الأهداف الإيرانية والغايات الإسرائيلية من بقاء حزب الله اللبناني

الأهداف الإيرانية والغايات الإسرائيلية من بقاء حزب الله اللبناني

 

إن من أهم المتغيرات التي جاءت بها الأحداث التي تلت السابع من تشرين الأول 2023، أنها أوضحت للجميع المواقف الحقيقية والآراء الصادقة التي كان يتغنى بها من يدعي تحرير الأرض العربية من براثن الاحتلال الإسرائيلي وعودة القدس الشريف إلى أحضان الأمة العربية والإسلامية وأن أساس العمل والكفاح في دعم وإسناد نضال الشعب الفلسطيني، ولكن مع تطور الأحداث وتعاظم المواجهات في قطاع غزة واستمرار الفعاليات العسكرية التي أدت إلى استشهاد الآلآف من المواطنين الأبرياء وتهديم الدور والمحلات التجارية وحرق البساتين وتجريف الأراضي الزراعية وقصف المستشفيات ودور العبادة وانهيار البنية التحتية لمشاريع المياه والكهرباء، أيقنت العديد من الجهات السياسية والشعبية أن ما كانت تدعيه بعض الأحزاب والتيارات السياسية أنما هي أقاويل وخطب سياسية شعبوية لها مردوداتها الخاصة في تحقيق المنافع والمكاسب التي تبتغيها تلك الجهة او تلك الدولة، وهذا ما تحقق في الرؤية التي قامت عليها إيران وحلفائها وشركائها في المنطقة وإتفاقهم على توسيع دائرة المواجهة مع إسرائيل، وأكد هذه التوجه ما جاء في خطاب حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني في الثالث من تشرين ثاني 2023 التي تحدث فيها عن موقف حزبه من تراجع احتمالات الحرب وتطورها وإطلاق معادلة جديدة مبنية على سرد الأحداث والتوقعات والأسباب التي أدت إلى عملية طوفان الأقصى بتصعيد لفظي لا يمثل حقيقة ما كان مطلوب من قبل حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية، وهكذا هم الايرانيون يوجهون شركائهم في محور المقاومة بالتلاعب في ازدواجية الخطاب وترك إمكانية المناورة قائمة حتى اللحظات الأخيرة بما يحقق لهم غايات ومكاسب عليا ميدانية، وهذا ما جعل خطاب امين عام حزب الله اللبناني لا يحمل أي تصعيد أو إعلان للحرب المباشرة وإنما اكتفى بكشف تفاصيل ما جرى في قطاع غزة وقراءة لمجريات المعركة.
أثبتت الأحداث الأخيرة أن حزب الله وهو أحد تيارات المقاومة الإسلامية ويمثل القوة الأكبر بعد إيران انه لا يمكن له أن يوسع دائرة مواجهته لإسرائيل وحسب ما يدعيه من مناصرته للقضية الفلسطينية التي أصبحت تأخذ منحنى لفظي واعلامي بعيدًا عن أي مشاركة فعلية والتي ترى أنها اقتصرت على بعض المواجهات الرمزية من خلال دفع عناصره وبعض مقاتلي الفصائل الفلسطينية عبر الحدود اللبنانية للقيام بعمليات في الجبهة الشمالية تقودها عدد من مقاتلي كتائب القسام وقوات الفجر الجناح العسكري للجماعة الإسلامية وسرايا القدس وهذا ما جعله يتلقى عتباً شديدًا وضغطًا فلسطينيًا من قبل قيادات حماس بعدم فعالية دوره ومساندته للفعاليات العسكرية في محور قطاع غزة مع الرفض الرسمي اللبناني لأي مغامرة عسكرية تؤذي الشعب وتزيد من أزماته الإقتصادية والإجتماعية.
ولكنه وأمام هذه الضغوط أكتفى بعمليات عسكرية عبر استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة وبعض التعرضات العسكرية بالقرب من الحدود وتصعيد حالات المواجهة السياسية والإعلامية، مع قيام النظام الإيراني باستخدام التضحيات الجسيمة للشعب الفلسطيني في تحقيق غاياته وأهدافه التي يسعى إليها في تعزيز دوره الإقليمي ومحاولته الاستفادة من أي فرص سياسية لتحسين موقفه من أي مفاوضات قادمة تتعلق بالبرنامج النووي وإيجاد صيغة مشتركة لاتفاق قادم يخدم جميع الأطراف ويفضي إلى رفع العقوبات عن إيران وإطلاق الأموال المجمدة بعيداً عن مناقشة دورها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وطبيعة التقدم الحاصل في برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة الإيرانية وهذا ما تسعى إليه ايضًا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتزام إيران لدورها بعدم التصعيد ورسم دور حزب الله اللبناني في الأحداث الجارية.
تعمل جميع الأطراف الدولية والإقليمية وبجهد متواصل وباتفاق مع النظام الإيراني على منع أي مواجهة حقيقية ومباشرة بين حزب الله وإسرائيل وحصر المواجهة عبر عمليات خاصة وتعرضات هامشية على أهداف معينة لا تحقق أغراضها العسكرية والأمنية بل لها غايات سياسية في إعطاء حزب الله دورًا محوريًا في القتال الدائر داخل الأراضي الفلسطينية وفي الصراع العربي الإسرائيلي، ولهذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبالتنسيق مع الجانب الفرنسي تسعى لتوحيد الرؤى المشتركة في إيجاد اتفاق وهدنة عسكرية بين الطرفين يتضمن انسحاب حزب الله بمسافة 6- 10كيلومتر بأتجاه الاراضي اللبنانية وعدم قيام القوات الإسرائيلية بأي اعتداءات باتجاه مواقع وأماكن حزب الله وإلتزام الحفاظ على أمن واستقرار الوضع العام في الجنوب اللبناني.
