طهران تساير القمّة… بانتظار الميدان والحوار مع الرياض؟

طهران تساير القمّة… بانتظار الميدان والحوار مع الرياض؟

هل هي تنازلات فعليّة وافقت عليها طهران في قرار القمّة المشتركة العربية والإسلامية التي انعقدت السبت الماضي في الرياض، من أجل القضية الفلسطينية، أم هي مناورة مفعولها مؤقّت ويُنتظر أن تعود عنها؟
كان لافتاً أنّ القرار النهائي الصادر عن القمّة المشتركة أُذيع السبت، وبدا أنّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد الذي رافقه وافقوا على نصوص لم تكن في أيّ من أدبيّات طهران في السابق ولا في خطابه أمام القمّة. إلا أنّ وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان أوضح ليل أول من أمس الأحد (وكالة فارس) أنّه “تمّ الإعلان رسمياً عن تحفّظات إيران على بنود البيان وإرسالها إلى الأمانة العامّة لمنظمة التعاون الإسلامي من خلال مذكّرة رسمية”، لكنّه لم يكشف عن هذه التحفّظات.

خلافاً لأدبيّات طهران…
الفقرات البارزة، التي تحتاج إلى توضيح ما إذا كانت طهران عدّلت في توجّهاتها، هي التالية:
– الفقرة 25 من القرار التي نصّت على “التمسّك بالسلام كخيار استراتيجي، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحلّ الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”. وهي مغايرة للخطاب الإيراني القائل باستمرار المقاومة لاستعادة كامل فلسطين من البحر إلى النهر.
– في الفقرة نفسها تأكيد للتمسّك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافّة عناصرها وأولويّاتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحّد وأساس أيّ جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط، ونصٌّ على أنّ الشرط المسبق للسلام مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها، هو إنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية.
– الفقرة 26: “ضرورة تحرّك المجتمع الدولي فورياً لإطلاق عمليّة سلميّة جادّة وحقيقية لتحقيق السلام على أساس حلّ الدولتين”… في وقت كان الخطاب الإيراني يتحدّث عن عودة اليهود الذين وفدوا إلى فلسطين من دول عدّة، إلى ديارهم.
– الفقرة 28 أكّدت دعم “منظمة التحرير الفلسطينية على أنّها الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحّد تحت مظلّتها، في ظلّ شراكة وطنية بقيادة المنظمة”. فطهران تبقي التعامل مع منظمة التحرير في آخر اهتماماتها، وكذلك “الحزب” في لبنان، وتحصر علاقتها الوثيقة بكلّ من “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
– مطالبة رئيسي في خطابه أمام القمّة الدول الإسلامية “بتسليح الشعب الفلسطيني لمواجهة الكيان الصهيوني”، لكن اكتُفي في الفقرة الرابعة من القرار بما يلي: “طالبت كلّ الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته”، والمقصود بذلك أميركا وبريطانيا ودول الغرب.

طهران تدرك أنّ وقف إطلاق النار لإنقاذ غزّة صعب المنال في ظلّ التصلّب الإسرائيلي والأميركي، ويحتاج إلى ضغط دولي تشارك فيه الدول الإسلامية والعربية

تجارب سابقة مخيّبة: الـ1701
يعلّق دبلوماسي عربي مخضرم لـ”أساس” على جديد الموقف الإيراني في القمّة، ولا سيما التسليم بحلّ الدولتين، بالقول إنّ “هذا يمكن اعتباره تطوّراً جديداً، لكنّ علينا أن ننتظر بعض الوقت للتأكّد من صلابة الموافقة الإيرانية”. فقرار القمّة هو في نهاية المطاف مسعى سلميّ، يتوقّف إنجاحه على الثبات على المبادئ التي تضمّنها، وعلى المتابعة الحثيثة لتنفيذ القرار.
يشترك وزير لبناني سابق مع الدبلوماسي العربي بالقول إنّ موافقة طهران على القرار تحمل جديداً، لكنّ الأمر يحتاج إلى اختبار مدى التزامها به. الوزير نفسه الذي كان في عداد حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة إبّان حرب تموز الإسرائيلية ضدّ لبنان والحزب عام 2006، قال لـ”أساس” إنّ الحكومة في حينها سعت إلى إنهاء الحرب بالقرار 1701، ورفضت إقراره تحت الفصل السابع، وساهمت في خروج الحزب منتصراً في تلك الحرب، ووافق على القرار الدولي الحزب وإيران، ثمّ عادا وتنكّرا له لاحقاً حتى اليوم… بعرقلة تولّي الجيش السيطرة على المنطقة الجنوبية. وفي رأي الوزير السابق أنّ حرب 2006 جاءت بعد إفشال الوصاية السورية انتشار الجيش اللبناني على الحدود منذ عام 1978، إثر الانسحاب الإسرائيلي تطبيقاً للقرار الدولي الرقم 425، ثمّ حين حاولت السلطة إرسال الجيش إثر الانسحاب الإسرائيلي عام 2000.
في اعتقاد أصحاب هذا الرأي أنّ القيادة الإيرانية إذا رأت مصلحة لها في العودة عن تأييد قرار من النوع الذي أقرّته القمّة المشتركة، يمكنها أن تنسب إلى حلفائها المعنيين على الساحة الفلسطينية أنّهم يرفضونه. وهذا من أسهل الأساليب في المداورة.

الانفتاح مع أميركا ومتطلّبات إنقاذ غزّة
إلا أنّ المراقبين لموقف طهران يدعون إلى عدم إهمال الإشارات الجديدة التي ترسلها لمناسبة الحرب على غزّة، وهي:
1- تبادل رسائل مع الولايات المتحدة الأميركية تكون تارة تصعيدية تنذر بفتح جبهات أخرى، وتارة أخرى رافضة لتوسيع الحرب (حسب الوضع الميداني في غزّة)، سواء على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، أو قياديين في حرس الثورة والحزب في لبنان.
2- يلاقي القيادة الإيرانية في التناوب على إرسال الإشارات في الاتجاهين تارة مسؤولون إسرائيليون وتارة أخرى مسؤولون في الإدارة الأميركية سبق أن برّؤوها من رعاية عملية “طوفان الأقصى” بعيد وقوعها. وآخرها ما سرّبته واشنطن لموقع “أكسيوس” عن أنّ وزير الدفاع لويد أوستن اتصل بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت السبت الماضي (في اليوم نفسه لانعقاد القمّة العربية الإسلامية) ليثير معه “بصراحة ووضوح النشاط العسكري الإسرائيلي على الحدود مع لبنان والخشية من أن يؤدّي إلى تصعيد التوتّر مع الحزب والانزلاق إلى حرب إقليمية داعياً إلى تفادي ذلك”.

يعلّق دبلوماسي عربي مخضرم لـ”أساس” على جديد الموقف الإيراني في القمّة بالقول إنّ هذا يمكن اعتباره تطوّراً جديداً، لكنّ علينا أن ننتظر بعض الوقت للتأكّد من صلابة الموافقة الإيرانية

3- التجاوب مع مطلب عدم فتح جبهة لبنان من قبل إيران والحزب اقترن مع رسائل ذكر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابيه، السبت الماضي وقبله في 3 تشرين الثاني، أنّه تلقّاها مقرونة بالتهديد. وثمّة من يقول إنّ اجتماعات مباشرة وسرّية عُقدت في بيروت بين رسلٍ أميركيين وقياديين من الحزب. ولقاءات كهذه يتعذّر التأكّد منها من الطرفين اللذين ينفيانها.

الضغط لوقف النار يحتاج للدول الإسلاميّة
4- طهران تدرك أنّ وقف إطلاق النار لإنقاذ غزّة صعب المنال في ظلّ التصلّب الإسرائيلي والأميركي، ويحتاج إلى ضغط دولي تشارك فيه الدول الإسلامية والعربية، ولا بدّ من أن تفسح لها المجال كي تصيغ موقفها السياسي الذي يسهّل لها ممارسة دورها الدولي.
5- تدرك إيران أنّ أي ترتيب مستقبلي لوضع غزّة على الصعد السياسية والأمنيّة والإعمارية وغيرها لا بدّ أن يمرّ عبر صيغة منظمة التحرير، مقابل إعلان بنيامين نتانياهو أنّه سيكون لإسرائيل دور في إدارة القطاع لاحقاً. فالسلطة الوطنية الفلسطينية موجودة في غزّة أساساً، وهي تصرف رواتب الموظفين الإداريين والشرطة فيها منذ سنوات، قبل أن تجمّد إسرائيل الأموال العائدة للسلطة قبل أشهر.

إقرأ أيضاً: أبرز نتائج قمّة الرياض: إيران مع حلّ الدولتين..

في كلّ الأحوال يُنتظر أن يخضع مدى انسجام القيادة الإيرانية مع توجّهات القمّة المشتركة لعوامل عدّة، منها الوضع الميداني في غزّة والدول التي تشارك أذرعها في الحرب انطلاقاً منها واتصالاتها مع واشنطن، إضافة إلى استئناف لقاءات الحوار الثنائي بينها وبين القيادة السعودية التي اتفق عليها وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيسي. في الانتظار يتقن من في طهران لعبة الغموض.