ينظم وجود قوات دولة معينة على أراضي دول أخرى اتفاق دفاع يسمح بوجود عسكري دائم أو موقت، بحسب ما ينص عليه الاتفاق وتقتضيه الظروف، وغالباً ما يحاط الوجود العسكري بتبعات تقتضي خفضه أو نقله من دولة إلى أخرى، أو داخل الدولة نفسها.
وتعرف القاعدة العسكرية بأنها “منشأة عسكرية تخضع بصورة مباشرة وتدار بواسطة الجيش كمأوى لمنتسبي القوات المسلحة ولتخزين المعدات العسكرية والعمليات، وأيضاً للأغراض التدريبية”، وتختلف أحجام القواعد العسكرية بحسب طبيعة مهماتها، فتراوح ما بين نقاط عسكرية ومدن عسكرية كاملة التجهيزات، وقد تحوي القواعد العسكرية مدارج هبوط للطائرات ومهبطاً للمروحيات، إضافة إلى حامية عسكرية ومأوى للأفراد وللمعدات.
أما وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، فتعرف القاعدة العسكرية التابعة لها بأنها “أي موقع جغرافي محدد توجد فيه قطع أرض فردية أو مرافق مخصصة تكون خاضعة بالولاية القضائية لأحد مكونات وزارة الدفاع نيابة عن الولايات المتحدة أو مملوكة أو مؤجَرة لها”.
وعلى رغم الهدف المتفق عليه بأن الحاجة إلى إنشاء قواعد عسكرية خارج الدولة تنبع أساساً من ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد وحماية مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، إلا أن غالبية القواعد العسكرية تورطت في شن أعمال عدائية بهذا المسوغ، ومع الانخفاض النسبي لعدد القواعد العسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحافظ الولايات المتحدة على مكانتها كأكبر دولة تمتلك قواعد عسكرية في الخارج بأشكال تتنوع بين الدعم والمساندة والتدخل العسكري المباشر، نتيجة للتنافس المحتدم مع الصين وروسيا.
منى 2.png
نقلت الولايات المتحدة قواتها ومركز العمليات القتالية الجوية الأميركية في الشرق الأوسط من قاعدة “الأمير سلطان” في السعودية إلى قاعدة “العُديد” بدولة قطر (غيتي)
وتمتلك الولايات المتحدة ما يقدر بـ 835 قاعدة عسكرية في أكثر من 80 دولة حول العالم، متفوقة على ألمانيا التي تمتلك 119 قاعدة، ثم كوريا الجنوبية التي لديها 73 قاعدة، مما حفز روسيا والصين على توسيع نفوذهما العسكري دفاعاً عن مصالحهما أيضاً وتحسباً لأي مواجهة محتملة، ومن الطبيعي مع كل هذا العدد من القواعد العسكرية أن تكون هناك حالات نقل قواعد عسكرية من منطقة إلى أخرى أو من دولة إلى أخرى لأسباب كثيرة تستشعرها الدولة المستضيفة أو التي تقيم عليها القواعد أو بالاتفاق بينهما.
مهددات مباشرة
ومن الأسباب التي تؤدي إلى نقل القواعد العسكرية أن يكون وجود القوات والقاعدة العسكرية بغرض صد قوات أخرى مجاورة للدولة المستضيفة والاستفادة من وجودها كآلية للردع، وما أن تنتهي الحاجة إلى ذلك تغادر القوات وتنقل القاعدة، وكمثال لذلك مغادرة كل القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) قاعدة “باغرام” التي كانت تُعد أكبر قاعدة جوية في أفغانستان عام 2021، بحيث نقلت قيادة المهمة الأميركية في أفغانستان، بحسب “البنتاغون”، من الجنرال سكوت ماكينزي إلى العميد كورتيس بازارد لقيادة مكتب إدارة التعاون الأمني الدفاعي في أفغانستان من مقره بقطر.
وبذلك تكون واشنطن أنهت أطول حرب خاضتها منذ عام 2001، قائدة لقوات التحالف في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، وتكبدت فيها خسائر فادحة في الأرواح والنفقات.
