التحديات الديموغرافية تضغط على الطموح العسكري لروسيا

التحديات الديموغرافية تضغط على الطموح العسكري لروسيا

تخطط روسيا التي لا تبدي حتى الآن أي مؤشرات للتراجع عن حربها ضد أوكرانيا، لتعزيز تعداد قواتها العسكرية، لكن خططها تصطدم بمؤشرات ديموغرافية واقتصادية تجعل من الصعب جدا على الكرملين أن ينجح في استقطاب الشباب وتجنيدهم.

واشنطن – تسعى موسكو لتعويض الخسائر البشرية المتصاعدة في حرب أوكرانيا عبر خطة لتعزيز حجم القوات المسلحة ومراجعة قانون التجنيد. لكن تقريرا صادرا عن موقع أويل برايس الأميركي نقلا عن مؤسسة جايمس تاون يوضح انطلاقا من مؤشرات وأرقام رسمية أن هذه الخطة لا تعالج العجز في القوى البشرية حيث تعاني موسكو من مشاكل ديموغرافية كبيرة ستحول دون تحقيق أهدافها.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية في ديسمبر الماضي عن خطتها الطموحة لتعزيز حجم القوات المسلحة الروسية إلى 1.5 مليون فرد بحلول نهاية 2026. ويجب لهذا زيادة عدد الجنود المتعاقد معهم داخل القوات المسلحة الروسية إلى 521 ألفا بنهاية 2023 و695 ألفا بنهاية 2026، فيما سيشكّل تعديلا من الخطة السابقة لزيادة هذا العدد من 405 آلاف في 2020 إلى 500 ألف بحلول 2027. كما من المقرر أيضا تعديل نظام التجنيد الإجباري ليتحوّل من 18 – 27 عاما (لا يُجنّد الرجال الروس في الوقت الحالي بمجرد بلوغهم سن 27) إلى 21 – 30 عاما.

وزارة الدفاع الروسية أعلنت في ديسمبر الماضي عن خطتها الطموحة لتعزيز حجم القوات المسلحة الروسية إلى 1.5 مليون فرد بحلول نهاية 2026

ويقدر البعض أن الطريقة الوحيدة لتحقيق الزيادة المخطط لها ستكون حملة إكراه واسعة النطاق للخدمة العسكرية في روسيا، من إجبار الجنود الشباب على توقيع عقود خدمة لمدة عامين إلى توسيع شبكة مراكز التدريب العسكري داخل الجامعات، إلى عدد من الإستراتيجيات الأخرى وفق ما أوضحته نشرة “أوراسيا ديلي مونيتور” لمؤسسة جايمس تاون. لكن تُطرح قضية أكثر خطورة تكبح جماح الزيادة المخطط لها في القوات المسلحة الروسية، وهي التحديات الديموغرافية المتزايدة التي تواجهها موسكو.

ووفقا لتعداد السكان الروسي لسنة 2020 – 2021، كان عدد الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاما في روسيا حوالي 7.21 مليون في 2021. وحسب بيانات التعداد هذه، سينخفض ​​عدد الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاما إلى 7.18 مليون في 2023 ومن المفترض أن تشهد البلاد في 2026 زيادة طفيفة إلى 7.22 مليون. كما أن الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاما في 2023 هم نفس الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و29 عاما في 2026، عند تفعيل قواعد التجنيد الجديدة وفق مؤشرات صادرة عن اللجنة الحكومية الروسية للإحصاء.

لكن اللجنة تقول في تقاريرها أيضا إن هذه الأرقام المتوقعة يجب أن تكون أقل لأن معدلات الوفيات السنوية تبلغ 1700 – 1900 لمن تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما (تشمل معدلات الوفيات كلا من الذكور والإناث، لكن نسبة الذكور تتجاوز دائما 50 في الماة)، وبين 4 آلاف و4200 لمن تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما، و6500 و8 آلاف لمن تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما.

وتضع اللجنة الروسية للإحصاء بعض المؤشرات للمقارنة. فوفقا لتعداد 2010، كان بروسيا حوالي 10.6 مليون رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و26 وحدد تعداد السكان لعام 2022 حوالي 12 مليون رجل من نفس الفئة العمرية. ومع الزيادة المخطط لها في سن التجنيد، سيكون أقل من 7.16 مليون رجل تتراوح أعمارهم بين 21 و29 عاما حيّين في روسيا في 2030.

باختصار، يتراجع عدد الشباب في روسيا. وقد حاولت القيادة العسكرية في العقود السابقة لهذا السبب أن تأخذ في الاعتبار النتائج طويلة المدى لهذه العملية. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد المجندين الموسميين في 2002 من حوالي 160 ألفا إلى 170 ألف جندي، وبلغ عدد المجندين في الربيع بعد ست سنوات 133 ألف جندي. وكانت مدة الخدمة العسكرية عامين في ذلك الوقت.

ومع ذلك، عند تخفيض مدة الخدمة العسكرية في 2008 من عامين إلى عام واحد، حاولت وزارة الدفاع الروسية زيادة عدد المجندين. وجنّدت بهذا 219 ألف رجل في خريف 2008، وشمل التجنيد 305 آلاف شخص في ربيع 2009، وحوالي 270 ألفا – 280 ألف جندي خلال الحملات الموسمية الإضافية في 2009 و2010. وحين بدأت التركيبة السكانية للشباب الروس تتراجع داخل البلاد​​، انخفض العدد الإجمالي للجنود المجندين من 640 ألفا – 660 ألفا إلى 540 ألفا – 560 ألفا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وانخفض عدد الجنود خلال كل حملة تجنيد من 2012 إلى 2022 من 200 ألف في ربيع 2011 إلى ما متوسطه 130 ألفا – 140 ألفا. لكن عدد الجنود المتعاقدين بمن في ذلك الرقباء وضباط الصف ارتفع من 150 ألفا في 2010 إلى 405 آلاف في 2020 وفق إحصاءات أخرى على الرغم من أن العدد الإجمالي للجنود (سواء الذين تم تجنيدهم أو التعاقد معهم) انخفض خلال هذه السنوات من حوالي 700 ألف في عام 2010 إلى ما بين 560 ألفا و600 ألف في بداية 2020.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقريرا صادرا في السادس عشر من فبراير الجاري للجنة الحكومية الروسية يؤكد أن إجمالي العمالة في روسيا، المكونة من هؤلاء الأشخاص الذين يجب أن يغذوا القوات المسلحة، انخفض أيضا من 93.1 مليون في 2010 إلى 89.1 مليون سنة 2020. وانخفض عدد العاملين من 71.5 مليون في 2010 إلى 69.5 مليون في 2020.

وبناء على كل المعلومات السابقة، يرى تقرير “أويل برايس” أن الزيادة المخططة للأفراد في القوات المسلحة الروسية تبدو مستحيلة في ظل الظروف الديموغرافية والاقتصادية وحتى السياسية الحالية. وتعني عتبة 695 ألف جندي متعاقد بحلول 2027 أنه يمكن استدعاء واحد من كل عشرة رجال روس تتراوح أعمارهم بين 21 و30 عاما للخدمة الفعلية في أي لحظة. ولن تكون هذه الزيادة ممكنة إلا إذا كانت روسيا تواجه تهديدا خارجيا وجوديا.

وقد يكون الخيار الآخر هو إذا قررت روسيا تجنيد شابات يوقّعن عقود خدمة رسمية. ويبدو هذا الخيار مستحيلا نظرا للمشاكل الديموغرافية الداخلية. وقد تعتقد وزارة الدفاع الروسية نتيجة لذلك أنها تستطيع سد الفجوة من خلال تجنيد مهاجرين شباب من آسيا الوسطى مقابل الجنسية الروسية، مما يضيف بعدا آخر لليأس المتزايد في مواجهة تراجع التركيبة السكانية في الداخل ونقص القوات في أوكرانيا.

العرب