التفويض الإيراني وموقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية

التفويض الإيراني وموقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية

أعاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر يوم 28 آب 2024 الاهتمام بملف البرنامج النووي الإيراني وما ألت إليه نتائج العمل المستمر للفرق العلمية الإيرانية في زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم والاحتفاظ بخزين كبير من أجهزة الطرد المركزي ، وثبت التقرير أن إيران تجاهلت المطالب الدولية ودعوات الوكالة وأصبحت تمتلك ( 164،7) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، ولا زالت عند موقفها المتعنت بمنع المفتشين من الوصول للمواقع والمنشأت النووية بعد أن تأكد للوكالة الدولية وجود آثار يورانيوم في مواقع إيرانية غير مصرح بها، وأن الزيادة الحاصلة في تخصيب اليورانيوم مرتبطة بهدف تصنيع الأسلحة النووية.
جاء التقرير بعد التفويض الذي أعلنه المرشد الأعلى علي خامنئي بالسماح للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالتفاوض والحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية حول أيجاد آليات جديدة لوضع أسس ومرتكزات تخدم جميع الأطراف بما يتعلق ببنود اتفاقية أخرى تحل محل اتفاقية ( خطة العمل الشاملة المشتركة) التي وقعت في 14تموز 2015، والسعي لرفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة والبدأ بوضع خطط وبرامج لتحسن المنظومة الاقتصادية الإيرانية ومعالجة التدهور الحاصل في انخفاض العملة وزيادة نسبة التضخم واتساع ظاهرة البطالة في المجتمع الإيراني.
وتدرك القيادة الإيرانية أن أي عملية أو حوار لتخفيف العقوبات إنما يتطلب مباحثات مباشرة مع الإدارة الأمريكية وأن وجود الكتلة الديمقراطية في السلطة يسهل عليها تحقيق أهدافها وغايتها في الوصول إلى مبتغاها برفع العقوبات، وهي تخشى وصول دونالد ترامب وفوزه بالانتخابات القادمة بسب تشدده وموقفه منها.
وتسعى لهدف سياسي واقتصادي أهم بتوقيع اتقافية تشمل إنهاء جميع المتعلقات الخاصة ببرنامجها النووي قبل الثامن عشر من تشرين الأول 2025 والذي يمثل لإيران يوم النهاية وتحررها من أي التزامات حسب بنود اتفاقية سنة 2015 ولقطع الطريق على جميع الأطراف التي تعمل على تفعيل آلية العقوبات الاممية ضدها مرة ثانية.
وجاء تأكيد الموقف الإيراني والسياسة التي وجه بها المرشد الأعلى عبر تصريح المتحدث باسم وزير الخارجية ناصر كنعاني بأن (إيران ملتزمة بالتفاوض وأن القنوات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن مفتوحة) وموضحًا أن الحكومة الإيرانية الحالية تابعت المفاوضات النووية الرامية إلى رفع العقوبات.
وسبق للجانب الأمريكي وأن أجرى مباحثات غير مباشرة مع الإيرانيين عبر الوساطة العربية العُمانية في محاولة لتجنب أي تصعيد في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ومناقشة مستقبل البرنامج النووي الإيراني، وتمت المباحات في كانون الثاني 2024، ويهدف الامريكان التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن الملف النووي قبل موعد الانتخابات القادمة، وأما إيران فإنها تبحث عن آلية تحقق بها بعض من النتائج التي تمكنت منها في تموز 2015
من رفع العديد من العقوبات الدولية وتحسين أوضاعها الاقتصادية الداخلية والسماح لها بالعودة من جديد لسوق الطاقة العالمي والحصول على اعتراف ببرنامجها النووي السلمي واستمرارها في تطوير القدرات النووية ضمن الاستخدامات السلمية الخاص بأدوات ووسائل البحث والتطوير في التكنولوجيا النووية.
أن الأساس الذي تذهب اليه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التي وقعت اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، يقوم على عدم السماح لإيران امتلاك السلاح النووي والبقاء على نسبة معينة من تخصيب اليورانيوم بحدود 20٪ وممكن الاتفاق عليها في أي عودة للمفاوضات، وهذا ما تحدده السياسة والمصالح الدولية والإقليمية في السير باتجاه العودة لاتفاق جديد أو ابقاء الحال على ما هو وفق التطور لت والمتغيرات التي تشهدها المنطقة وما يتسفر عنه المفاوضات الجارية حول إيقاف القتال في غزة والأراضي الفلسطينية وهي من الفرص السياسية التي تتمسك بها إيران للوصول إلى أقصى حالات المنفعة والمكسب الميداني الذي يحقق لها غايتها في إنهاء ملفها النووي ورفع العقوبات، وتظل الكلمة الحاسمة في الإتفاق مع واشنطن للمرشد علي خامنئي.
وتبقى حالة الاطمئنان مفقودة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بسب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق سنة 2018 وقيام إيران بتفعيل ادواتها النووية والوصول إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ خلافًا لاتفاقية 2015التي حددت النسبة ب 3،67، ويمكن النظر انه من الصعوبة أن تتفق جميع الأطراف على إعادة الأوضاع إلى ماكانت عليه منذ عقد من الزمن، فإيران تتمسك بما وصلت إليه من نتائج ونسب تخصيب اليورانيوم وإنتاج أجهزة الطرد المركزي وهي لا تريد تكرار انسحاب واشنطن مرة ثانية، وأما واشنطن فإنها لا تحفزها المواقف الإيرانية المترددة والتي تتصاعد حسب تطور الأحداث في المنطقة ومنها عدم تعاونها المستمر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفرق التفتيش التابعة لها في زيارة المواقع النووية ونصب كاميرات المراقبة بمنشأتي نطنز وفوردو، لهذا فإن أي اتفاق قادم سوف يحتاج إلى جلسات عديدة وبرؤى ميدانية جديدة تتوافق مع أي متغيرات سياسية قادمة تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية