تتطلب الخطوات المتخذة للشروع فعلياً بتنفيذ اتفاق التطبيع الجديد بين السعودية وإيران، الاهتمام والمتابعة عن كثب في ضوء الشكوك المحيطة باتفاقيتي 1998 و 2001.
أشارت البيانات الرسمية حول الاتفاق الجديد الذي تم توقيعه بوساطة صينية لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية إلى اتفاقيتين أُبرمتا سابقاً بين الطرفين الإقليميين، وهما: “الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب” الموقعة في 27 أيار/مايو 1998، واتفاقية التعاون الأمني الموقعة في 17 نيسان/أبريل 2001. ومع ذلك، تكشف دراسة هاتين الاتفاقيتين عن شكوك مربكة بشأن صفتهما من الناحية القانونية والتفعيلية.
الإجراءات السعودية للموافقة على الاتفاقيات الدولية
تخضع موافقة الرياض على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لـ “المادة 70 من النظام الأساسي للحكم” في السعودية، و”المادة 20 من نظام مجلس الوزراء“، و”المادة 18 من نظام مجلس الشورى“. وتتضمن عملية التصديق عدة خطوات. أولاً، يتم رفع مشروع الاتفاقية/المعاهدة (“المشروع”) إلى “مجلس الشورى” (“المجلس”)، الذي هو الهيئة الاستشارية للمملكة، ثم إحالته إلى اللجان المختصة لمناقشته قبل إدراجه على جدول أعمال “المجلس”. ويتبع ذلك مراحل التعديل والنقاش، ثم التصويت، الذي يتطلب موافقة الأغلبية المطلقة قبل تقديم “المشروع” إلى الملك. وبدوره، يحيله العاهل السعودي إلى مجلس الوزراء لعملية مماثلة لتلك التي يتبعها “مجلس الشورى”. وإذا وافق مجلس الوزراء على “المشروع”، فيتم إرساله إلى الملك للتوقيع عليه وتصديقه. وفي حالة وجود خلاف بين المجلسين يجب إعادة “المشروع” إلى “مجلس الشورى” للتشاور حوله قبل رفعه مباشرة إلى العاهل السعودي الذي يتخذ القرار النهائي.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع هذه الاتفاقيات تصدر عن “مرسوم ملكي” وليس “أمر ملكي”. وعلى الرغم من أن كلا النوعين من التصاريح يصدرهما العاهل السعودي، إلا أن الأوامر لا تتطلب نفس عملية التصديق من قبل المجلسين على غرار المراسيم.
وفي حالة “الاتفاقية العامة” مع إيران لعام 1998، وافق “مجلس الشورى” على مشروع الاتفاقية في 27 أيلول/سبتمبر من ذلك العام، وأشارت التقارير الإعلامية إلى أن مجلس الوزراء صادق عليه رسمياً في 10 تشرين الثاني/نوفمبر. وفيما يتعلق باتفاقية التعاون الأمني لعام 2001، تم تفويض وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز من قبل مجلس الوزراء للتوقيع على الاتفاقية مع إيران في كانون الثاني/يناير من ذلك العام بموجب “القرار رقم 249″، ثم أفادت التقارير أنه تمت المصادقة عليها في 23 أيلول/سبتمبر بعد موافقة “مجلس الشورى” عليها.
ومع ذلك، فمن اللافت للنظر أن “المركز الوطني السعودي للوثائق والمحفوظات” (“المركز”) لم ينشر أي من هاتين المعاهدتين، في حين أنه يحتفظ بما لا يقل عن 900 اتفاقية دولية يعود تاريخها إلى عام 1961. وقد نشر “المركز” اتفاقيات ثنائية سعودية أخرى متشابهة في الاسم والمحتوى والإطار الزمني لاتفاقيتي العامين 1998 و 2001 مع إيران، مثل الاتفاقات مع الفلبين (تشرين الأول/أكتوبر 1994) و روسيا (تشرين الثاني/نوفمبر 1994) و الجمهورية التشيكية (آذار/مارس 2002) و أوروغواي (نيسان/أبريل 2002) و رومانيا (حزيران/يونيو 2002) و إثيوبيا (تشرين الأول/أكتوبر 2002) و طاجيكستان (أيار/مايو 2003) و سريلانكا (كانون الأول/ديسمبر 2003) و الصين (2006) وغيرها الكثير. كما يحتوي المركز أيضاً حتى على الاتفاقيات غير المفعّلة أو الملغاة. ويقتضي قانون المحفوظات السعودي والأنظمة الداخلية لـ “المركز الوطني للوثائق والمحفوظات” حفظ (أرشفة) جميع سجلات الدولة غير السرية بالشكل المناسب وإتاحتها للناس، وتشمل هذه وثائق مثل الاتفاقيتين مع إيران، لذلك يبقى غيابهما أمراً مثيراً للحيرة.
