لا يخفي قادة فصائل مسلحة منضوية ضمن “الحشد الشعبي”، أن مهمة الأخير تحوّلت من محاربة تنظيم “داعش” إلى حماية النظام السياسي الحالي، في إطار اتفاقات سياسية، وأخرى وصايا تركها نائب رئيس هيئة “الحشد” الذي اغتيل مطلع 2020 بغارة أميركية قرب مطار بغداد، جمال جعفر، المعروف باسم “أبو مهدي المهندس”.
لكن هذا الدور يصطدم مع القوانين الخاصة بالقوات المسلحة العراقية التي تهدف أولاً وأخيراً إلى حماية البلاد والشعب من أي مخاطر أمنية وإرهابية واعتداءات خارجية.
وأثارت تصريحات وزير العمل العراقي الحالي، قائد فصيل “جند الإمام” الحليفة لإيران، أحمد الأسدي، موجة تساؤلات حول أبعاد إعلانه أن هدف “الحشد الشعبي” اليوم هو حماية النظام السياسي الحالي.
وقال في مقابلة متلفزة الأسبوع الماضي، بشأن التدخل الأميركي لتغيير النظام في العراق، إن “الأحلام بشأن ذلك ليست ممنوعة”. وأضاف أن “العراق في 2023 ليس نفسه في 2003، وأن مهمة الحشد الشعبي بعد تحرير المدن هي الحفاظ على النظام السياسي، كما أن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني ستُكمل ثلاث سنوات ولا يوجد ما يهدد استمرارها”.
اتفاق لحماية حكومة محمد شياع السوداني
في السياق، كشف قيادي سياسي من تحالف “الإطار التنسيقي”، لـ”العربي الجديد”، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “الأحزاب العراقية قبل تشكيل حكومة السوداني (2022)، اتفقت شفهياً وتحريراً على ورقة خارجية وقّعها عدد من زعماء الأحزاب والفصائل المسلحة، على أن تقوم الأخيرة بحماية حكومة السوداني من أي مخاطر قد تسببها الحركات المدنية والاحتجاجية، أو تحركات أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومنع أي سيناريو شبيه بما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي التي سقطت جرّاء الضغط الشعبي عام 2019 و2020”.
وأضاف القيادي نفسه أن “جميع الأحزاب العراقية، تعرف أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران تحمي النظام السياسي، وما تتضمنه من تفاصيل توزيع المناصب والثروات”. وأضاف بالتالي أن “الفصائل المسلحة ليست أكثر من صمام أمان لاستمرار العملية السياسية بصورتها الحالية المبنية على المحاصصة الطائفية”.
وأشار إلى أن “الأوامر الأمنية والعسكرية لهيئة الحشد الشعبي، تؤخذ من القائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الوزراء، أحد أطراف تحالف الإطار التنسيقي، بالتالي فهو يعرف التزاماته أمام هذه الهيئة من جهة، والتزامات الهيئة تجاه حماية حكومة السوداني، بل وحماية النظام السياسي الذي تجتهد أطراف الإطار التنسيقي للبقاء تحت مظلته”.
ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أقر البرلمان العراقي، بضغط من القوى والأحزاب الحليفة لإيران، مشروع قانون “هيئة الحشد الشعبي”، الذي اعتبر بموجبه المليشيات المسلحة التي تشكّلت عقب اجتياح “داعش” البلاد منتصف عام 2014، أو ما قبلها، وحدات عسكرية مرتبطة بالحكومة. لكنه عزلها عن تشكيلات وزارتَي الدفاع والداخلية، واعتبرها هيئة مستقلة بذاتها، ولها رئيس ورئيس أركان وقادة ألوية مسلحة، بدلاً من مصطلح فصيل أو جماعة.
“الحشد” والحكومة العراقية جنباً إلى جنب
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، القيادي في هيئة “الحشد الشعبي” مهدي تقي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الحشد الشعبي حاله كحال أي قوة عسكرية في العراق، وظيفتها حماية العراق وشعبه وحكومته من أي هجمات إرهابية أو انتقامية، وهذه وظيفة الأجهزة الأمنية، بالتالي لماذا الانزعاج من اعتبار الحشد الشعبي يحمي النظام السياسي؟”.
تقي: تضحيات الحشد الشعبي هي للحفاظ على النظام العام
وأضاف أن “الحشد لا يختلف عن أي قوة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يحمل هموم الشعب ومشاعره العقائدية”، معتبراً أن “التضحيات التي قدمها الحشد الشعبي، هي للحفاظ على النظام العام وعدم انهيار النظام السياسي”.
ولفت تقي إلى أن “الحشد الشعبي لديه قانون في مجلس النواب، ومن ضمن مهامه الحفاظ على الوضع الأمني والنظام العام ومنع أي اختراقات إرهابية أو مشاكل مدفوعة قد تستهدف المجتمع”. واعتبر أن “حماية المجتمع العراقي من المخدرات أو الإرهاب أو الأفكار المنحرفة، تأتي كلها في إطار حماية النظام السياسي والأمني”. وأشار إلى أن “هيئة الحشد تتعامل في ملفاتها الأمنية جنباً إلى جنب، مع القوات الأمنية العراقية بتشكيلاتها كافة”.
تقارير عربية
مهمات غب الطلب لـ”الحشد الشعبي”: حراسة مقرات وسياسيين
بالمقابل قال الناشط السياسي عن التيار المدني، أيهم رشاد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “تصفية ومطاردة المعارضين السياسيين وقادة الحركات المدنية ورموز الاحتجاجات الشعبية، تدخل ضمن مهام القوات الأمنية عامة وليس فقط الحشد الشعبي”. وأضاف أن “السلطة تستخدم كل أدواتها الأمنية والعسكرية، النظامية وغير النظامية، لتثبيت نظامها السياسي الذي يعتمد على الفساد والسرقة والقتل، ومنع تصحيحه حتى ولو بالطرق السلمية من قبل الجماعات المدنية والليبرالية”.
واعتبر رشاد أن “الأهداف السياسية من وراء تمكين الفصائل المسلحة داخل الحشد الشعبي، تهدف إلى الوصول للسلطة عبر الانتخابات، أو حمايتها في حال فشلت بالانتخابات، إلى جانب المهام الأمنية ومحاربة الإرهاب، وهذا ما لا يمكن إنكاره”.
تعويل إيران على فصائل بـ”الحشد الشعبي”
بدوره، لفت الباحث في الشأن السياسي العراقي أحمد الأبيض، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “إيران تعوّل كثيراً على فصائل داخل الحشد الشعبي، في سبيل حماية النظام السياسي الحالي في العراق من جهة، ومصالح إيران في مناطق متعددة من بينها لبنان وسورية واليمن من جهة أخرى”.
واعتبر بالتالي أن “حماية النظام السياسي الحالي هي مسؤولية إيران بالدرجة الأساس، وهي تحقق هذا الهدف عبر الفصائل المسلحة والمليشيات داخل هيئة الحشد الشعبي، رغم أن الأخيرة تضم ألوية لا تؤمن كثيراً بهذا الهدف”.
الأبيض: الأحزاب السياسية ورطت الحشد الشعبي في أكثر من مرة بقضايا سياسية
ورأى الأبيض، أن “تشكيل الحشد الشعبي بالأساس كان لهذا الهدف، فزعامات سياسية أبرزها نوري المالكي، استغلت فتوى السيد علي السيستاني بالدفاع عن العراق والمناطق التي احتلها داعش عام 2014، بتأسيس تشكيلٍ منظم يخضع لأجندات دينية وسياسية لحماية النظام الحالي”.
واعتبر أن “الأحزاب السياسية ورطت الحشد الشعبي في أكثر من مرة بقضايا سياسية، من بينها الاعتداء على الناشطين والصحافيين، ودفعهم للنزول بتظاهرات تحمل مطالب سياسية، إضافة إلى قيام فصائل داخل الحشد بقصف مقرات بعثات دبلوماسية”.
يُذكر أن “هيئة الحشد الشعبي” تضم أكثر من 70 مليشيا مسلحة، بمجموع مسلحين يبلغ أكثر من 200 ألف عنصر، وفقاً لتصريحٍ سابق لرئيس الهيئة فالح الفياض. وتُصنف أغلب هذه المليشيات على أنها حليفة لطهران، مثل “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”الإمام علي”، و”سرايا عاشوراء”، و”بدر”، و”كتائب سيد الشهداء”، و”الخراساني”، و”جيش المؤمل”، و”المختار الثقفي”، وغيرها.
في المقابل، اختارت الفصائل الأخرى المرتبطة بالنجف أبرزها “فرقة الإمام علي”، و”لواء علي الأكبر”، و”فرقة العبّاس القتالية”، و”لواء أنصار المرجعيّة”، النأي بنفسها عن الهيئة، بعد خلافات احتدت خلال الأعوام الماضية، التحق بهم الصدر بسحب جناحه المسلح “سرايا السلام”، من مظلة الهيئة وقراراتها.