ستعيش تركيا جولة انتخابات ثانية في 28 مايو/ أيار الحالي، في معركة تهدف إلى حسم المنافسة على السباق الرئاسي بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، وفق ما أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تركيا أحمد ينار أمس الاثنين.
وانتهت الانتخابات، التي عاشتها تركيا أول من أمس الأحد، من دون حصول أي من المرشحين على نسبة 50+1، إذ حصل أردوغان على 49.51 بالمائة من أصوات الناخبين، مقابل 44.88 بالمائة لكلجدار أوغلو.
والمفاجئة التي حدثت في هذه الانتخابات كانت حصول سنان أوغان، المرشح عن تحالف “أتا”، على أكثر من 5 بالمائة من أصوات الناخبين، وهو ما يعني تحوّله إلى لاعب حاسم في هذه الانتخابات، إذ سيتركز الكثير من الاهتمام عليه باعتباره من يمتلك مفاتيح تعزيز فرص الفائز بالجولة الثانية.
من يدعم أوغان في الجولة الثانية؟
هذا هو السؤال الذي يشغل بال الجميع في تركيا وخارجها، إذ يترقب الجميع أي وجهة سيدعمها أوغان، الذي ينتمي إلى التيارات القومية المتطرفة، ويضع شرطاً صعباً أمام كلجدار أوغلو مقابل التحالف معه، وهو وقف تعاونه مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بعلاقة عضوية مع حزب العمال الكردستاني، ما يعني خسارة كلجدار أوغلو ما يفوق 10 بالمائة من الأصوات يضمنها له حزب الشعوب الديمقراطي.
ويدعم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ حزب هدى بار (حزب الهدى) الكردي الإسلامي يدعم أردوغان، وهو ما يعني أنّ المرشحين يواجهان نفس الأزمة في تحالفهما مع أوغان، إلا أنّ بعض المحللين يرون أنّ مرشح تحالف “أتا” أقرب للتحالف مع أردوغان.
وفي أحدث تصريحاته يوم الاثنين، قال أوغان إنّه لا يمكن أن يدعم كلجدار أوغلو في جولة الإعادة، “إلا إذا وافق على عدم تقديم تنازلات لحزب مؤيد للأكراد”.
ويرى المحلل السياسي التركي برهان كور أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “تحالف المرشح سنان أوغان مع مرشح المعارضة غير مرجح، لأن الأول يمثل توجهاً قومياً، في وقت يتحالف كلجدار أوغلو مع حزب له علاقة بحزب العمال الكردستاني، وهذا يخالف توجهات أوغان الذي يهتم بوحدة الأراضي التركية”، مضيفاً: “أعتقد أنّ الذين صوتوا لأوغان سيدلون بأصواتهم لصالح أردوغان”.
ويتفق الباحث التركي أوزجان أويصال، في حديث مع “العربي الجديد”، مع رأي برهان أوغلو، موضحاً أنّ الطرفين سيركزان الآن على استمالة سنان أوغان، لكنه قال إنّ الأخير أقرب للاتفاق مع أردوغان.
ويضيف أويصال: “لا أدري هل يطيع مناصرو أوغان مرشحهم إذا طلب منهم التصويت لأردوغان وهم يريدون التغيير، لا أدري”.
ما حظوظ أردوغان في الجولة الثانية؟
بدا أردوغان منتصراً عندما ظهر أمام حشد كبير من مؤيديه من شرفة مقر حزب “العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة، بُعيد منتصف ليل الأحد – الاثنين، ليعلن جاهزيته لخوض جولة انتخابات رئاسية ثانية.
وقال وسط هتافات صاخبة: “أنا أؤمن من أعماق قلبي بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة”. كما أعلن أن حزبه فاز بغالبية واضحة في البرلمان.
وكان معسكر كلجدار أوغلو قد اعترض في البداية على نتائج فرز الأصوات، وادعى أنه في الصدارة، لكنه ورغم خيبة الأمل من النتائج بعد تصدره الاستطلاعات قبل الانتخابات، تعهد بالفوز على أردوغان في الجولة الثانية.
ويعتقد المحلل السياسي التركي فايق بولوط، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ حظوظ أردوغان في الجولة الثانية أقوى من حظوظ مرشح المعارضة، مرجعاً ذلك إلى النسبة الكبيرة التي حصل عليها في الجولة الأولى رغم السخط الشعبي الذي كان واضحاً في الشارع على سياسات الرئيس الاقتصادية.
ومن شأن فوز أردوغان في الانتخابات أنّ يرسخ فترة حكمه لعقد ثالث، وهو ما يعكس الدعم القوي الذي لا يزال يحظى به الرجل صاحب الـ69 عاماً، والذي حول وجهة تركيا بعيداً عن حلفائها الغربيين التقليديين، وجعل من بلاده قوة إقليمية نافذة.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي التركي إسلام أوزكان، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ حظوظ أردوغان أكبر في جولة الإعادة، مرجعاً ذلك إلى سببين، الأول هو حصول حزب “العدالة والتنمية” على الأغلبية في البرلمان، مضيفاً في السياق أنّ “الشعب يتعامل دائماً مع الأقوى، لذلك حظه أكبر من حظ مرشح المعارضة”.
