“النهار” اللبنانية تبدأ العد التنازلي لانطلاقة عربية جديدة

“النهار” اللبنانية تبدأ العد التنازلي لانطلاقة عربية جديدة

تتحضر صحيفة “النهار” اللبنانية لانطلاقة جديدة ضمن انطلاقات عديدة في تاريخها الطويل، لكنها هذه المرة تحمل بصمة خاصة باعتبارها بدأت من الإمارات بطبعة ورقية وتتجه نحو التوسع في العالم العربي في وقت تعاني منه الصحافة الورقية من أزمات جعلت الكثير منها تغلق أبوابها وخصوصا في لبنان.

بيروت – أعلن عدد من كتاب وصحافيي جريدة “النهار” اللبنانية بدء العد التنازلي للانطلاقة الجديدة التي تستهدف إعادة الجريدة إلى لعب دورها التقليدي كصحيفة ذات انتشار عربي وتأثير خارج حدود لبنان والتي بدأت التحضير لها منذ مايو الماضي مع طباعة أول نسخة من الصحيفة في الإمارات، في أول خطوة من مشروع التوسع في العالم العربي.

وتسعى جريدة النهار اللبنانية التي تأسست في الرابع من أغسطس 1933، إلى تجديد شبابها، بعد أن تغلبت على كل الصعوبات التي مرّت بها الصحافة في لبنان، وهو ما أكدته نايلة تويني رئيسة تحرير “النهار” بقولها إن الصحيفة مع اقتراب عيدها الـ91، تنطلق من دولة الإمارات “في مسيرة انتقالية وليست تجريبية، قبل الانطلاقة الكبيرة في سبتمبر المقبل”.

وعلى صفحتها الأُولى ذكرت أَنَّ هذا العدد هو “أَول طبعة عربية تَصدر في الإِمارات”، مع وعد من تويني أَنَّ هذه الطبعة هي “أَولُ حلقة من التوسُّع في العالم العربي، لتطبع أَعدادها تباعًا في عواصم عدة”.

وكتبت تويني “هكذا، تنتصر ‘النهار’، متحديةً كل صعاب الماضي القريب والبعيد، متخطيةً كل الحواجز، لتنطلق إلى مستقبل عربي واعد، مع جيل عربي جديد، طموح، متعلم، ومثقف، يتوثب إلى المستقبل، واستكشاف عوالم جديدة”.

“النهار” أعادت توجهها نحو العالم العربي منذ عام 2020 استكمالا لمسيرة مؤسسيها، وتمضي بخطة التوسع الجديدة

وتعتبر ولادة العدد الورقي في الإمارات بادرة مهمة في هذه المدة الصعبة التي تشهدها الصحافة الورقية في العالم، وذكر مدير تحرير الجريدة غسان حجار أن “ديك “النهار” يصيح اليوم من الإمارات بعد بيروت، ليثبت ريادة الصحيفة، وقدرتها على التطور والتجدد ومواكبة العصر، ودخول مغامرات جديدة”.

وعبر الكاتب والصحافي اللبناني خيرالله خيرالله عن التفاؤل بالانطلاقة الجديدة قائلا “أن النهار مرت بانطلاقات عديدة خلال التاريخ الطويل للجريدة العريقة، وتوقع لها نجاحا كبيرا في ضوء التجارب التي مر بها”. وأشار أن الصحيفة تمتلك روحا وعصبية جعلتها تستمر حتى اليوم، مؤكدا على أنها تمكنت من التميز في العالم العربي بفضل مؤسسها جبران التويني.

ونوه أن غسان تويني الصحافي أهم من غسان تويني السياسي.

وأعادت “النهار” توجهها نحو العربي منذ عام 2020 استكمالا لمسيرة مؤسسي الصحيفة بعلاقات وثيقة مع العالم العربي، المحيط الطبيعي والامتداد الطبيعي للبنان. وفي افتتاحيتها بمناسبة إطلاق موقعها الإلكتروني الإخباري “النهار العربي”، قالت تويني إن الموقع و”مؤسسة النهار” يطمحان إلى

إعادة الاعتبار إلى “الإنسان العربي في داخل كل واحد منا” بعدما تراجعت العربية بما فيها من حضارة وثقافة وعلمانيّة أمام التطرّف والإرهاب والأصوليّة التي لا تتصل بالدين والانتماء والهويّة، بل إنّها تناقض كل دين وحضارة وثقافة.

وأكدت أن “النهار”، ستعمل على إعادة ربط لبنان بمحيطه العربي، ورفض إلحاقه بمحاور تسيء إلى تاريخه ومستقبله، وتلغي دوره كمُلتقًى حضاري وثقافي، وأرضا للتفاعل الإنساني.