علاوة على ذلك، أعربت كل من الرياض وطهران في أكثر من مناسبة عن رغبتهما في “تفعيل” اتفاقية عام 2001، ولكن مع القليل لإظهاره من الناحية العملية. وفي هذا السياق، اجتمعت اللجنة الأمنية المشتركة التي تشكلت في إطار الاتفاقية مرتين (في تشرين الثاني/نوفمبر 2001 ونيسان/أبريل 2008) على الصعيد دون الوزاري لبحث سبل تفعيلالاتفاقية. وفي عام 2016، أفاد سفير إيران في السعودية أن الرئيس آنذاك، حسن روحاني، كان مهتماً بتفعيلها. ومع ذلك، يتضمن البيان المشترك بشأن اتفاق التطبيع الجديد تذكيراً بأنه ما زال عليهما “تنفيذ” الاتفاق الأمني بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على توقيعه.
الخطوات التالية
يُعدّ إقرار الاتفاقيتين السابقتين وتفعيلهما مؤشراً مهماً على استعداد كل دولة للقيام بما هو أكثر من مجرد إعادة فتح السفارتين والخطوات الدبلوماسية الأولية الأخرى المذكورة في الإعلان الأخير. ولكن في الرياض، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بعض الوزراء يعارضون التطبيع على مستوى أعمق مع إيران، حيث قد يكون البعض مشككاً في الآفاق الطويلة الأمد للتعاون مع خصم إقليمي معادٍ في كثير من الأحيان.
وفي طهران، قد يتعين على المسؤولين توضيح ما إذا كانت حكومتهم قد أكملت التصديق على الاتفاقيتين السابقتين. وقد وافق كل من “مجلس الشورى” الإيراني و “مجلس صيانة الدستور” على الاتفاقيتين في تلك الفترة، ولكن من غير الواضح ما إذا كانتا لا تزالان ساريتين. وإذا باشرت الحكومتان بتقديم التأكيدات اللازمة على المدى القريب، فسيكون ذلك إشارة مهمة على التقدم الثنائي.
ومن شأن تنفيذ مواد محددة من اتفاقية عام 2001 أن يقدّم برهاناً قوياً على تعزيز الروابط. وكما هو موضح في النص الفارسي، تحدد الاتفاقية وزير الداخلية في كل بلد كجهة الاتصال الرئيسية. ولذلك يجب على المسؤولين في واشنطن والعواصم الأخرى أن يراقبوا عن كثب ما إذا كانت الحكومتان ولجنتهما الأمنية المشتركة المذكورة سابقاً تقوم بالتواصل بموجب هذه الشروط وتبقى على اتصال، لا سيّما وأن “المادة 6” من الاتفاقية تسمح لأي من الجانبين برفض التعاون.
ومن شأن مراقبة التطورات المتعلقة بـ “الاتفاقية العامة” لعام 1998 أن توفر نظرة متعمقة مماثلة للمسار الحقيقي للعلاقة. على سبيل المثال، قد يكون التعاون بشأن مبادرات منخفضة التكلفة والالتزمات في القطاعين الرياضي والثقافي خطوة أولى بارزة نظراً لاهتمام الرياض المتزايد بهذين القطاعين. ومع ذلك، قد يكون التعاون الاقتصادي الأعمق أمراً صعباً؛ فعلى الرغم من أن “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي قد أدى دوراً في بعض الأحيان في تعزيز العلاقات الثنائية، إلّا أن المواردالاقتصادية لإيران مقيّدة إلى حد كبير بسبب العقوبات الدولية الشديدة.
وبصرف النظر عن أي إجراء آخر بشأن اتفاقيتي العامين 1998 و 2001، على صانعي السياسات مراقبة الخطوات الدبلوماسية مثل إعادة فتح السفارات، وإرسال السفراء، وإقامة علاقات على مستوى الوزراء حول مسائل متعددة. كما تجدر الإشارة إلى الطريقة التي ستتعامل فيها الحكومتان مع المشاركة الإيرانية في موسم الحج المقبل، الأمر الذي يشكل عادة قضية شائكة، علماً أنهما وقعتا مذكرة تفاهم بشأن هذه المسألة في أوائل كانون الثاني/يناير، لكي يسهل عليهما التنسيق والتعاون هذا العام.
فارس المعري
معهد واشنطن