تونس- لم يعمل الاتحاد العام التونسي للشغل على تطويق آثار الاستعانة بالأمينة العامة للكونفيدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش في خلافه مع السلطة السياسية، بل بالعكس مضى في التصعيد من خلال إقرار تجمع عمالي ومسيرة احتجاجية في مارس بالعاصمة تونس، في تحد واضح للرئيس قيس سعيد.
يأتي هذا في وقت لوحت فيه لينش باللجوء إلى “أعلى المستويات في الاتحاد الأوروبي”، في خطوة تحريضية تظهر أن ما حذرت منه الرئاسة التونسية في بيانها السبت قد تحقق بشأن التدخل في السيادة التونسية.
وبدلا من الاعتراف بخطأ الاستعانة بأجنبية وما يمكن أن تجره من مشاكل على المنظمة، زاد اتحاد الشغل التصعيد بأن دعا الاثنين كافة النقابيين في العاصمة تونس إلى تجمع احتجاجي ومسيرة في الرابع من مارس المقبل.
ويجد اتحاد الشغل نفسه في وضع معقد هذه المرة؛ ذلك أن خلافاته السابقة مع السلطة، سواء ما تعلق منها بالملفات المطلبية أو بالمواقف السياسية، كانت شأنا داخليا تم التفاعل معه بالحوار أو بالرفض أو بالسكوت، لكن الخلاف هذه المرة يصعب تطويقه بسبب تعلقه بموضوع حساس لدى الرئيس سعيد.
ويعرف قادة الاتحاد أن قيس سعيد يقبل الانتقادات الداخلية المختلفة ويرد عليها أحيانا في خطاباته، لكنه لا يغفر لأي جهة كانت الاستقواء بالأجنبي لحل خلاف داخلي أو للضغط على رئاسة الجمهورية أو الحكومة.
وكان الاتحاد نفسه قد أدان في مرات سابقة التدخلات الخارجية في الشأن التونسي، وانتقد انتقادا لاذعا ما أسماه القوى التي تستقوي بالخارج.
وفي بيان له ينتقد تعليق دوائر خارجية على الدستور في الصيف الماضي، أدان الاتحاد تصريحات المسؤولين الأجانب عن الوضع في البلاد، والتدخل في الشؤون الداخلية. واستنكر ما أسماه “تعمّد بعض القوى السياسية الداخلية الاستنجاد بالدّول الأجنبية”.
وتساءل المراقبون كيف يبرر الاتحاد لنفسه استضافة من ينتقد أداء السلطة من الخارج، ثم يرفض أي تصريحات أو زيارات من جانب آخرين ويصنفها على أنها استقواء بالخارج؟ وهل يمكن أن يتراجع قادته عن الهروب إلى الأمام ويصدرون موقفا يعتذرون فيه عن السماح بتصريحات تمس من هيبة تونس وقيادتها؟
ودعت لينش الأحد الرئيس التونسي إلى احترام حقوق الإنسان والتوقف عن استهداف النقابات، بعد يوم من طردها من البلاد بسبب مشاركتها في احتجاج مناهض للحكومة نظمه اتحاد الشغل، أحد أكبر القوى في تونس.
وأضافت أنها سترفع معاملة السلطات التونسية لها إلى “أعلى المستويات في الاتحاد الأوروبي”.
وأصدر الرئيس التونسي السبت قرارا بطرد لينش بعدما شاركت في تظاهرة نظمها اتحاد الشغل، وألقت خلالها كلمة انتقدت فيها السلطات، ما يؤشر على اشتداد التوتر بين الرئيس والنقابة العمالية.
وقالت رئاسة الجمهورية في بيان “بأمر من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، دعت السلطات التونسية المختصة المدعوة إيستر لينش التي شاركت (…) بمدينة صفاقس في مسيرة نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل، وأدلت بتصريحات فيها تدخل سافر في الشأن الداخلي التونسي، إلى مغادرة تونس، وذلك في أجل لا يتجاوز 24 ساعة من تاريخ إعلامها بأنها شخص غير مرغوب فيه”.
والأحد قال الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في كلمة خلال افتتاح مؤتمر نقابي في مدينة الحمامات (شرق)، إن “حضور لينش كان رسالة دعم ومساندة وتضامن، وليس كما رُوج له استقواء بالأجنبي”.
وشدد على أن “الاتحاد سيبقى صامدا مهما مارسوا من تشويهات وشيطنة وفبركة ملفات، مثلما وقع في الستينات والسبعينات والثمانينات، لكن بقي الاتحاد صامدا ورحل كل من فبرك ملفات”.
وتقول مؤشرات متعددة تصدر عن رئاسة الجمهورية إن قيس سعيد قد قرر أن يواجه أي مسعى لاستضعاف سلطته، أو الاستقواء عليها بأي جهة كانت، سواء بالرهان على الخارج أو التلويح بتحريك الشارع، وكذلك لعبة الاعتصامات والإضرابات التي يتقنها الاتحاد، ووظفها في السابق لتحصيل مكاسب سياسية.
وكان اتحاد الشغل أقر في 3 فبراير الجاري سلسلة من الاحتجاجات، رفضا لما أسماه “استهداف العمل النقابي والوضع الاقتصادي” في البلاد.
والسبت شارك المئات من التونسيين بوقفات احتجاجية في تسع محافظات، “للدفاع عن الحق النقابي” وتنديدا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
العرب