لهذه الأسباب لن يسعى بوتين لخفض حدة الحرب على أوكرانيا

لهذه الأسباب لن يسعى بوتين لخفض حدة الحرب على أوكرانيا

أكد المحلل مكسيم ساموروكوف -في مقال بمجلة فورين بوليسي (Foreign Policy)- أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يقبل أبدا بأي خطة لخفض حدة الحرب الطاحنة على أوكرانيا، مؤكدا أن الصراع مكنه من تحقيق عدة مكاسب ظل لسنوات يسعى لتحقيقها بطرق مختلفة.

وأوضح هذا المحلل بمركز كارنيغي أن قرارات بوتين الأشهر الماضية -وبينها تشديد نظام التجنيد العسكري، والاستثمار المكثف بإنتاج الأسلحة- تؤكد أنه يعد بلاده لحرب طويلة الأمد، بشكل يصعب معه تصور كيف يمكن للهجوم الأوكراني المضاد أن يؤثر على هذه الرؤية بغض النظر عن نجاحه من عدمه.
وذكر بأن البعض يرى أن رغبة الروس في العودة لحياة ما قبل الحرب، والتكلفة العالية بشريا وماديا للهجوم الشتوي الطويل لروسيا، وضآلة النتائج المتحققة، قد تدفع الكرملين للتفكير في اغتنام أي فرصة لإنهاء الحرب وحفظ ماء الوجه من خلال التشبث بالأراضي التي تمت السيطرة عليها خلال الحرب.

وهو ما شرحه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي صرح مؤخرا بأن هجوما أوكرانيا ناجحا قد يكون له تأثير يجعل بوتين يركز على التفاوض لإنهاء الحرب.

مشروع شخصي
لكن مقال فورين بوليسي يوضح بأن من يتبنى مثل هذا التحليل، الذي يعتمد على حسابات التكلفة والجدوى، يقلل من كون هذه الحرب مشروعا شخصيا لرجل واحد هو الرئيس بوتين، بدأها بمفرده بناء على تصوراته متجاهلا رأي النخب الحاكمة وكذلك المجتمع الروسي.

وقال كاتب المقال إنه لا شيء يشير إلى أن بوتين يرغب في إيقاف هذه الحرب، حيث إن استمرارها يجلب له العديد من الفوائد السياسية، في حين أن إيقافها سيجعله يواجه مخاطر متنوعة.

إذ برغم استياء الروس من الغرب واعتقادهم أن بلادهم قوة عظمى يحق لها استخدام القوة متى أرادت، وعدم وجود تعاطف كبير لديهم مع أوكرانيا، وضعف رغبتهم في تحول روسيا إلى عضو ديمقراطي نشط بالمجتمع الدولي، برغم كل ذلك، يختلف كثير منهم مع بوتين حول الاستعداد للتضحية في مواجهة الغرب.

وبالنسبة لمكاسب بوتين من استمرار الحرب، والتي تفسر تشبثه بها، يشير المقال إلى أن من بينها إجبار المنظومة الروسية الحاكمة على التكيف مع الأزمات والتحديات التي تواجه البلد والتي أنشأها الرئيس بنفسه من خلال القرارات التي اتخذها.

وتحدث المحلل بكارنيغي عن أن من المكاسب إيجاد الزخم الكافي لإعادة توجيه التجارة الخارجية لروسيا وجعلها أقل اعتمادا على الغرب، وقد سعى بوتين إلى ذلك منذ 2014. وبخوض الحرب، انخفض حجم التبادل التجاري مع أوروبا بأكثر من النصف، بينما نما بأكثر من 40% مع الصين، وبنسبة مهمة أيضا مع الهند.

كما دفعت الحرب الشركات الروسية لتجاوز البيروقراطية التقليدية وإنشاء وتطوير البنية التحتية اللازمة لتطوير التعاون مع آسيا، من خلال حشد الموارد، تمويل مشاريع النقل، بناء خط أنابيب غاز جديد مع الصين.

كما أن تقليل اعتماد روسيا على الدولار الأميركي والنظام المالي الغربي تحقق بعد الحرب، حيث قلت حصة الصادرات الروسية المدفوعة بالدولار أو اليورو من نحو 90% في يناير/كانون الثاني 2022 إلى أقل من 50% في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

مكاسب إستراتيجية
وإلى جانب تطوير الصناعة العسكرية، مكنت حرب أوكرانيا من زيادة عزلة بيلاروسيا عن الغرب ودفعها إلى اندماج غير مسبوق مع روسيا بقليل من الجهد من موسكو ودون الحاجة إلى ضغوط كبيرة، كما أن خسارة أوروبا للغاز الروسي منخفض التكلفة قد يخلف توترا حقيقيا بينها وبين الحليف الأميركي.

بالإضافة إلى ذلك – يتابع المحلل السياسي- سطرت الحرب نقطة خلاف جديدة بين الغرب والصين، وهو ما يصب في مصلحة روسيا نهاية المطاف.

وأكد المقال أن إيقاف الحرب لن يحقق الشيء الكثير لبوتين، إذ أن إنهاءها ربما ينقذ آلاف الأرواح، ويخفف الضغط على الاقتصاد والمجتمع الروسي، وسيعيد روسيا إلى موقعها الدولي. لكن بالنسبة لبوتين، فإن وضع حد للصراع سيكون كارثة بالنسبة لموقعه في النسق السياسي الداخلي، وفي التاريخ الحديث لروسيا.

فإيقاف الحرب سيفسح المجال لطرح أسئلة ساخنة بشأن الأهداف الحقيقية للصراع وتكلفته الباهظة، فهل النتائج المتحققة تبرر كل تلك التكاليف البشرية والمادية والاجتماعية؟ وهو ما لا يمكن أن يُطرح والحرب مازالت مشتعلة.

الجزيرة