وقالت إن المولود الجديد ليس تجربة جديدة، فقد سبقه “النهار العربي والدولي” بأعوام قبل أن يتوقّف عن الصدور.

وكان ذلك التحدي الكبير أمام “النهار” في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته عندما كانت أكبر بكثير من صحيفة لبنانية عادية. ورفعت وقتذاك التحدّي ولعبت دورا كبيرا على الصعيد العربي بفضل غسّان تويني الذي أكد على علاقة “النهار” بالعالم العربي ثم بفضل جبران تويني الذي أعاد إلى الصحيفة وجودها مع عودة الحياة إلى لبنان ابتداء من العام 1992.

واندرج اغتيال جبران تويني في ديسمبر 2005 في سياق سلسلة الاغتيالات والأحداث التي استهدفت القضاء على لبنان وعلى مؤسساته وذلك بدءا باغتيال رفيق الحريري.

وتعاني الصحافة اللبنانية، بكافة أنواعها من ضائقة مادية ذات أسباب متعددة، منها تراجع سوق الإعلانات، وانخفاض التمويل، والتباطؤ في مواكبة تطور الإعلام، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ أشهر في البلاد.

وتأتي انطلاقة “النهار” الجديدة لتخالف واقع الصحافة الورقية في العالم العربي خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث أقفلت أكثر من خمس صحف لبنانية أبوابها من بينها المستقبل، والسفير والاتحاد والحياة ونداء الوطن وغيرها. حتى إنّ صحيفة النهار لم تكن في منأى عن المشكلات المالية التي تعانيها الصحافة الورقية.

وترتبط الأزمة المتمادية بشكل أساسي بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام، وخلال السنوات الماضية، استغنت مؤسسّات عدة عن عاملين فيها، لكن معاناة وسائل الإعلام تضاعفت مؤخرا نتيجة انهيار اقتصادي متسارع منذ أشهر، وسط شحّ في السيولة ومخاوف من عدم تمكن لبنان من سداد جزء من الدين العام المتراكم، بالتزامن مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية وفرض البنوك إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.

وحاولت النهار مواجهة أزماتها الاقتصادية بطرق متعددة، ففي ديسمبر 2019 أطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطلب فيها دعم القراء والمتابعين، لاستمرار الصحيفة وتمكين صحافييها من أداء مهماتهم على أكمل وجه، في خطوة مماثلة لما قامت به صحيفة الغارديان البريطانية.

وقالت “النهار” في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني إن “النهار” واحدة من المؤسسات الإعلامية التي عانت منذ تأسيسها مخاض التحوّلات، وتمكنتْ بفضل وفاء قرائها وثقتهم وإصرارها على التمسك بخط التنوع والتعددية والرأي الحرّ، من الصمود، على الرغم من الاغتيالات والاعتقالات والصعوبات ومحاولات التضييق بكل أشكالها.

وفي أبريل 2017، اتخذت الصحيفة قرارا بتخصيص مواد على الموقع الإلكتروني كخدمة مدفوعة الأجر، لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وفي 2018 أصدرت صحيفة “النهار” عددها بصفحات بيضاء بأنها “صرخة” ضد الأوضاع في البلاد، لتنفي بذلك تقارير عن احتمال توقفها.

وقالت رئيسة التحرير خلال مؤتمر صحفي عقد بمقر الصحيفة وسط بيروت، توضح فيه الأسباب “صرختنا اليوم جاءت لنقول إن الوضع لم يعد يحتمل، وصفحات النهار هي صفحات الشعب، وهدفنا دعوة المسؤولين إلى صرخة ضمير”.

ونفت تويني بشدة ما ذهب إليه البعض حول احتمال توقف الصحيفة عن الصدور، وقالت “نحن مستمرّون ورقيا وإلكترونيا رغم ما يمر به البلد من أزمات”. واعتبرت أن بلادها تواجه حاليا “مرحلة من أشد المراحل خطورة، وصفحاتنا البيضاء هي لحظة تعبير مختلفة عن شعورنا الأخلاقي إزاء الوضع الكارثي”.

وأعلنت إطلاق شعار “نهار أبيض بوجه الظلمة”، متمنية أن “يكون الإصدار نقطة تحول وناقوس خطر تجاه الأزمات”. ودعت إلى تشكيل الحكومة بأسرع وقت، موضحة أن “الأزمة ليست أزمة صحافة فحسب، بل هناك أزمة كبيرة في البلاد ولابد من التحرك لإنقاذ لبنان”.

واكتفت الصحيفة، في العدد رقم 26680، بوضع اسمها وشعارها في الوسط وصورة النائب الراحل جبران تويني على اليمين. كما وضعت على اليسار عناوين الصحيفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

العرب