إسطنبول – فاقم الزلزال الذي ضرب تركيا الشهر الماضي من تحديات إقامة انتخابات نزيهة وشفافة، حيث لقي الآلاف حتفهم فيما هجّر آخرون من مدنهم، وصارت احتمالات التلاعب بسجلات الناخبين أكثر من السابق وهو ما تسعى المعارضة التركية للتصدي له على أمل إزاحة الرئيس رجب طيب أردوغان من الحكم.
وترى المعارضة التركية أن الفرصة الآن سانحة لإنهاء حكم الرئيس أردوغان الممتد لعقدين إذ شرع قادتها من الآن في حشد الأتراك للتأكد من احتساب كل صوت في الانتخابات المقرر عقدها في مايو المقبل ومنع أيّ تلاعب في عملية الاقتراع التي يُتوقع أن تشهد منافسة محتدمة.
ويخوض أربعة مرشحين انتخابات الرئاسة التركية، التي ستجرى في اليوم نفسه مع الانتخابات البرلمانية في 14 مايو المقبل، وهم محرّم إنجه رئيس حزب “البلد”، وسنان أوغان مرشح تحالف “أتا” والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف “الأمة” كمال كليجدار أوغلو، بينما تعدد المرشحين يجعل الأمر أكثر تعقيدا على أردوغان الطامح في الفوز في ظل استطلاعات الرأي المتعاقبة التي تؤكد جميعها أن أردوغان لا يمكنه حسم الانتخابات من الجولة الأولى، وأن شعبيته تراجعت بشكل كبير وخاصة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا.
وتصاعدت المخاوف من احتمال وقوع مخالفات في الانتخابات بسبب الاضطرابات الناتجة عن الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب شرق تركيا في فبراير الماضي، مما أسفر عن مقتل نحو 50 ألفا وتشريد الملايين.
وقال يجيت (26 عاما)، وهو طالب من جنوب تركيا، إنه سيسافر إلى مدينته أنطاكيا يوم الانتخابات في 14 مايو للتأكد من عدم قيام أيّ شخص بالتصويت باسم والديه، اللذين لقيا حتفهما في الكارثة. وأضاف “سأنتظر عند صندوق الاقتراع للتأكد من عدم تصويت أيّ شخص آخر مكانهما”.
وتمثل الانتخابات أصعب تحد سياسي حتى الآن لأردوغان، الذي كان يواجه انتقادات بشأن أزمة اقتصادية عندما وقع الزلزال. وبينما تظهر استطلاعات للرأي أنه يتخلف عن مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، فإن السباق لا يزال محتدما والحملات الانتخابية بدأت لتوّها.
وقال إدريس شاهين، نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي، إن التحالف المؤلف من ستة أحزاب معارضة يأمل في الإطاحة بأردوغان يعتزم اتخاذ تدابير لضمان نزاهة الانتخابات، منها الاستعانة بخبراء مثل المحامين في اللجان لمراقبة التصويت.
وقال إن المسؤولين في حزبه بدأوا مراجعة قوائم الناخبين الصادرة في 31 ديسمبر الماضي ومقارنتها بالسجل المحدث في منطقة الزلزال للتأكد ممّا إذا كان المواطنون الذين غيروا أماكن إقامتهم بعد الزلزال مسجلين في مراكزهم الانتخابية الجديدة إلى جانب إزالة أسماء الأشخاص الذين لقوا حتفهم من السجلات.
وأضاف شاهين أن المراقبين ينبغي تمكينهم من منع أيّ محاولات للتلاعب بأصوات الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الزلزال وما زالوا مقيدين في السجلات. وقال “لم يتضح بعد ما إذا كان بعض المواطنين قد لقوا حتفهم في منطقة الزلزال أو ما زالوا أحياء. يجب أن يتوخى مندوبونا الحذر حيال هذه السجلات”، مضيفا أن عدد هؤلاء الأشخاص يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف على أقصى تقدير.
وقالت أحزاب معارضة إن مخالفات انتخابية حدثت في الماضي وانتقدت إجراءات اتخذها المجلس الأعلى للانتخابات وتأثير أردوغان على وسائل إعلام. واحتلت تركيا المرتبة 123 من بين 167 دولة في عام 2019 وفقا لمشروع النزاهة الانتخابية، وهي دراسة أكاديمية تقارن الانتخابات في أنحاء العالم.
ومع ذلك، لم تكن هناك اتهامات بوقوع تزوير كبير في الانتخابات الرئاسية الماضية التي أجريت عام 2018، ووافق مرشح المعارضة على نتائجها. وقال حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان إنه ملتزم بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحترم إرادة الشعب.
ويراقب الانتخابات التركية عادة مئات الآلاف من المتطوعين في جميع أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة. وتقول أحزاب المعارضة ومنظمات غير حكومية إن نزوح أكثر من ثلاثة ملايين من منطقة الكارثة يثير المزيد من المخاوف. وتسبب الزلزال في تدمير 11 إقليما كان يقطنها 14 مليون نسمة.
◙ بينما تظهر استطلاعات للرأي أن أردوغان يتخلف عن مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، فإن السباق لا يزال محتدما والحملات الانتخابية بدأت لتوّها
وقال بكير أرديش عضو مجلس إدارة مؤسسة كوندا لاستطلاعات الرأي “لدينا مشكلة في تحديث السجلات الانتخابية بصورة صحيحة وتأمين صناديق الاقتراع بعد هذه الكارثة”. وتساءل “كم عدد الأشخاص الذين غيّروا أماكن إقامتهم بالفعل؟ كم عدد الأشخاص الذين ستسجل السلطات أسماءهم بصورة صحيحة في قوائم الناخبين؟”
وقال المجلس الأعلى للانتخابات إنه لا توجد عقبات تحول دون إجراء الانتخابات في الجنوب الشرقي للبلاد، وأعلن عن تدابير إضافية منها إنشاء مراكز اقتراع في الملاجئ المؤقتة والسماح للأشخاص الذين غيّروا أماكن إقامتهم بتغيير عنوانهم المسجل بسهولة.
وستدفع منظمة “فوت آند بياند” غير الحكومية المعنية بتأمين الانتخابات بنحو 100 ألف متطوع كمراقبين لمراجعة السجلات في كل صندوق من صناديق الاقتراع البالغ عددها 200 ألف صندوق. كما قال حزب العدالة والتنمية إنه سيفوّض مراقبين.
وقال محمد روستو ترياكي من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إن نحو تسعة ملايين ناخب مسجلون في المنطقة المتضررة من الزلزال، مضيفا أن عدد الذين غيروا أماكن إقامتهم يتراوح بين 300 و500 ألف. وأشار إلى أن عددا كبيرا من الأشخاص الذين تركوا مناطقهم في أعقاب الزلزال لم يتمكنوا من تسجيل أماكن إقامتهم الجديدة.
العرب