شهد العراق سنة جفاف قاسية، أضرت كثيراً بالأراضي الزراعية والمواشي، ما أثر بالسلب على الإنتاج السنوي للمحاصيل الزراعية المهمة، الداخلة في سلة الغذاء اليومية للشعب العراقي..
على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة، إلا أن التشدد التركي مازال هو سيد الموقف، وهذا أثر بشكل كارثي في جفاف البحيرات الرئيسية في العراق، وتراجع حجم الأهوار، بالإضافة إلى نقص في حجم المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات، ما أجبر العراق على اتخاذ التدابير التي لا ترقى إلى مستوى المعالجة، بل كانت ترقيعية، كتركيب مضخات جديدة لاستخراج المياه من المساحات القريبة من الخزائن وعلى طول النهرين.
يبدو أن الوضع بات بائساً ومأساويا بالنسبة إلى ملف المياه الذي شكل عقبة أمام حفظ الأراضي الزراعية، وزيادة استصلاح غيرها، حيث ذكرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية في العراق أن منسوب نهر الفرات تناقص ليصبح أكثر بقليل من نصف متر (56 سم) في مدينة الناصرية، مما تسبب في جفاف 90 في المئة من الأهوار القريبة. كما أن المنظمة الدولية للهجرة قدرت أن ثلث النازحين، البالغ عددهم 85 ألفا بسبب شح المياه، يعيشون في محافظة ذي قار على طول النهر، حيث جعل نزوح هؤلاء بعد انخفاض منسوب المياه، فتحركوا إلى داخل المدن. كما اضطر المزارعون إلى ترك أراضيهم وممتلكاتهم، مما أثر بالسلب على الأراضي المستغلة، وتحول كثير منها إلى أراض ميتة، تحتاج إلى جهد كبير لإعادة إحيائها من جديد.
◙ على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة، إلا أن التشدد التركي مازال هو سيد الموقف، وهذا أثر بشكل كارثي في جفاف البحيرات الرئيسية في العراق
تركيا من جهتها تحاول المماطلة في هذا الجانب، إذ اعتمدت حكومتها على عامل الزمن، من أجل تقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال الأخير، الذي ضرب تركيا وأثر على خط الأنبوب الناقل، والذي أخذ العمل به لمدة 46 يوما وتوقف في 25 مارس – آذار، بعد صدور التحكيم الدولي لصالح العراق، فكما نعرف تستخدم أنقرة خط الأنابيب كورقة مساومة تمتلكها لانتزاع تنازلات بشأن التعاون الوطني والأمني في أربيل وبغداد.
يضيف المراقبون أن الاتفاق القريب ليس سهلاً، وليس بالمهمة البسيطة ويحتاج إلى الكثير من الوقت، لأن هناك العديد من القضايا الشائكة، كما أن تركيا تبحث عن قضايا أخرى مع العراق، فهي تريد تخفيض مبلغ التعويضات، التي يجب أن تدفعها، والبالغة 1.5 مليار دولار، إلى جانب تقديمها لمطالب صعبة أخرى، بما فيها تخفيضات كبيرة في أسعار النفط، وإسقاط جميع المطالبات ضدها، بالإضافة إلى زيادة رسوم نقل النفط عبر أراضيها إلى 7 دولارات لنقل البرميل الواحد، مقارنة بما حددته معاهدة خطوط الأنابيب عام 2010 والتي حددت رسوم النقل بـ1.18 دولار، فضلا عن إلى تعويض تكاليف الخط الناقل للنفط.
ملف إيقاف تصدير 450 ألف برميل يومياً من صادرات النفط لمدة خمسة أشهر، والتي تقدر إيراداتها بحوالي 5 مليارات دولار من إجمالي الإيرادات غير المتحققة، والعراق بحاجة إلى هذه الأموال لتنفيذ الموازنة لعام 2023 التي تبلغ 150 مليار دولار، والسيطرة على العجز الهائل والبالغ 48 مليار دولار، ما يعني أن الخسائر التركية المترتبة على وقف تصدير النفط أقل من خسائر العراق، حيث تقدر خسائر تركيا بحوالي 2 إلى 3 ملايين دولار يومياً من رسوم العبور، مما يضع جانباً الفرص الضائعة، المتمثلة في تنشيط تجارة النفط والغاز مع العراق.
من المفارقات أن قرار تركيا بإطالة أمد وقف صادرات النفط من العراق، قد أعاد ترتيب مصالح بغداد وأربيل، بحيث لأول مرة يتفق الطرفان على ضرورة وصول نفط العراق إلى الأسواق الدولية، ويمكن أن يكون موقف العراق أقوى بكثير من موقف أنقرة، لذلك يمكن له أن يجعل هذا الملف ورقة ضغط ومساومة مع أنقرة، ومن المؤكد أن اتفاق الرؤية بين أربيل وبغداد يمكن أن يساعد العراق على الاستثمار في زيادة الإنتاج من كركوك، للحصول على المزيد من تدفق النفط عبر تركيا، لجعل مشروع خط الأنابيب الناقل معها أكثر ربحاً وفائدة، وتحصل انفراجة في ملف المياه تبعا لذلك.
العرب