قامت القوات الإسرائيلية فجر يوم 27 آب 2024 بالتوغل داخل الأراضي الفلسطينية شمال الضفة الغربية ابتدأت بعملية عسكرية واسعة هي الأكثر تأثيرًا في الميدان منذ عملية ( الدرع الواقي) في 2002، واستخدمت فيها ثلاث آلوية عسكرية وعديد من المعدات والآليات المدرعات والجرافات، استهدفت فيها مقاتلي حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل فلسطينية أخرى ومخيمات ودور سكن الاهالي في مناطق ( طول كرم والخليل وجنين) بعد عشرة أشهر من انطلاق المواجهات في قطاع غزة، رغم أن القوات الإسرائيلية سبق لها وخلال هذه الفترة من القيام بتنفيذ عشرات الغارات الجوية على مناطق محددة في شمال الضفة الغربية واعتقال (4000) مواطن ومصادرة أموالهم واحتجاز عوائلهم.
ثم اتسعت عملية التقدم العسكري الإسرائيلي في محيط مخيم جنين، ومخيم نور شمس في طولكرم، ومخيم الفارعة في محافظة طوباس، وبدأت بالتمدد نحو جنوب الضفة الغربية، وهذا ما يفسر تسمية العملية ب ( المخيمات الصيفية)،
وتم فرض حصار على الاهالي ونشر اعداد من القناصة فوق أسطح البنايات وتفجير بعضها وشن حملات اعتقال ومداهمات واسعة وفرض حصار على مداخل المدن والأحياء واقتحام وحصار المؤسسات الصحية والمستشفيات وعرقلة عمل الإسعاف والطواقم الطبية مع تدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع وقطع الكهرباء وتدمير خطوط المياه الرئيسية والصرف الصحي، وهي نفس الأساليب والوسائل التي اتبعت عند الدخول لمناطق وأماكن في غزة.
أن الدوافع الرئيسية للحملة العسكرية تندرج ضمن الرؤية العسكرية والعقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تعتبر أن الضفة الغربية من أهم الجبهات التي تتمدد لتشكل خطرًا ميدانيًا نحو العمق الداخلي للمدن الإسرائيلية وتخشى أن تتحول الأوضاع فيها إلى انتفاضة شعبية عارمة تهدد الأمن القومي كونها ترتبط جغرافيًا بها وإمكانية التسلل والقيام بعمليات داخل المدن الرئيسية في إسرائيل منها ( إطلاق عيارات نارية تجاه الدوريات العسكرية وعمليات دهس للجنود في أماكن تواجدهم بالسيطرات في محيط ومراكز المدن واستخدام السكاكين في طعن أخريين منهم).
وهناك هدف استراتيجي لاحداث اضطرابات في الضفة الغربية وتشديد الحصار الاقتصادي ومنع (160) ألف مواطن فلسطيني يمتلكون تصريحات للعمل في المدن الإسرائيلية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة وحالة الفقر وضعف المستوى المعاشي وخلق أزمة اجتماعية واقتصادية تزيد من معاناة الاهالي مع دعم عملية الاعتداء التي يقوم بها المستوطنين ضد أبناء الشعب الفلسطيني ، وهي مناورة إسرائيلية تهدف في النهاية إلى تهجير كامل لجميع أهالي المخيمات في الضفة الغربية.
ترى حكومة بنيامين نتنياهو أن الضفة ليست عمقًا أمنيًا بل هي ثروة زراعية كبيرة فيها من التربة الحصبة والأراضي الزراعية الواسعة ووفرة المياه فيها، وهي تمثل لهم اساس لتثبيت المشروع الإسرائيلي
بضم الضفة الغربية وتنفيذ مخطط التهجير لإقامة دولة يهودية عرقية في ظل معتقدات هذه الحكومة بالأهمية التي تحظى بها فلسطين خاصة الضفة الغربية باعتبارها (أرضًا يهودية توراتية لا يجوز التنازل أو الانفصال عنها) طبقًا لخطة الحسم التي تم التوافق عليها عام 2022 بين حزبي الليكود (بنيامين نتنياهو) والصهيونية الدينية (بتسلئيل سموتريتش)، أثناء تشكيل الحكومة اليمينية الائتلافية الحالية، والتي تضمنت أن (الاستيطان في يهودا والسامرة حق للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف).
ثم الهدف التعبوي العسكري في توسيع دائرة الاستهداف الإسرائيلي لجميع الأراضي التي تقع ضمن إدارة السلطة الفلسطينية وزيادة مساحة رقعة الاشتباك العسكري ليشمل كل عناصر ومقومات الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية ضمن سياسة الاستهداف الكامل للمجتمع الفلسطيني وإعادة مسلسل الأحداث التي جرت في قطاع غزة، وأن يكون مصير أهالي الضفة البالغ عددهم ما يقارب من 5 ملايين قريب من المعاناة التي حصلت للمدنيين والمواطنين الأبرياء في غزة.
