إذا لم يتم انتخاب الرئيس المنتهية ولايته في الجولة الأولى، فإنه يتقدم على خصمه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو بأربع نقاط، وهو ما يكفي لخوض الجولة الثانية بثقة؛ وهذه توقعات معظم معاهد استطلاع الرأي. والسؤال المطروح: كيف استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان أن يتصدر الانتخابات الرئاسية؟
أوضحت “لوموند” أن حوالي 89% من الناخبين المسجلين شاركوا في الاقتراع المزدوج الرئاسي والتشريعي الذي أجري يوم الأحد، معتبرة أن النتيجة التي خرجت بها الجولة الأولى من الانتخابات ليست انتصارا واضحا، لكنها ليست هزيمة للسيد أردوغان. فرغم عدم انتخابه في الجولة الأولى، على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، إلا أنه يمكنه الاقتراب بثقة من الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 28 مايو. لا يقتصر الأمر على حصوله على أكثر من مليوني صوت متقدما على منافسه، ولكن بعد الانتخابات التشريعية، يحتفظ حزب العدالة والتنمية، بقبضته على البرلمان.
كليتشدار أوغلو “المرشح الأكثر هشاشة” ضد أردوغان
تابعت “لوموند” القول إن المثير للدهشة، هو أن الائتلاف الحاكم يحتل الصدارة في المناطق الجنوبية الشرقية التي تضررت من الزلزال الذي وقع في 6 فبراير الماضي، وأدى لمقتل 50 ألف شخص، وذلك على الرغم من الانتقادات التي وُجهت للحكومة بتهمة الافتقار إلى التجاوب والتنسيق في إدارة الإغاثة. كما انتُقدت السلطات لإهمالها تجاه معايير مكافحة الزلازل والفساد، ناهيك عن الفضائح، مثل بيع الخيام من قبل الهلال الأحمر التركي، المفترض توزيعها مجانا على الضحايا.
على الرغم من كل ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية حصد نتائج جيدة في مناطق الكوارث. والغريب أن الوضع الاقتصادي السيئ لم يعاقب الرئيس المنتهية. و“يعتقد الناخبون أن سياسته الاقتصادية فاشلة، لكنهم لا يرون أن كمال كليتشدار أوغلو قادر على حلها أيضا”، كما يقول أوزر سينكار، مدير معهد MetroPOLL، والذي يعد المؤسسة الوحيدة التي قدّمت بين يومي 4 و7 مايو، نتائج مماثلة للنتائج المعلنة يوم الإثنين.
ويعتبر أوزر سينكار، أن كمال كليتشدار أوغلو هو “المرشح الأكثر هشاشة في مواجهة الرئيس أردوغان”. علاوة على ذلك، سخر أردوغان أكثر من مرة من السيد كيلتشدار أوغلو، مشيرا إلى هويته العلوية. وبما أن أوغلو كردي أيضا، ويدعمه حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، فقد أشار أردوغان مرارا وتكرارا إلى أنه كان متعاونا مع ”المنحرفين” المثليين، أو أنه كان حذاء حزب العمال الكردستاني. وهي كذبة فجة، ومع ذلك اتخذها العديد من الأتراك القوميين في ظاهرها، وفق ”لوموند” دائماً.
وقالت “لوموند” إن القومية آخذة في الارتفاع ، بالنظر إلى النتيجة الرئاسية الجيدة لسنان أوغان، وهو سياسي غير معروف حتى الآن لعامة الناس، والذي فاز بنسبة 5% من الأصوات. هذا العضو السابق في حزب الحركة القومية لديه برنامج من سطرين: إرسال اللاجئين السوريين (3.6 مليون) إلى وطنهم، ومنع أكراد تركيا (بين 15 و18 مليون شخص) من أي تمثيل سياسي. على الرغم من أنه لم يصدر تعليمات بشأن التصويت في 28 مايو، إلا أن منح أصواته لصالح مرشح المعارضة يبدو غير مرجح.
كما حقق القوميون المتطرفون في حزب الحركة القومية، الشريك الائتلافي لحزب العدالة والتنمية، نجاحاً لافتاً في الانتخابات التشريعية بنسبة 11% من الأصوات. فبفضل المقاعد التي حصل عليها حزب الحركة القومية والشركاء الآخرون في الائتلاف الرئاسي، حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في البرلمان. بدون هذه المساهمة، فإن حزب أردوغان في تراجع طفيف، مع 267 مقعدا فقط.
أردوغان لعب بالنار دون أن يحترق
تواصل لوموند القول: “يبدو أن التركيبة الإسلامية القومية لديها مستقبل مشرق. يمنحها نظام التحالف مرونة معينة، فقد كانت النتيجة الجيدة لحزب الحركة القومية غير متوقعة على الإطلاق، حيث وصف المحللون الحزب بأنه ضعيف ومنقسم، خاصة بعد اغتيال أحد أبرز قياداته، سنان أتيس، في ديسمبر عام 2022 ، بالرصاص لاستنكاره تواطؤ الحزب مع تجار المخدرات”.
وتابعت الصحيفة أن المفتاح الآخر الذي يرجح أن يفسر نجاح أردوغان المستمر في الانتخابات هو “النظام الزبائني” الذي وضعه، والذي يغمر ناخبيه بالإعانات والزيادات والهدايا مقابل ولائهم أثناء التصويت.
ولمناشدة الأسر الفقيرة بسبب التضخم، تم رفع الأجور وخفض سن التقاعد ودعم فواتير الغاز والكهرباء. أخيرا، كما هو الحال في كل انتخابات، حرص أردوغان على استمالة الجماعات الدينية التي تمثل مخزونا كبيرا من الأصوات. لقد قام بحملته بمهارة، ليس على الاقتصاد الراكد، ولكن على تعزيز الكبرياء الوطني.
وتضيف “لوموند” أن الرئيس المنتهية ولايته ركز أيضاً كل شيء على الإنجازات العسكرية والتكنولوجية الأخيرة، وحاملة طائرات “أناضول” الجديدة، ودبابة “ألتاي” وسيارة “توغ” الكهربائية الجديدة.
واعتبرت “لوموند” أن الاقتصاد يُعلن نفسه، في الواقع، كأخطر منافس لأردوغان في المستقبل، إذ تواجه تركيا عجزا هائلا في ميزان المدفوعات، حيث يبلغ إجمالي احتياجات التمويل الخارجي للبلاد نحو 220 مليار دولار، وعجز في الحساب الجاري يبلغ 50 مليار دولار، وديون قصيرة الأجل تبلغ 180 مليار دولار.
وتنقل “لوموند” عن خبير الاقتصاد في الأسواق الناشئة، تيموثي آش، في مذكرة نشرها مركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA)، أن احتياطيات البنك المركزي التركي تبلغ حوالي 100 مليار دولار، وهي غير كافية لملء الفراغ. ويضيف قائلا: “حتى الآن.. لعب السيد أردوغان بالنار دون أن يحترق. لكن سياسته النقدية غير التقليدية والمعززة للتضخم هي لعبة محفوفة بالمخاطر بالنسبة له ولتركيا”.
القدس العربي