لا زالت الأنظار تتجه إلى ما سيتم من تطورات ميدانية تتعلق بكيفية توحيد الآراء وقبول المقترحات الإيرانية الامريكية حول البنود التي تضمنتها المبادرة الأوربية، فلا زال هناك العديد من التكهنات التي تذهب الى وجود تنازلات قدمها النظام الإيراني للتغلب على الشروط الأمريكية والاستعداد لتوقيع اتفاق جديد يعزز اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في اب 2015 وهذا ما اشار اليه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية ( ناصر كنعاني) بقوله : اذا ما اتسم الرد الامريكي بالواقعية والمرونة فإن إيران مستعدة للتوقيع مع الضمانات ، خاصة بعد تراجع إيران عن شرطها باعتبار الحرس الثوري ضمن المنظمات الإرهابية والمطالبة برفع الحظر والعقوبات عنه وهناك آراء دبلوماسية أمريكية تذهب للقول بأن طهران بدأت تقبل صيغة استمرار عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص عمليات التفتيش والمراقبة المستمرة والتحقيق حول وجود آثار لتخصيب اليورانيوم في ثلاث مواقع حول العاصمة الإيرانية .
لا تزال الأوساط الإيرانية ومنها رئيس الوفد المفاوض في اجتماعات فيينا ( علي باقري كني ) يستبعد قبول التوقيع على الاتفاق اذا لم يتم إنهاء ملف التحقيقات مع الوكالة الدولية، ولهذا بدأت الأوساط الأوربية بالتحرك ميدانيا وعبر العديد من الاتصالات للوصول إلى صيغة موحدة يتم خلالها الجلوس على طاولة الحوار والبدأ بوضع المرتكزات الأساسية التي تعتبر الأرضية التي سيتم خلالها اعتماد المواد والفقرات التي ترضي الأطراف المتحاورة وتحقق الغايات والأهداف من أي اتفاق قادم .
يرى الإيرانيون أن الاتفاق يحقق لهم اغراض عديدة وغابات ميدانية يسعون إليها وأهمها رفع العقوبات الاقتصادية والبدأ بتصدير النفط والغاز والحصول على الأموال المجمدة لمعالجة الأزمات الاجتماعية والمعاشية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، مع أن التوجه الرئيسي انه وحتى إذا ما وقع الاتفاق فإنه لن يساهم في إيقاف الطموح الإيراني في امتلاك السلاح النووي لانه يعتبره جزءا من متطلبات الأمن القومي وعملية الردع التي تحمي أهداف النظام وغاياته وتساعده على تنفيذ برنامجه السياسي في التمدد والنفوذ بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا ما توضحه السياسية الأوربية الأمريكية التي لا يهمها كثيرا التوجهات الإيرانية وسياسة النفوذ التي تشكل هيمنتها على المنطقة طالما أنها تمتلك تفاهمات واضحة واتفاقيات راسخة للحفاظ على مصالحها واهدافها مع النظام الإيراني ومؤسساته السياسية والأمنية وسعيها لتحقيق التوازن الاستراتيجي في ضوء تطور الأحداث المستمرة في المنطقة واستمرار قيامها بتزويد شركائها وحلفائها بأنواع الأسلحة والمعدات والتقنيات المتطورة في الجانب العسكري وباثمان عالية ومبالغ باهظة تضمن لها منافع مادية وتدفق للأموال العربية مع غياب أي توجه حقيقي وعملي لمواجهة المشروع الإيراني بعد أن تغاضت الإدارة الأمريكية والحلفاء الأوربيين عن مناقشة برنامج الصواريخ البالستية والتدخل الإقليمية للنظام الإيراني في الوطن العربي، وهذا يمثل سياسة براغماتية تسعى للوجود والتعامل الميداني والتوازن الاستراتيجي في الحفاظ على مصالحها مع تطور الأحداث العسكرية في المواجهة بين روسيا وأوكرانيا وحاجة الأوربيين للطاقة من النفط والغاز الإيراني للتخفيف عن معاناتهم القادمة باستمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية الأوربية المفروضة على روسيا.
السياسة الأوربية واضحة في علاقتها مع النظام الإيراني فهي مع بقائه واستمراره حفاظا على علاقتها التجارية وتوجهاتها الاقتصادية في إنشاء وبناء المشاريع الإستراتيجية وتوسيع التنمية الاجتماعية بعد توقيع الاتفاق المشترك الخاص بالبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات وأنها تعمل بشكل متوازن للحفاظ على علاقتها مع حلفائها بالمنطقة عبر الحد من طموحات إيران في الحصول على القنبلة النووية وتزايد هيمنتها وترددها واتساع رقعة انتشار مشروعها السياسي والأمني.
يبقى الاتفاق النووي إحدى المحطات الرئيسية التي على النظام الإيراني ان يسعى فيه لملئ الفراغ الذي أحدثته المواجهة العسكرية الروسية الأوكرانية والتعامل الجدي للاستفادة من هذه الفرصة الميدانية التي تساهم في تعزيز حظوظه بالتوقيع النهائي على الاتفاق النووي.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية