طرابلس – ينتظر الليبيون ما ستفضي إليه التحقيقات القضائية بشأن حادثة انفجار سدّي درنة التي أدت إلى سقوط آلاف القتلى من سكان المدينة الواقعة في شرق البلاد.
وأكدت أوساط ليبية لـ”العرب” أن “مكتب النائب العام شرع بالفعل في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في ملفات الفساد والإهمال ذات الصلة بالسدين المنهارين في درنة، وأن القضية مرشحة للكثير من المفاجآت بخصوص الأطراف التي يمكن أن تكون متورطة بالفعل في عرقلة أو تعطيل عمليات الصيانة التي كان يمكن أن تحول دون كارثة عاصفة دانيال وما انجر عنها من خسائر غير مسبوقة في الأرواح والممتلكات”.
وبحسب الأوساط ذاتها، هناك مخاوف جدية من أن تعمل بعض الأطراف السياسية أو الحاملة للسلاح على عرقلة التحقيقات نظرا إلى وجود تداخلات بين أغلب الفاعلين الأساسيين في الملفات ذات الصلة بفاجعة درنة، سواء من الجوانب الحكومية أو المالية أو الرقابية أو من جانب السلطات المحلية في المدينة.
وتابعت الأوساط قائلة إن “استقلالية القضاء الليبي تجد نفسها اليوم على محك فاجعة درنة، وهذا القضاء لم يقترب خلال السنوات الماضية من الفرقاء الأساسيين وأمراء الحرب والقوى المرتبطة بالقوى السياسية والتوازنات الاجتماعية والقبلية المهمة وذات التأثير البالغ في البلاد”.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن نجاح التحقيقات القضائية بخصوص فاجعة درنة لن يتحقق إلا في حال توفير الاستقلالية الكاملة للجان المكلفة وحياد المؤسسات الحكومية وعدم تسييس القضية، سواء من قبل سلطات طرابلس أو من طرف المنطقة الشرقية، مشيرين إلى أن أي ضغوط سياسية أو اجتماعية ستعرقل التحقيقات، خصوصا في ظل التوازنات الراهنة والصراعات المتواصلة على السلطة وضعف مؤسسات الدولة والتدخل المباشر من قبل السلطات التنفيذية في شؤون القضاء.
ودعا مجلس النواب الليبي النائب العام إلى التحقيق العاجل في أسباب حصول الكارثة، وتوضيح ما إذا كان هناك تقصير من أي جهة، فيما حمّل عضو المجلس عبدالمنعم العرفي الحكومات مسؤولية انهيار سديْ درنة والتقصير في اتخاذ الإجراءات الاحترازية لإجلاء السكان وتقليل الخسائر والأضرار الناجمة عن العاصفة التي ضربت الجبل الأخضر.
وقال العرفي إن مسؤولية حدوث هذه الكارثة تتحملها الحكومات المتعاقبة التي قامت بإنفاق ميزانيات في غير أوجه الصرف المخصصة لها، مشيرا إلى أن مشروع ترميم سدي درنة كان قائما منذ 2010 ورصدت له ميزانيته وكانت تنفذه شركة تركية قبل أن تغادر البلاد في 2011، شأنها شأن الشركات الأجنبية الأخرى، ولم يستكمل المشروع ولا يعرف أين ذهبت الأموال التي رصدت له.
وأضاف العرفي أنه في عام 2020 أوصت تقارير خبراء ومهندسين بضرورة ترميم السدود لعدم قدرتها على استيعاب الأمطار إلا أنه لم يتم الاهتمام بتلك التقارير وتوصيات الخبراء بهذا الخصوص، مردفا أن مجلس النواب سيخاطب النائب العام للاضطلاع بمهامه والتحقيق في شبهات الفساد سواء في عقد 2010 أو في أوجه صرف ميزانيات السدود في 2021.
وكان رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي طالب النائب العام الصديق الصور بفتح تحقيق شامل في كارثة الفيضانات التي ضربت مدينة درنة. وقال “طالبنا النائب العام بفتح تحقيق شامل في وقائع الكارثة ومحاسبة كل من أخطأ أو أهمل بالامتناع أو القيام بأفعال نجم عنها انهيار سدي مدينة درنة”، داعيا إلى أن تشمل التحقيقات “كل من قام بتعطيل جهود الإغاثة الدولية أو وصولها إلى المدن المنكوبة”.
كما طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة من النائب العام فتح “تحقيق عاجل” في أسباب انهيار السدين خلال العاصفة دانيال. وقال “خاطبت المستشار النائب العام بفتح تحقيق عاجل في ملابسات انهيار سدي درنة، ووجهت الأجهزة المعنية بالتعاون الكامل في ذلك”.
وكشف الدبيبة أن وزارة التخطيط عند مراجعتها الأوراق الخاصة بعقود صيانة سدي مدينة درنة “أبومنصور ووادي درنة” اكتشفت أن العقود لم تستكمل، على الرغم من تخصيص عشرات الملايين لها.
وبحسب مراقبين محليين ستشمل التحقيقات مسؤولين من وزارة الثروة المائية والهيئة الوطنية للمياه وديوان المحاسبة ومن المجالس البلدية بدرنة التي كانت تدير شؤون المدينة منذ عام 2010.
وسارع رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك أمس الجمعة إلى تفنيد ما تناقلته بعض المواقع والصفحات الإلكترونية عن إيقافه عقدَ صيانة لسد وادي درنة قبل أشهر.
وقال شكشك إن الديوان هو المؤسسة الوحيدة التي تملك تقارير خاصة بهذه المشاريع ونبه الجهات المختصة والمالكة لهذه المشاريع بضرورة استئناف الأعمال بها، والدليل ما ورد في تقريره عن عام 2021، مبرزا أن الديوان باشر التحقيق مع المسؤولين عن التقصير وقد يكون هذا أيضا سببا في بث هذه الأخبار الكاذبة.
وفي السياق ذاته شكّل وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عصام أبوزريبة لجنة للقيام بجمع الأدلة المتعلقة بحادث انهيار سد درنة المائي بتاريخ 10 سبتمبر الجاري، وذلك بهدف تحديد المسؤولية القانونية حيال الواقعة من خلال ضبط أقوال أي شخص له علاقة بالموضوع.
وطالب أبوزريبة اللجنة بتقديم تقرير يتضمن نتائج أعمالها ومشفوع بمحاضر جمع الأدلة في أسرع وقت ممكن إلى وزير الداخلية “ولها في سبيل إنجاز أعمالها الاستعانة بمن ترى لزوم الاستعانة به”، وفق نص المادة الثالثة من القرار.
العرب