تونس – لم يفض الحوار بين تونس وصندوق النقد الدولي إلى نتائج بالرغم من الدعوات التي تم توجيهها إلى الصندوق لتمكين تونس من قسط أول من قرض يبلع 1.9 مليار دولار لمساعدتها على الشروع في إصلاح اقتصادها، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الولايات المتحدة ذات النفوذ القوي على الصندوق وسط شكوك في أنها تقف وراء إبطاء الاتفاق بين تونس والمؤسسة الدولية.
ولم تستبعد أوساط سياسية تونسية أن يكون وزير الخارجية نبيل عمار قد وقف على برود في الموقف الأميركي تجاه تونس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما دفعه إلى السفر إلى روسيا.
وتلوح تونس بالاتجاه شرقا (الصين وروسيا) بحثا عن الدعم المالي والاستثماري في ظل توقف المحادثات مع صندوق النقد.
وطالبت دول مثل إيطاليا صندوق النقد بمنح تونس قسطا أول من القرض لمعالجة وضعها الاقتصادي، على أن تبدأ بتنفيذ الإصلاحات لاحقا، لكن الصندوق رفض الاستجابة للدعوات. ولم تكن الولايات المتحدة ممن حثوا الصندوق على نجدة تونس، بل بالعكس قد تكون وراء عرقلة تسليم القرض.
الخلاف بين تونس والولايات المتحدة يتعلق بحقوق الإنسان، إذ يرفض قيس سعيد أي تدخلات خارجية
وصرّحت ستيفانيا كراكسي، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي، بأن موقف الولايات المتحدة من تونس مازال ”صعبًا للغاية وفي الوقت الحالي لا يوجد مخرج”.
وحول الإصلاحات التي تم طلبها في تونس للسماح بالإفراج عن القرض، قالت كراكسي في ختام زيارتها إلى واشنطن إن تونس تواجه صعوبة كبيرة، مضيفة “للحصول على شيء حتى في مجال حقوق الإنسان من الضروري الاستمرار على طريق الحوار الذي يمثل حاليا السبيل الوحيد”.
ونقلت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء عن كراكسي قولها “إن مثل هذه القضايا، التي لها تأثير مباشر على الوضع العام المتعلق بزيادة تدفقات الهجرة غير النظامية نحو إيطاليا، يجب أن تعالَج بطريقة أقل أثقالا أيديولوجيّة”.
ويتعلق الخلاف بين تونس والولايات المتحدة أساسا بملف حقوق الإنسان. ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيد التدخل -من أي جهة خارجية، بما في ذلك واشنطن- في الشؤون الداخلية لبلاده لفائدة أشخاص أو جمعيات أو أحزاب أو تحت أي مسوغ، بما في ذلك مراقبة الانتخابات.
ورغم أن واشنطن لم تصدر انتقادات علنية لتونس بسبب هذا الموقف، إلا أنها لا تفوت فرصة توجيه رسائل إلى تونس تظهر عدم رضاها عنها، مثل انتقاد تعامل تونس مع المهاجرين غير النظاميين أو رفضها الاستجابة لمطالب صندوق النقد.
وسبق أن حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من “سير الاقتصاد في تونس نحو المجهول، وأن أمامهم (قادة تونس) شيئا يمكنهم القيام به، وهو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
وقالت مساعدته باربرا ليف حين زارت تونس في مارس الماضي إن “المجتمع الدولي مستعد لدعم تونس حينما تتخذ قيادتها قرارات جوهرية حول وجهتها”، مضيفة أنه حتى تقرر الحكومة توقيع حزمة الإصلاح الخاصة بها سنظل “مكتوفي الأيدي”.
وذكرت أن قرار تونس تنفيذ الإصلاحات التي اقترحتها على صندوق النقد الدولي “قرار سيادي… وإن قرروا (قادة تونس) ألا يفعلوا ذلك، فنحن حريصون على معرفة ما هي الخطة ‘ب’ أو الخطة ‘ج’”.
ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن بلاده تشعر “بقلق بالغ” إزاء تصريحات الرئيس التونسي بشأن الهجرة غير النظامية والتقارير التي تتحدث عن اعتقالات تعسفية. وحَثّ السلطات التونسية على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحماية حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين.
وكانت تونس توصلت مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي إلى اتفاق خبراء بشأن خطة إنقاذ مالي تقوم على قرض على مراحل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن المحادثات تعطلت بعد أن بدا للرئيس التونسي أن شروط الحصول على القرض مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة.
ولطالما حذر الرئيس التونسي من أن القبول بشروط صندوق النقد الدولي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعية، مذكرا دوما بأحداث الخبز في يناير 1984 وما خلفته من ضحايا وغضب شعبي مكتوم يمكن أن ينفجر مع العودة إلى الأخذ بأفكار الصندوق، وخاصة مسار تقليص الدعم أو رفعه كليا.
وأبلغ قيس سعيّد مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا في يونيو الماضي بأن “شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي (إلى دولته) تهدد بإثارة اضطرابات اجتماعية أهلية في البلد”.
وذكر لها على هامش مشاركتهما في “قمة باريس من أجل عقد مالي جديد” أن “وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي إلى تونس غير مقبولة لأنها ستمس بالسلم الأهلية التي ليس لها ثمن”.
العرب