جاءت المواقف والوساطات الدولية بعد الهجوم الإيراني يوم الثالث عشر من نيسان 2023 تجاه العمق الإسرائيلي والرد المقابل الذي استهدف بعض الأماكن الحيوية في مدينة اصفهان الإيرانية والتي أدت إلى تغيير واضح في مسار الردع المقابل وأثرت بشكل كبير على المعطيات الميدانية في مواقع الجبهات الأخرى ومنها موقف قيادة حزب الله اللبناني الذي لا يرغب في خوض مواجهة شاملة مع إسرائيل ولكنه أيقن أن الهجوم الإيراني سيؤدي إلى ردود أفعال عديدة من الجانب الإسرائيلي بعدد من العمليات التي قد تستهدف القيادات السياسية والعسكرية البارزة والتابعة له واماكن تواجده، وأن رد المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية سيكون محوره الجنوب اللبناني، وهذا ما يمكنه أن يقوض الجهود الدبلوماسية الأمريكية الفرنسية وقد تفشل في أي لحظة اذا ما تصاعدت ردة فعل مقاتلي حزب الله تجاه إسرائيل، ولكن يبقى الإصرار الدولي كفيل بإيجاد قنوات دائمة للعمل السياسي تحمي الأراضي اللبنانية وأمنها الداخلي وتعزز إمكانية عدم التصعيد بين الطرفين التي قد تؤدي إلى مواجهة دامية يدفع ثمنها أبناء الشعب اللبناني في خضم العديد من الأزمات والمشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي يعاني منها.
أن الدور الدولي والإقليمي في منع أي حرب شاملة في الجنوب اللبناني يتم عبر ثلاث جهات هي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران التي تحدد إمكانية رفع قدرة إيقاع الحرب وزخمها كما تفرضها الأهداف والغايات الإستراتيجية في المنطقة، وإيران هي الفاعل الرئيسي التي تحدد الدور الميداني لحزب الله اللبناني فى أي صراع قادم وأن المشروع السياسي الإيراني الممتدد عبر الأراضي العراقية حتى السواحل اللبنانية مرورًا بالأراضي السورية وصولاً إلى باب المندب من الأمور الميدانية القائمة والمؤثرة في تنفيذ أهداف التمدد الإيراني وهو المعبر الحقيقي عن الرؤية التاريخية الإيرانية التي لا تزال قائمة في العقل السياسي الإيراني وبوجود الأيديولوجية الدينية.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار المواجهات السابقة بين حزب الله وإسرائيل، يمكن أن نلحظ ان الحرب التي دارت في تموز 2006 كانت تشكل حالة دفاعية من قبل مقاتلي حزب الله بعد الاجتياج الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، أما الآن فالمواجهة تشكل محور عسكري ميداني يُعنى بالحرب الاستنزافية الثابتة وحدودها معروفة َوابعادها وتأثيراتها مقررة ومحددة ولا يمكن لها أن تخرج عن ضوابطها والتزاماتها بعدم التصعيد وفق الضوابط الجيوسياسية الكبرى، فالاستخدام الميداني الذي تقوم به عناصر حزب الله هي اختيار لمقدرتها وطبيعة استخدامها للأسلحة التي بحوزتها من الطائرات المسيرة والصواريخ ذات المديات القريبة مع استخدام أجهزة الرصد والمراقبة والتشويش وقدرتها على استخدام أساليب الحرب النفسية والإعلامية.
لدى النظام الإيراني مشروع سياسي وأهداف أمنية وإجتماعية لا يريد لها أن تشهد ضياعًا أو خسارةً على يد إسرائيل باستهداف شركائه وحلفائه وفصائله المسلحة، كما وأنه يستفاد من هذه الجهات في دعم واستمرار بسط نفوذه في جميع أنحاء المنطقة والدفاع عن مصالحه ومكانته الإقليمية وردع أي هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية، وهو يدرك أن أي مواجهة من قبل حزب الله مع إسرائيل تلحق أضرارًا كبيرة بـحزب الله قد يقضي على خط الدفاع الأول لإيران في أي صراع مستقبلي مع إسرائيل.
ولهذا فقد استخدم حزب الله اللبناني أسلوبًا وطريقًا في المواجهة اتسمت بالحذر وعدم الانجرار إلى قتال مباشر تصعيد خطير قد يستهدف الأراضي اللبنانية ويزيد من معاناة الدولة والحكومة التي تشهد انهيار اقتصاديًا واضحًا وسوء في الأحوال المعاشية وانهيار للعملة الوطنية ورفض شعبي وسياسي لأي تخرصات ومواجهات على الحدود قد تؤدي إلى دمار ما تبقى من أصول الدولة اللبنانية.
ويبقى السعي الدولي لإيقاف طموحات وتصرفات واعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يعاني مشاكل داخلية وحصارسياسي من خصومه، في توسيع دائرة القتال او الصراع السياسي تجاه الجنوب اللبناني من أجل دعم موقفه الداخلي، ولصرف الأنظار عن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية والكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ولا زالت العديد من الأصوات في حكومة الطوارئ الإسرائيلية تدعم توجهات نتنياهو ومنها ما قاله في الحادي والعشرين من نيسان 2024 (بيني غانتس) عضو الحكومة والمسؤول عن أدارة الحرب (أن حدود إسرائيل مع لبنان تشكل الآن الجبهة النشطة والتحدي الأكبر والأكثر إلحاحًا).
وتبقى العقيدة الإسرائيلية العسكرية مبدأ ثابت في العقلية السياسية الحاكمة والتي تعمل بالدفاع عن إسرائيل ضمن عقيدة عسكرية متحولة ومتغيرة حسب ظروف الصراع ونوعيته.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة