واشنطن – يبدو التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران يمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية بعيدا، فلا مؤشرات إيجابية على حدوث خرق في الجهود الأوروبية للتوصل إلى صفقة تنهي هذا الملف. لكن إصرار واشنطن والغرب على مواجهة خطر البرنامج النووي الإيراني يفتح المجال أمام سيناريوهات أخرى محتملة. وهناك خمسة سيناريوهات محتملة لمنع طهران من تحقيق طموحها بامتلاك القنابل النووية، رغم أن بعضها غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع بشكل أو بآخر.
ويرى د. سعيد قاسمي نجاد الذي يشغل منصب كبير مستشاري الشؤون الإيرانية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) أن أول تلك السيناريوهات يتجلى في التزام نظام طهران بفتوى كان قد أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي في العام 2003 وأعلن فيها تحريم استخدام أسلحة الدمار الشامل. وعقب عامين من صدور تلك الفتوى، أصدرت الحكومة الإيرانية بيانا رسميا في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا تعلن فيه التزامها بتلك الفتوى، والتي جرى نشرها على الموقع الرسمي لخامنئي.
وبحسب نجاد فإن فرص تحقيق تلك الفرضية على أرض الواقع غير مرجحة بشكل كبير، مبررا ذلك بأن مستويات تخصيب اليورانيوم قد تجاوزت أهداف الاستخدامات السلمية. ويضيف أنه علاوة على ذلك، فإن تلك الفتوى “يمكن التبرؤ منها في أي لحظة، فخامنئي لم يتحمل عقوبات فرضت على نظامه منذ نحو عقدين لمجرد أن بلاده ترغب في إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات نووية.. فهو يعتبر أن المظلة النووية وثيقة تأمين نهائية لاستمرار حكم ولاية الفقيه”. وأما السيناريو الثاني فيقوم على إقناع خامنئي بالحوافز المالية والسياسية للتخلي عن السعي وراء الأسلحة النووية.
ولطالما كان هذا النهج، ولا يزال، الإستراتيجية المفضلة لدى الغرب، إذ يشير المدافعون عن هذه الطريقة، وفقا لنجاد، إلى الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، باعتباره إنجازا أساسيا لها. ومع ذلك “يجب أن يكون واضحا للجميع، بمن فيهم مؤيدو الاتفاق، أن تلك الصفقة قد فشلت في خنق طموحات طهران النووية، وفي أحسن الأحوال، كانت مجرد تأجيل للمشكلة”، وفق الكاتب. ويتابع نجاد قوله “لكن العقبة في تكتيكات التأخير والتأجيل هي أنها تصل دائما إلى نقطة النهاية”.
وعلى الرغم من تقديم حزمة جذابة من الحوافز السياسية والاقتصادية لإيران، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تنجح في إقناع طهران بإعادة الالتزام بالاتفاق النووي. ويشرح نجاد ما ذكره بقوله “أدى فشل بايدن في فرض العقوبات وتوحيد الحلفاء ضد طهران إلى زيادة جرأة النظام الإيراني وتقليص نفوذ واشنطن، كما أظهر الاتفاق النووي أن المكافآت المالية والسياسية، على الأغلب، لن تقنع ذلك النظام بالتخلي عن تطلعاته النووية”.
وبالانتقال إلى السيناريو الثالث، يرى الباحث الإيراني أنه سيقوم على مزيج قوي من الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والسري والعسكري بما يهدد بقاء نظام ولاية الفقيه، وبالتالي يجبره على التخلي عن برنامجه النووي لمنع سقوطه وانهياره. ومن وجهة نظر نجاد، فقد اعتمدت الولايات المتحدة هذه الإستراتيجية بشكل متقطع بعد أن أقرنتها بالحوافز المالية والسياسية. ويضيف نجاد “ومع ذلك، لم تكن حملة الضغط شاملة أو مطلقة أبدا، حيث ركزت بشكل أساسي على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعمليات السرية من دون استخدام هذه الأدوات بالكامل”.
وعلى مدى العامين ونصف العام الماضيين “أهدرت الولايات المتحدة الكثير من نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي على طهران” من خلال الفشل في دعم العقوبات وعزل الحلفاء الإقليميين، وبدلا من ذلك، تمكنت طهران من تحسين علاقاتها مع دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية. ولا يزال سوء إدارة النظام الإيراني للاقتصاد ورهانه في دعم الغزو الروسي لأوكرانيا يوفران أرضية خصبة لاتباع إستراتيجية ضغط، لكن يمكن للنقاد أن يجادلوا بأن التقدم النووي لطهران وفقدان واشنطن لنفوذها قد يلقيان بظلال من الشك على ما إذا كان ذلك الضغط كافيا.
وأما السيناريو الرابع، فيتمثل في “انهيار النظام الإيراني”، إذ أدت أوجه القصور الهيكلية المختلفة في مفاصله إلى جعله غير مستقر. ويوضح نجاد “أن تدخلات إيران الخارجية تعرضها لمخاطر الحرب والغزو الأجنبي، في حين أن عدم كفاءة نظامها المستبد يجعلها عرضة للثورة”.
◙ هناك سيناريو يقوم على مزيج من الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والعسكري يهدد بقاء نظام ولاية الفقيه ويجبره على التخلي عن برنامجه النووي
ويردف نجاد “وبافتراض زيادة التنافس والصراع الداخليين بين مراكز القوى على الموارد المحدودة، فإن الانقلابات ستنشأ، وبالتالي فإن انهيار النظام سوف يحل المعضلة النووية بشرط ألا يكون النظام السياسي اللاحق معاديا للولايات المتحدة”. ومشكلة ذلك السيناريو، بصرف النظر عن افتقاره إلى التوقيت المناسب لإفشال طموحات خامنئي النووية، هي الكلفة الكبيرة والعواقب المحتملة لانهيار النظام.
فالثورات، وفق نجاد، لا يمكن التنبؤ بها ويصعب تنظيمها، وعادة ما تفتقر الانقلابات إلى معدلات نجاح عالية، وهناك القليل من شهية الغرب للتحريض على تغيير النظام في إيران عبر الغزو العسكري، خاصة بعد عقدين من الانخراط في أفغانستان والعراق. وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انهيار النظام السياسي الإيراني إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل كبير، وقد لا تتوافق الحكومة المقبلة بالضرورة مع مصالح الولايات المتحدة أو الحلفاء. ولهذا السبب، أبدت واشنطن وحلفاؤها اهتماما ضئيلا بالاستفادة من نقاط الضعف في منظومة طهران الحالية.
وبالوصول إلى السيناريو الخامس، فإن الحديث يدور هنا عن توجيه ضربة عسكرية تستهدف برنامج طهران النووي، والتي في حال نجاحها قد تؤخر تطوير البرنامج لسنوات. ومع ذلك، يجادل خبراء ومراقبون بأن هذه الضربات لن تقضي على البرنامج بالكامل، ويؤكدون أنه في أعقاب ذلك ستوقف طهران التعاون وستستأنف تسريع جهودها نحو تطوير قنبلة نووية.
وفي الوقت نفسه، سترد إيران على الخصوم بهجمات صاروخية وعمليات إرهابية، وهذا يعني أن ضربة عسكرية واحدة لن تكون كافية بمرور الوقت. ويخلص الباحث إلى أنه على المدى الطويل، فإن أفضل إستراتيجية هي ممارسة أقصى قدر من الضغط على نظام خامنئي، وتقديم أكبر قدر من الدعم للشعب الإيراني لإسقاط تلك المنظومة الحاكمة. وأما على المدى القصير، فيظل إحياء الضغط الأقصى من خلال التحضير لضربة عسكرية هو الخيار الواقعي الوحيد.
العرب