والهدف السياسي أن الحكومة الإسرائيلية ترى أنها تعيش الفرصة المناسبة التي حققها لها المرقف الدولي والإقليمي لتنفيذ خطتها في تصفية القضية الفلسطينية سياسيًا وإنهاء دور السلطة الفلسطينية وضرب مقوماتها وعناصر وجودها، وأحداث تفكيك سياسي واجتماعي واقتصادي للاوضاع القائمة في الضفة الغربية بشكل تدريجي وعبر العديد من الغارات الجوية والفعاليات الميدانية التي تستهدف البنى التحتية للموارد المالية والطبية والتعليمية والتي تقع ضمن الرقعة الجغرافية شمال الضفة ضمن مسؤولية السلطة الفلسطينية.
وسعت السلطات الإسرائيلية بالاستعانة بالمستوطنين وتقديم كل العون والتمكين لهم في استهداف الاهالي الفلسطينين وعوائلهم عبر تشكيلات عسكرية اطلق عليها (فرق الطوارئ ووحدات التأهب) والتي انتشرت بشكل كبير وأصبحت اليد الطولى للقوات الإسرائيلية.
وأدت هذه الأساليب والأهداف إلى وقوع العديد من المواجهات التي أدت إلى استشهاد (637) مواطنًا فلسطينياً ومقتل (19) إسرائيلياً، مع استخدام أساليب أمنية إسرائيلية في المتابعة والتنصت القيام بعمليات نوعية ضد أهالي الضفة الغربية باستخدام الطائرات المسيرة والمقاتلات الجوية في استهداف مقرات واماكن القيادات العسكرية والأمنية لحركة حمس والجهاد الإسلامي، والبدأ بالاغتيالات السياسية كما حصل بعملية استهداف واغتيال ( محمد جابر) أبو شجاع قائد كتيبة طولكرم التابعة السرايا القدس في مخيم ( نور شمس)، واستمرار عملية تجريف الشوارع والأرصفة لمنع قيام التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وتدمير المساكن والأحياء السكنية والمراكز الصحية.
أن جميع هذه الإجراءات والأدوات التي سبق وأن عملت القوات الإسرائيلية على تنفيذها في غزة تعيدها مرة أخرى في مناطق الضفة الغربية وهي تدرك أثارها وإمكانية حدوث مواجهات وتصعيد قتالي من قبل الاهالي والكتائب الفلسطينية
وأن سياسات الحسم التي تنتهجها حكومة نتنياهو بالاستيطان والضم واستخدام الردع بالعنف المفرط تعد جميعها مسببات كافية ودافعة لانفجار مرتقب في الضفة، وتنفيذ مخططات إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من مخيماتهم وحصارهم في مناطق أخرى.
تحاول القوى الإقليمية في المنطقة وخاصة إيران استغلال الفرص الميدانية لتأجيح الصراع العسكري لغايات وأهداف تتعلق بمشروعها السياسي وليس لشعارات تصريحات خاصة بالصراع العربي الإسرائيلي وتحرير الأراضي الفلسطينية ، فالنظام الإيراني يضع جميع مراهنته على توسيع حالة المواجهات في الضفة الغربية وزيادة الضغوط السياسية في المنطقة واستهداف الأمن الوطني والقومي للمملكة الأردنية الهاشمية بمحاولات عديدة وباساليب متنوعة لتهريب الأسلحة عبر المناطق الحدودية الجنوبية التابعة لسوريا والحدود الشرقية على طول غور الأردن والمثلث الحدودي بين سوريا والعردن وإسرائيل جنوب هضبة الجولان، لإيران في هذا الجانب أهداف سياسية وأمنية تتعلق بمحاولة تفويض الوضع الأمني في منطقة الحدود المشتركة بين الأردن وإسرائيل وإشعال المنطقة بمواجهات عسكرية أو أحداث توترات أمنية تخدم الغايات والأهداف الإيرانية.
ان المحاولات الإسرائيلية تستهدف الضفة الغربية عسكرياً واقتصاديًا والتأثير عليها اجتماعيًا عبر أيقاف أكثر من 150 ألف عامل عن عملهم في إسرائيل وغلق طرق العبور باتجاه الضفة ووضع الحواجز لمنع أي حركة لهم، هذه الإجراءات تؤدي إلى زيادة معاناة أهالي عوائل هؤلاء الأشخاص والتي قد يصل عدد أفرادها إلى مليون إنسان وخفض وارداتهم المالية وزيادة سوء حالتهم المعاشية واضعاف وحدة المجتمع مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة والشعور والإحباط واليأس، وستؤدي إلى أوضاع ميدانية تتسم المواجهة المباشرة مع القوات الإسرائيلية التي ترى أن ( يهودا والسامرة) وهي الضفة الغربية اهم لديها من غزة لأهميتها الاقتصادية ومواردها المائية ومواقعها الدينية لدى اليهود الإسرائيليين، وهو ما تذهب اليه القيادات السياسية ايضًا عندما يشير وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى (إن التعامل مع التهديد في الضفة يجب أن يكون بنفس الطريقة الجارية في غزة).
وحدة الدراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية