صفاقس (تونس)- بينما يواجه شباب من شمال أفريقيا، بعضهم من تونس، الشرطة الفرنسية احتجاجا على ممارسات تمييزية ضدهم بسبب العرق والدين، تشهد محافظة صفاقس التونسية (شرق) صدامات بين مهاجرين أفارقة وتونسيين يحتجون على تواجدهم بينهم.
وسلط تزامن الصدامات في صفاقس و الاحتجاجات في باريس الضوء على المفارقة، ففي حين يؤيد كثيرون في بلدان شمال أفريقيا التحركات العنيفة للشباب في فرنسا ضد ما يعتبرونه عنصرية وتهميشا، يمارس التونسيون ضد الأفارقة نفس ما يمارسه الفرنسيون ضد الشباب من أوصول عربية ومغاربية.
وأعلنت السلطات القضائية في مدينة صفاقس الاثنين، عن فتح تحقيق في أعمال عنف وشجار اندلعت ليلا بين مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء وسكان محليين وتسببت في حالة من الفوضى والهلع.
ونقلت مقاطع فيديو لشهود في المنطقة على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الليل مشاهد لأعمال العنف والصراخ في الشوارع وسط أحياء سكنية بمنطقة الربط بقلب المدينة.
وأظهرت مقاطع إشعال النيران بأحد أسطح المنازل من قبل مهاجرين، فيما يحمل سكان محليون غاضبون العصي.
وقال المتحدث باسم محكمة صفاقس فوزي المصمودي إن “إصابات لحقت بمدنيين بسبب عمليات رشق بالحجارة إثر مناوشات بين الجانبين، تسببت أيضا في أضرار بعدد من السيارات والممتلكات الخاصة”.
وتابع المتحدث بالقول إن “قوات الأمن تدخلت في المنطقة واستعادت الهدوء لكن لم تجر إيقافات بعد”.
وتشهد المدينة الساحلية منذ عدة أشهر تدفقا لافتا للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في محاولة للعبور عبر البحر إلى الأراضي الإيطالية القريبة.
وأفاد أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب أنه “شكليا يوجد تشابه بين احتجاجات باريس وصفاقس، لكن واقعيا من يواجه الشرطة في فرنسا هم الشباب الفرنسيون بقطع النظر عن الأصول (شمال أفريقيا أو غيرها)، وهم مواطنون عاديون هناك”.
وأكد لـ”العرب” أن “المسألة مختلفة في صفاقس، لأن المهاجرين موجودون على أرض تونس ولا علاقة لهم بها، وأغلبهم ينتمون إلى عصابات ومجموعات تهريب قادمة أساسا من نيجريا ودول الساحل والصحراء”.
وشدّد الطبيب على أن “صفاقس تحولت إلى منطقة لعبور المهاجرين نحو إيطاليا، ويراد لها أن تتحول إلى منطقة تحكمها عصابات التهريب، ولو أدى ذلك إلى التصادم مع المواطنين”.
وتتواتر أعمال العنف في الشوارع بين مجموعات من المهاجرين أنفسهم من جهة، وبين مهاجرين وسكان محليين من جهة ثانية.
وقبل أسبوع شهدت المدينة احتجاجات من المجتمع المدني لمطالبة السلطات بالتصدي للتدفق الكبير للمهاجرين المخالفين للوائح الإقامة.
وبالموازاة مع ذلك، شهدت العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها احتجاجات واسعة وعنيفة خلال الأيام الماضية، حيث خرج الآلاف من المتظاهرين للاحتجاج على عنف الشرطة الذي تسبب في مقتل شاب من أصول جزائرية يدعى نائل.
وتعرض نائل إلى إطلاق نار من مسافة قريبة بعد أن أوقفته الشرطة يوم الثلاثاء الماضي، حيث كان يقود سيارة مستأجرة وتجاوز نقطة تفتيش.
وتداول العديد من رواد مواقع التواصل مقاطع لمظاهر الاحتجاجات العنيفة المندلعة في العاصمة الفرنسية وضواحيها، منتقدين حالة العنف المنتشرة في البلاد، بينما يرى آخرون أنها رد فعل متوقع بسبب تصرفات سابقة بحق أبناء الجالية العربية.
وفي الوقت الذي يحتج فيه أبناء المهاجرين في باريس والذين يمكن أن يكون من بينهم تونسيون على العنصرية والتهميش في فرنسا، يواجه الأفارقة السيناريو ذاته في صفاقس.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني إن “المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء يدخلون تونس عبر الجزائر وتحديدا عبر مدينة القصرين الحدودية ويتجهون نحو صفاقس”.
وأضاف لـ”العرب” أن “صفاقس هي القاطرة الاقتصادية لتونس وتوفر 33 في المئة من مداخيل الضرائب للدولة، كما أنها مدينة قريبة للهجرة وتستأثر بأكثر من 50 في المئة من عمليات الهجرة من تونس نحو السواحل الإيطالية، تليها مدينة المهدية بـ30 في المئة”.
وتابع الشيباني “من يأتي إلى صفاقس من المهاجرين يجد فرصة للشغل، وبعض السكان أصبحوا يوفرون لهم بيوتا للكراء بمقابل مادي كبير (بيت لـ15 أو 20 شخصا) بمبلغ 100 دينار (32.27 دولار) في الليلة الواحدة”، لافتا إلى أنه “أصبحت هناك أحياء خاصة بالأفارقة في صفاقس وهو ما بات يشكل عبئا حقيقيا على المواطنين، حيث فقد الناس فرص العمل بسببهم، فضلا عن جزء كبير من المواد الغذائية والاستهلاكية، وتنقلهم كمجموعات يمكن أن تتصادم معهم في أي لحظة، كما أن أعدادهم غير رسمية إلى حدّ الآن”.
واعتبر الخبير الأمني أنه “لا توجد علاقة واضحة بين الاحتجاجات في فرنسا والأفارقة من جنوب الصحراء في صفاقس”، لافتا إلى أن “هناك موجة لليمين المتطرف تتاجر بمسألة الهجرة”.
وأردف الشيباني “رغم تأكيد الرئيس التونسي قيس سعيد على أنه لا وجود لإمكانية توطين الأفارقة في تونس، إلا أنه توجد مخاوف من التوطين دون وعي، باعتبار أن الكثير من المهاجرين لا يحملون هويات أو وثائق شخصية وهو ما يرجح فرضية بقائهم في تونس”.
واستطرد قائلا “لا بدّ من حسم الأمور، ومن كانت وضعيّته غير قانونية يرحّل إلى بلاده”.
وتقول منظمات حقوقية إن القيود الأوروبية على حرية تنقل المهاجرين الذين لا يتمتعون بالحق في العمل ولا بأفق واضح في تونس، ستدفع إلى المزيد من التوتر الاجتماعي في صفاقس.
العرب