ومن أسباب نقل القواعد العسكرية أيضاً، إيجاد موقع يحقق إمكان القيام بما يُعرف بـ”الدفاعات النشطة”، وأوضحت ريبيكا هاينريشس من معهد “هدسون” بواشنطن أنه “عندما يتعلق الأمر بحماية القواعد من الهجمات الجوية والصاروخية، عادة ما يميز المحللون بين الدفاعات الإيجابية والسلبية، وهنا تُتخذ إجراءات الدفاعات الإيجابية التي تسعى إلى تحييد التهديدات الواردة قبل أن تكون قادرة على ضرب أهدافها سواء عن طريق الاعتراض الحركي، كما هي الحال مع أنظمة الدفاع الصاروخي ثاد أو باتريوت، أو من خلال استخدام التقنيات الأحدث مثل الطاقة الموجهة والتدابير المضادة المعتمدة على الموجات الدقيقة”.
وأضافت أن “الدفاعات السلبية هي تدابير تهدف إلى تقليل الضرر والتعطيل والأثر العام لهجمات الخصم، وقد تشمل بناء هياكل مادية وقائية مثل ملاجئ الطائرات المحصنة وتطوير قدرات الإصلاح والسيطرة على الأضرار، وممارسات أخرى مثل تشتيت أو إخفاء الأصول المعرضة للخطر”.
ومن أسباب نقل القواعد العسكرية أيضاً أولويات وجودها في أماكن معينة تبعاً لما يحيط بها من مهددات مباشرة مثل الهجوم عليها، أو لكبح المهددات الدولية، وفق أهداف متنوعة منها مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب، وكذلك المساعدة في تفادي حروب إقليمية مدمرة جديدة والسيطرة على مناطق النزاعات والانقلابات العسكرية مثلما يحدث في أفريقيا، والحد من النزوح ومعالجة أزمات اللاجئين، إضافة إلى التعامل مع قضايا التغير المناخي والأمن البشري.
وتعمل الدول الكبرى على صياغة إجماع دولي حول تلبية المتطلبات الأساسية لتأمين هذه المصالح، بينما تعدها دول العالم الثالث مسوغات من أجل التدخل وفرض السيطرة.
قاعدة خطرة
أعلن سلاح مشاة البحرية الأميركية “المارينز” افتتاح قاعدة “كامب بلاز” العسكرية الجديدة في أقصى غرب جزيرة غوام في المحيط الهادئ مطلع العام الحالي بقدرة استيعابية لحوالى 6 آلاف من جنود البحرية والقوات البرية “مارينز” لحماية جزر المحيط الهادئ من أي غزو مقبل وتحسباً لأي نزاع قد ينشب مع الصين.
أما السبب وراء نية واشنطن نقل الآلاف من قواتها من قاعدة فوتينما الجوية لقوات مشاة البحرية الأميركية في مدينة جينوان بمحافظة جزيرة أوكيناوا اليابانية إلى هذه القاعدة في جزيرة غوام، فقد أعلنت أنه في إطار إعادة ترتيب قواتها على النطاق العالمي، ولكن في الواقع، فإن وجود القوات الأميركية في أوكيناوا سبب استياء السكان المحليين الذين انتقدوا تمركز غالبية الجنود الأميركيين في الجزيرة ضمن قواعد أخرى حيث تحوي اليابان حوالى 120 قاعدة عسكرية أميركية ينتشر فيها نحو 55 ألف جندي.
وأوردت صحيفة “ماينيتشي” اليابانية التي وصفتها بأنها “أخطر قاعدة في العالم” أن “تصاعد الاستياء من قاعدة فوتينما العسكرية لأنها تقع في المنطقة الوسطى من جزيرة أوكيناوا الرئيسة، وتحتل حوالى ربع المساحة الإجمالية للمدينة، وعلى رغم الكثافة السكانية العالية وتمركز المدارس والمستشفيات والأحياء السكنية، فإن الطائرات العسكرية الأميركية تحلق فوق المنطقة ليلاً ونهاراً، ويواجه السكان المحليون خطر الحوادث المستمر، إضافة إلى التلوث الضوضائي والبيئي وتحطم المروحيات والاعتداءات الجنسية”.
اقرأ المزيد
هجوم متكرر على القواعد الأميركية في سوريا والعراق
واشنطن تبحث عن قواعد عسكرية في آسيا الوسطى وروسيا والصين تقفان على مقربة
الأمن القومي يعيد روسيا إلى إقامة قواعد عسكرية في الخارج
هجوم على قاعدة عسكرية في الصومال مع بدء انسحاب القوات الأفريقية
وأردفت الصحيفة أنه “بعد حملة قوية من جانب مدينة جينوان ومحافظة أوكيناوا لإغلاق القاعدة، اتفقت الحكومتان اليابانية والأميركية عام 1996 على إعادة الأرض إلى اليابان في غضون خمس إلى سبع سنوات”.
وأفادت بأن “سكان الجزيرة اعترضوا أيضاً على نقل القاعدة إلى منطقة هينوكو في مدينة ناجو الأقل كثافة سكانية في الشمال بجزيرة أوكيناوا ذاتها، وفضلوا نقلها إلى مكان آخر في اليابان أو خارجه. وصوت أكثر من 70 في المئة من المشاركين في استفتاء محلي أجري في 2019 ضد نقلها إلى هينوكو، في ظل صراع بين الحكومة الوطنية من جهة التي ترى أن تمركز قوات مشاة البحرية يقوم بدور مهم في تأمين السلام والأمن في اليابان ومنطقة شرق آسيا، وحكومات المقاطعة المحلية من جهة أخرى، حول هذه القضية”.
إعادة التمركز
ونقلت الولايات المتحدة قواتها ومركز العمليات القتالية الجوية الأميركية في الشرق الأوسط من قاعدة “الأمير سلطان” في السعودية إلى قاعدة “العديد” بدولة قطر بعد غزو العراق عام 2003.
وكانت واشنطن والدوحة وقعتا اتفاقاً للتعاون العسكري بنهاية حرب الخليج الثانية 1991، ثم أنشأت الأخيرة قاعدة “العديد” عام 1996، واستخدمتها القوات الأميركية عام 2001 في الحرب على أفغانستان، ثم أعلنت عنها عام 2002.
وأنهت السعودية وجود القواعد العسكرية على أراضيها عام 2003، عدا عدد محدود من القوات في إطار التعاون العسكري ومهمات التدريب بين البلدين، وكان انتقال القاعدة بسبب اتفاق بين الرياض وواشنطن على انسحاب آلاف الجنود الأميركيين المتمركزين في السعودية منذ نهاية حرب الخليج عام 1991 بعد زيارة قام بها وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد آنذاك للسعودية.
وعام 2021 أعلنت واشنطن نقل قاعدة “السيلية” الرئيسة ومعسكر “السيلية” الجنوبية الذي كان مجمعاً أصغر ويقع على الحدود السعودية- القطرية، إضافة إلى نقطة إمداد بالذخيرة تسمى “فالكون”، من قطر إلى الأردن.
وقالت المتحدثة باسم “البنتاغون” جيسيكا ماكنولتي إن “مجموعة دعم المنطقة في قطر خرجت عن نطاق الخدمة بإغلاق منشآتها الثلاث في البلاد، ونُقلت مهمتها الخاصة بتوفير الدعم اللوجستي إلى مجموعة دعم المنطقة في الأردن”، ولكنها أضافت أن “الوجود العسكري الأميركي في قطر سيستمر من خلال قاعدة ’العديد‘ الجوية”.
وبينما لم توضح وزارة الدفاع الأميركية الهدف الرئيس من نقل معداتها وقواتها من قطر إلى الأردن، سوى أنه إعادة تمركز وهيكلة وجود القوات الأميركية، لكن تقارير أشارت إلى تهديدات إيرانية وأن وجود القوات الأميركية في الأردن يضمن تموضع أفضل للقوات خلال النزاعات المحتملة مع إيران.
مراجعة الانتشار
تحتفظ الولايات المتحدة بمنشآت مهمة في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما هزم الحلفاء ألمانيا النازية، ومن بينها قاعدة رامشتاين الجوية التي تمثل بوابة القوات الأميركية إلى أوروبا والشرق الأوسط.
وبحسب “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” فإن “ألمانيا هي موطن لخمس من الحاميات السبع للجيش الأميركي في أوروبا، إذ تمتلك واشنطن 21 قاعدة عسكرية في ألمانيا، يتمركز فيها نحو 34 ألف جندي أميركي، ويبلغ العدد الإجمالي نحو 50 ألف أميركي مع احتساب عدد الموظفين المدنيين الإداريين في القواعد العسكرية الأميركية على الأراضي الألمانية التي استخدمتها الولايات المتحدة في نقل الجنود والمعدات خلال التدخلات العسكرية الخارجية”.
