لاستراتيجية تجنب الانقلاب. وقد يكون الامر اكثر سهولة للبدء به مع حرس الحدود المتمركز خارج بغداد، وهو الأقل قوة وقدرة على منع الانقلاب، ونقل قيادة عملياته من وزارة الداخلية إلى المؤسسة العسكرية وتحسين قدرتها على مساعدة الجيش في مكافحة ISIS. “داعش”.

ولعل استمرار وجود المستشارين العسكريين الأمريكيين في العراق من شأنه أن يوفر للجنود العراقيين فرصاً لتدريبات طويلة ومهنية، ترسخ نهجاً عسكرياً محترفاً يبتعد عن أي صبغة سياسية. وعلى الرغم مما تقدم فليس بمقدور الولايات المتحدة إزالة كل اسباب التهديد بحدوث انقلاب عسكري، في بلد تقوضت قدراته العسكرية على مدى عقود طويلة. ولكن لابد من الاعتراف ان الحد من الضغوط التنافسية بين القوى السياسية، ورغبات الانفراد بالسلطة لدى القادة العراقيين، قد تكون مدخلاً مناسباً يساعد في تخفيف بعض التكاليف الناجمة عن استخدام استراتيجيات حمائية يعتمدها الساسة لحماية أنفسهم ومصالحهم.

الاستاذة المساعدة اريكا دي برون

مقال منشور في  مجلة الفورن افيرز في العدد الصادر في 27/7/2014

ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية