لندن- بشكل مفاجئ، أعلن مجلس مدينة برمنغهام في بريطانيا “إفلاسه”، في خطوة هزت الأوساط السياسية البريطانية، على اعتبار أن هذا المجلس يعد أكبر مجلس محلي في كل أوروبا، ويتعلق الأمر بثاني أكبر مدينة في بريطانيا بتعداد سكان يتجاوز مليون نسمة.
ومن النادر أن تعلن مدينة كبيرة في بريطانيا إفلاسها بهذا الشكل، إلا أن مجلس مدينة برمنغهام أعلن أنه لم يعد قادرا على تحمل أي نفقات باستثناء النفقات الأساسية المتمثلة في رعاية كبار السن وجمع النفايات وتوزيع المساعدات على الفئات الأكثر فقرا.
ولا تعد برمنغهام مدينة عادية، فهي من المدن التي تعول عليها بريطانيا كثيرا في عديد من الأحداث الكبرى، ولهذا فقد فازت بتنظيم البطولة الأوروبية لألعاب القوى لسنة 2026، إلا أن إعلان الإفلاس جعل الشكوك تدب في صفوف كثيرين بشأن قدرة المدينة على تنظيم مثل هذا الحدث الكبير.
لماذا أعلن مجلس برمنغهام إفلاسه؟
يعيش مجلس مدينة برمنغهام حالة من الضغط المالي، وذلك بسبب فاتورة ما زال عليه دفعها وقيمتها 760 مليون جنيه إسترليني لتعويض المتضررين من عدم المساواة في الأجور.
وسبق للمجلس أن دفع 1.1 مليار جنيه إسترليني تعويضات لكل المتضررين من عدم المساواة في الأجور، وذلك بعد قضية شهيرة سنة 2012 رفعتها عاملات في المجلس بدعوى تعرضهن للتمييز في الأجور.
وبالفعل، أكدت المحكمة العليا حينها أن نحو 174 من العاملين -معظمهم من النساء العاملات في مساعدة أساتذة المدارس، وتنظيف الأماكن العامة، ورعاية كبار السن- لم يحصلوا على أي زيادة أو مكافآت، في حين كان يحصل العاملون من الرجال على هذه المكافآت في أعمال التنظيف وجمع القمامة، وغيرها.
ومنذ صدور الحكم، يدفع المجلس هذه التعويضات التي بقي منها 760 مليون جنيه إسترليني. وقال رئيس المجلس جون كوتون (من حزب العمال) إن خطوة إعلان الإفلاس ضرورية من أجل “عودة وقوف مدينتنا على أقدامها من جديد من الناحية الاقتصادية”.
وقد ألقى المجلس في بيان إعلان إفلاسه باللائمة على تراجع الوضع الاقتصادي، الذي حرم المجلس من كثير من المداخيل، وعلى ارتفاع نسبة التضخم في البلاد.
ماذا يعني إعلان الإفلاس؟
إعلان الإفلاس يعني أن المجلس غير قادر على الإنفاق على التزاماته المالية التي وضعها في ميزانيته السنوية، ولا يعني إفلاسه عدم قدرته على تدبير شؤونه اليومية، لكنه لن يكون قادرا على الإنفاق على أي مشاريع إضافية أو جديدة، وكذلك سيقتصر الإنفاق على الأمور الضرورية جدا.
وعندما يجد المفتش المالي للمجلس أن مجلسه بات غير قادر على الوفاء بالتزاماته المالية، يقوم بإصدار وثيقة تسمى “بند الإشعار 114” الذي على أساسه يصبح المجلس رسميا غير قادر على أداء ما عليه من ديون أو مستحقات، وأن خزائنه غير قادرة على تغطية مصاريفه.
وكشف المجلس عن أنه يعاني حاليا عجزا قيمته 87 مليون جنيه إسترليني، وأن إنفاقه سوف يقتصر حاليا على رعاية الأطفال والرعاية الاجتماعية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة لجمع القمامة وإصلاح الطرق، مع إيقاف كل المشاريع الأخرى.
هل سبق لمجالس أخرى إعلان إفلاسها؟
سبق لعدد من المجلس أن أصدرت “بند الإشعار 114” خلال السنوات الماضية، لكنها تبقى مجالس صغيرة مقارنة بمدينة برمنغهام.
ففي نهاية سنة 2022، أعلن مجلس منطقة “ثيروك” إفلاسه بسبب الخسائر التي يتكبدها نتيجة تراكم ديون بعض الاستثمارات التي قام بها، وكذلك أعلن مجلسا “كرويدن” و”سلاو” إفلاسهما في عامي2021 و2022.
وكان أول مجلس يعلن إفلاسه في بريطانيا هو مجلس “نورثهام شاير” عام 2018، عندما وجد نفسه غارقا في ديون تقدر بنحو مليار جنيه إسترليني.
ما دور الحكومة؟
وبعد هذا الإعلان مباشرة، نأت حكومة ريشي سوناك بنفسها عن هذه الأزمة، بل إن رئيس الوزراء صرح بأن المجلس هو المسؤول عن هذه الوضعية، وأن المجالس لها صلاحيات واسعة ولا يسع حكومته القيام بأي شيء في هذا الصدد.
وتدخل الحسابات السياسية بشكل كبير في هذه الملفات، ذلك أن حزب العمال المعارض هو من يقود هذا المجلس المهم في البلاد، ولا يريد سوناك أن يقدم له أي هدية، خصوصا مع اقتراب السنة الانتخابية الحاسمة.
إلا أنه في النهاية، سيكون على ممثلي الحكومة الجلوس مع مجلس مدينة برمنغهام للنظر في إمكانية تقديم المساعدة أو منح المجلس بعض القروض.
المصدر : الجزيرة