وأمر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2020 بسحب نحو 12 ألفاً من الجنود وإعادة نشر عدد منهم في بلجيكا وإيطاليا وبولندا، وعلل ذلك بأن “الأوروبيين كانوا حلفاء غير مستحقين لأن ألمانيا لم ترفع مساهمتها في موازنة الـ’ناتو‘ إلى الحد المتفق عليه والمقدر بحوالى اثنين في المئة من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي، وتمسك برلين بمشروع خط أنابيب ’نورد ستريم 2‘ مع روسيا”.
ولكن الرئيس جو بايدن أوقف قرار الانسحاب عام 2021، وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد مراجعة الانتشار العسكري الأميركي في العالم أن وزارة الدفاع ستنشر 500 جندي إضافي هناك، فضلاً عن 35 ألف أميركي يتمركزون على أساس دائم أو دوري، خصوصاً أن عدد القوات الأميركية في ألمانيا أقل مما كان عليه خلال ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
وعلى رغم تجميد قرار نقل هذه القواعد، إلا أن نتيجة الحرب الأوكرانية ربما تقرر إعادة التفكير في الحاجات الدفاعية الإقليمية، وقد تطرأ أحداث أخرى تدفع إلى تنفيذ قرار نقل القواعد الأميركية من ألمانيا أو خفضها.
مطالبات متنافسة
في إطار سعي روسيا المتجدد إلى الحصول على السيادة على مياه القطب الشمالي منذ عام 1926، اصطدمت بمطالبات دول أخرى في شأن المنطقة وتم الضغط على الأمم المتحدة لوضع بعض التوجيهات حول المطالبات المتنافسة في 1999 كجزء من المفاوضات حول قانون البحار، واعتمدت الأمم المتحدة اتفاقاً لقانون البحار في العام ذاته، ولكن لم يتم بت المطالبات الإقليمية للأطراف المتنافسة بموجب قواعد الاتفاق، كما أنه لم تتم تسوية الترسيم بصورة نهائية.
ومع ذلك أعلنت روسيا عام 2017 إكمال نصب قواعد عسكرية جديدة في القطب الشمالي، بنقل عدد من قواعدها القريبة من المنطقة.
وعزا مستشار الاستخبارات السياسية والأكاديمي في جامعة هاواي غاري بوش ذلك إلى ثلاثة أسباب، “الأول أن روسيا حريصة على إظهار إمكاناتها العسكرية في منطقة القطب الشمالي، حيث قامت بإصلاح واستبدال الموانئ والمنشآت العسكرية السابقة على طول ساحلها في القطب الشمالي، وطورت قواعد جوية جديدة على جزر في البحار القطبية الشمالية، والثاني أن هناك موجة حالية من النشاط السياسي والعسكري في القطب الشمالي نتيجة لانتشار ظاهرة الاحتباس الحراري في المنطقة، مما فتح ممرات شحن جديدة لأن تغير المناخ يؤدي إلى انخفاض الغطاء الجليدي للبحار القطبية الشمالية، مما يسمح بعبور السفن التجارية عبر البحار القطبية الشمالية من أوروبا إلى آسيا، وهذا يقلل من وقت الإبحار بين القارتين ويسمح بتسليم النفط والغاز والمعادن في القطب الشمالي للعملاء في المنطقتين”.
وأوضح بوش “وفي إطار الاستجابة للفرص التي أتاحها تغير المناخ، تقدمت روسيا بطلب إلى الأمم المتحدة لتوسيع أراضيها في القطب الشمالي واعتبار سلسلة جبال لومونوسوف امتداداً للجرف القاري السيبيري”. وعن السبب الثالث لاهتمام روسيا بنقل قواعدها العسكرية إلى منطقة القطب الشمالي، قال إنه “بغرض السيطرة على موارد القطب الشمالي حيث ظهرت اكتشافات كبرى للنفط والغاز تحت سطح البحر في المنطقة بما يقدر بنحو 90 مليار برميل، وجذبت انتباه شركات النفط الكبرى في العالم، ومع ارتفاع حرارة المناخ يصبح مزيد من الغاز متاحاً للاستغلال”. وأضاف بوش “تريد روسيا والنرويج والولايات المتحدة وكندا والدنمارك حصة من قاع البحر تحت منطقة القطب الشمالي التي يعتقد بأنها تحوي أيضاً 30 في المئة من موارد الغاز غير المستغلة في العالم، وركزت شركات النفط والغاز الروسية أنشطتها على تنمية موارد سيبيريا والبحار القطبية الشمالية”.