مراهنات نتنياهو وعطب دولة الاحتلال الأعمق

مراهنات نتنياهو وعطب دولة الاحتلال الأعمق

ما قد يلوح أنه انحناء من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام ضغط عشرات الآلاف من الإسرائيليين الرافضين للتعديلات القضائية، يمكن أن يسفر سريعاً عن سلسلة ألاعيب مؤقتة لامتصاص غضب الشارع وتنفيس الاحتجاجات وكسب أسابيع قليلة قبيل العودة إلى الكنيست وإجراء القراءتين الثانية والثالثة لخطط الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في التحكم بتعيينات القضاة وتقليص صلاحيات المحكمة العليا.
وإذا لم تكن الأطراف التي تقود التظاهرات قاصرة التقدير وحسيرة النظر، فإن ألاعيب نتنياهو يصعب أن تنطلي عليها، سواء لجهة تأجيل مناقشة التشريعات من أجل مزيد من التشاور، أو للوفاء بما ما وعد به من تقليب كل حجر بحثاً عن تسويات وتوافقات، أو حتى الالتزام بعدم إقالة أي وزير يعترض على خططه حتى إذا انتمى المعترض إلى حزب الليكود ذاته الذي يتزعمه نتنياهو.
ذلك لأن ما تسميه حكومة نتنياهو مشاريع «إصلاح» القضاء ليس حجر أساس يرتكز عليه بقاء أو انهيار ائتلاف الأحزاب اليمينية والدينية المتشددة والفاشية المهيمنة على الكنيست الوزارة فحسب، بل هو قبل أي اعتبار آخر طوق نجاة لرئيس الحكومة شخصياً إزاء ما يواجهه أمام المحاكم من قضايا فساد، ونافذة لا غنى عنها كي يتمكن غلاة متطرفون أمثال وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش من تشريع ميليشيات «الحرس الوطني» أو تمويل البنى التحتية لمزيد من البؤر الاستيطانية.
وإلى جانب المراهنة على كسب الوقت لصالح تباطؤ الاحتجاجات أو انخفاض أعدادها أو حتى تفسخ الإجماع النسبي حول فكرة مركزية تفيد بأن استهداف القضاء يرقى إلى مستوى الانقلاب على أركان النظام السياسي الإسرائيلي، من المرجح أيضاً أن نتنياهو يراهن على استمالة هذا الفريق أو ذاك من داخل المعارضة تحت ستار تلبية مناشدات الرئيس الإسرائيلي بضرورة الحوار بين الائتلاف الحاكم والمعارضة.
وسجلات أمثال يائير لابيد وبيني غانتس في الحكم تشجع نتنياهو على مراهنة كهذه، ولا غرابة في أن يأخذ بعين الاعتبار نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة وما انطوت عليه من صفعة لمجمل الأحزاب التي تزعم معارضة الليكود وحلفائه من أحزاب دينية متشددة وفاشية. كذلك لن تفوت نتنياهو قراءة لمشهد الاحتجاجات تفيد أولاً بأن المعارضة الحزبية ليست هي التي تحرك جموع الإسرائيليين، بل لعلها في الصفوف الخلفية إذا لم تكن منفصلة عنها بهذا المقدار أو ذاك.
ويبقى أن ما يعاني منه كيان قام على اغتصاب وطن وتشريد أبنائه وممارسة أسوأ أنماط الاحتلال والاستيطان والقهر والفصل العنصري وإدخال النهج الفاشي إلى قلب الحكومة، هو عطب بنيوي أعمق بكثير من الشقاق الظاهر حول تشريعات قضائية تأخذ صفة أخطار داهمة لأنها تقوّض بعض الأساطير «الديمقراطية» التي قُرنت بالكيان، ويقلق انكشافها اليوم غالبية رعاته وأصدقائه، قبل رعاياه وساسته وجيشه وأجهزته الأمنية.
ولعل هذا هو السبب في أن ألاعيب نتنياهو لم تردع رئيس أركان الاحتلال عن تبيان جسامة اتساع التمرد في صفوف الجيش، والتصريح علانية بأن الكيان لم يشهد «مثل هذه الأيام المليئة بالتهديدات الخارجية، بينما تتشكل عاصفة في الداخل».

القدس العربي