وأضاف: “السبب الثاني هو الفرق بين الطرفين، بمعنى أنّ فارق النقاط كبير بين المرشحين في الجولة الأولى، وهو ما يعطي دفعة أكبر لفوز أردوغان في الجولة الثانية”، لكنه يعود ويقول إنّ هناك احتمالاً بفوز كلجدار أوغلو إذا ما تحالف مع المرشح سنان أوغان، ثم يستدرك قائلاً: “بصراحة لدي تشكيك بمسألة قدرة أوغان على السيطرة على ناخبيه وإقناعهم بدعم كلجدار أوغلو إذا ما تحالف معه، وإذا ما افترضنا أنّ 50 بالمائة من مناصري أوغان قد منحوا أصواتهم لمرشح المعارضة، فإنّ النصف الآخر ربما يصوت لصالح أردوغان أو يمتنع عن التصويت، لذلك حظ أردوغان يبدو أنّه أكبر بكثير”.
ماذا عن كلجدار أوغلو؟
تراجع الزخم الشعبي الذي لمسناه في الشارع خلال انتخابات الجولة الأولى، والذي كان داعماً بقوة لمرشح المعارضة، وأصيب هؤلاء بخيبة أمل وحالة من الإحباط بعد إعلان نتائج الجولة الأولى التي تقدم فيها الرئيس أردوغان على مرشح المعارضة، الذي كان يعول عليه مناصروه في حسم السباق من الجولة الأولى.
وفي السياق، يقول أحد مناصري كلجدار أوغلو في حديث مع “العربي الجديد”: “أنا متشائم، تعرضنا لخيبة أمل، لم أتوقع هذه النتائج القليلة، لأن الحزب الحاكم لم يكن جيداً، نعاني في الدخل اليومي، مشاكل في العدالة والقضاء، أنا كمواطن كنت أظن أنّ الشعب التركي سيغير خياره، لكن هذا لم يحدث”.
تقارير دولية
تركيا تنهي يومها الانتخابي “دون مشاكل”.. وترقب للنتائج
وعن رأيه في الجولة الثانية، يضيف: “واضح جداً (…) أنها صعبة، من الأكيد أنّ يكمل نفس الرئيس”.
ويستغل كلجدار أوغلو (75 عاماً) الوضع الاقتصادي المتردي والسياسة الخارجية لمهاجمة أردوغان، متعهداً بالعودة إلى النظام البرلماني، وأنّ يترك منصبه في حال فوزه بعد انتهاء ولايته لصالح جيل جديد من القيادات الشابة. لكن الرجل يفتقد إلى الكاريزما التي تستطيع جذب الناخبين، على عكس منافسه أردوغان، إضافة إلى مواجهته اتهامات بالحصول على دعم من قبل حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا.
وفي أحدث تصريحاته، قال كلجدار أوغلو، يوم الاثنين، موجهاً كلامه لأنصاره: “نحن نعمل منذ أمس بلا توقف، إياكم واليأس، فأنا ما زلت واقفاً منتصباً”، مضيفاً: “سنقف مجدداً ونفوز بتلك الانتخابات، وفي النهاية، سيصير الأمر كما رغب شعبنا فقط”.
ويعتقد المحلل السياسي التركي المعارض جيواد غوك، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ هناك أملاً بأن يقوم تحالف المعارضة بدعاية قوية للحصول على نتيجة متقدمة في الجولة الثانية. لكنه يعود ويقول: “أرى المعارضة أضعف من السابق، ويبدو أنّ حظ أردوغان أكبر لأن أنصاره يتمسكون بالصناديق بقوة”.
ويوضح المحلل السياسي، في حديثه عن قدرة المعارضة على كسب أصوات أكثر في الجولة الثانية، أنّ “هناك شكوكاً في أن يصوت الناخبون بكثرة لكلجدار أوغلو في المرحلة الثانية، وهناك حالة تشاؤم وخيبة أمل، وحتى لو تحالف كلجدار أوغلو مع سنان أوغان، فلا أظن أنّ جميع أنصار أوغان سيصوتون لصالح مرشح المعارضة، وأعتقد أنّ الأصوات سوف تتشتت بين المرشحين، وبالتالي، فإنّ المستفيد هو أردوغان”.
هل تغير الفئة الصامتة موقفها في الجولة الثانية؟
في السياق ذاته، يرى المحلل برهان كور أوغلو أنّ الذين امتنعوا خلال الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات هم أمام تحدي الآن، مضيفاً: “أعتقد أنّ هؤلاء، إذا ما شاركوا في التصويت، سيختارون أردوغان، وأتوقع أنّ يحصل الرئيس على ما نسبته 54 بالمائة في جولة الإعادة، بينما نصيب كلجدار أوغلو تقريباً انتهى، ولن يحصل على أصوات أكثر مما حصل عليه في الجولة الأولى”.
وخلال الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في عام 2018، فاز أردوغان من الدورة الأولى بعد حصوله على أكثر من 52.5 بالمائة من الأصوات.
بدوره، يقول المحلل جيواد غوك إنّ هناك 14 مليون ناخب لم يشاركوا في هذه الانتخابات، لافتاً إلى أنهم قد يستمرون في المقاطعة أو يشاركون، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “أظن أن هناك حالة يأس في الشارع، وقد تزيد نسبة المقاطعة”.
العربي الجديد