بعد ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية يحاول العراق استثمار إمكاناته النفطية والصناعية من خلال التوجه إلى المشاريع الاستراتيجية ذات البعد الاقتصادي والصناعي من خلال مشروع “مصفى الفاو” المتكامل الذي يدعم الصناعات التكريرية والبتروكيماوية في بلاد الرافدين.ويشير متخصصون في الشأن الاقتصادي العراقي إلى أن مشروع “مصفى الفاو” أضخم استثمار في قطاع التكرير بالعراق، وسيلبي الطلب المحلي على المنتجات النفطية وبمواصفات عالمية تراعي الشروط البيئية وبناء طاقات تكريرية تصديرية تكون رافداً مهماً للاقتصاد وتحقيق إيرادات مالية جديدة.
أحد أهم المشاريع
ومنتصف مايو (أيار) الجاري شهد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مراسم توقيع عقد مشروع “مصفى الفاو” الاستثماري، أحد مشاريع ميناء الفاو الكبير، بين وزارة النفط وتمثلها شركة مصافي الجنوب وشركة (سي أن سي أي سي) الصينية، وذلك ضمن خطة الحكومة لزيادة الطاقات التكريرية في العراق واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية وتوفير المنتجات النفطية محلياً.
وأكد السوداني، وفقاً لبيان لمكتبه الإعلامي، أن “مشروع مصفى الفاو المتكامل من المشاريع الاقتصادية المهمة للبلد، ويدعم الصناعات التكريرية والبتروكيماوية في العراق”، فيما حث الشركة الصينية على “استثمار الوقت للإسراع في تنفيذه”. كما وجه الجهات المعنية “بتقديم كامل الدعم والإسناد للشركة المنفذة”.
وأضاف أن “طاقة المصفى تبلغ 300 ألف برميل يومياً، وسيتم تشييدها بشكل متطور، بما يراعي المعايير البيئية العالمية وبتكنولوجيا حديثة للاستفادة من المشتقات النفطية لأغراض الاستهلاك المحلي للتصدير”، موضحاً أنه “سينفذ على مرحلتين، الأولى تتضمن أعمال تصفية، فيما تشتمل المرحلة الثانية على بناء مجمع للبتروكيماويات بطاقة 3 ملايين طن سنوياً، إلى جانب تشييد محطة كهربائية بطاقة 2000 ميغاواط”.
كما يتضمن المشروع إنشاء أكاديمية الفاو لتكنولوجيا المصافي، لتدريب 5 آلاف من الكوادر العراقية التي ستتولى إدارة المصفى مستقبلاً، بحسب البيان نفسه. ونوه بأن “المشروع سيسهم في بناء وحدات سكنية وخدمات طبية ومراكز تدريب فنية وكذلك مراكز رياضية واجتماعية”.
ما الأهمية الاقتصادية؟
في حين أوضحت وزارة النفط الأهمية الاقتصادية والقدرات الإنتاجية لمصفى الفاو، وتوفيره أكثر من 15 ألف فرصة عمل، وأكدت أنه سيشهد بناء أكبر أكاديمية لتكنولوجيا المصافي.
المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد ذكر في تصريح صحافي أن “مصفى الفاو الاستثماري، هو أول مصفى يقام في ميناء الفاو لتكون هناك انسيابية إضافية في عملية التصدير وتحريك عجلة الصناعة وتحقيق إيرادات جديدة”.
وأضاف أن “المصفى سيعمل بتقنية اليورو فايف، أي منتجات عالية الجودة، وسيكون على مرحلتين، الأولى بطاقة 300 ألف برميل، أما الثانية فستتضمن إنشاء معمل أو مصنع للبتروكيماويات”.
وذكر أن “وزارة المالية شريكة بهذا المشروع و20 في المئة”، منبهاً بأن “المصفى سيحقق دعماً لملف النفط، إذ سيستهلك يومياً 300 ألف برميل في عملية التكرير وتحويلها إلى منتجات وبيعها بسعر النشرة العالمية”.
وأشار إلى أن “المصفى سيوفر حاجة العراق المحلية إلى المنتجات النفطية، فضلاً عن توفير فرص للأيدي العاملة لأكثر من 5 آلاف بالمرحلة الأولى، إضافة إلى 1000 عامل أثناء التشغيل”، لافتاً إلى “إنشاء معامل متعلقة بهذا المشروع لها علاقة بالتصفية ومنتجات البتروكيماويات مما سيؤدي إلى تحريك قطاعات كثيرة”.
وتابع أن “المرحلة الأولى للمشروع ستستغرق أربع سنوات بينما المرحلة الثانية خمس سنوات، وسيوفر بالمرحلتين أكثر من 15 ألف فرصة عمل، وسيتم فيه بناء أفخم وأكبر أكاديمية (أكاديمية الفاو لتكنولوجيا المصافي)، علاوة على بناء أكبر مجمع سكني للعاملين بسعة 5 آلاف وحدة سكنية وتضم مركزاً للتدريب النفطي”.
واستطرد “سيتم إرسال 5 آلاف فني ومهندس للتدريب في الصين ولمدة تراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر، من أجل تطوير كفاءتهم للعمل في المصفى بعد إكماله”. وأكد أنه “من المشاريع الاستراتيجية وضمن اهتمام الحكومة بقطاع التكرير وسينقل العراق إلى مستوى الدول المصدرة للمنتجات النفطية”.
أضخم استثمار
في المقابل، كشف الباحث الاقتصادي بسام البصري عن أن صناعة النفط تنقسم إلى قطاعين أساسيين هما (التنقيب والإنتاج) و(التحويل)، ويمتلك العراق احتياطات مؤكدة من النفط الخام تتجاوز 150 مليار برميل، ويصدر نوعين من خامات النفط هما (المتوسط والثقيل) وبتطور التقنيات في مجال التكرير التي تقوم على تحويل النفط الخام الثقيل إلى منتجات عالية الجودة أصبح تكرير النفط عملاً اقتصادياً مجدياً ومربحاً ويحقق قيمة مضافة.
وأكد أن ربط نشاط التكرير بعملية إنتاج النفط وتصديره برؤية متكاملة يعتبر هدفاً استراتيجياً للاستفادة القصوى من احتياطات النفط الهائلة، معتبراً مشروع مصفى الفاو أضخم استثمار في قطاع التكرير بالعراق وسيشبع الطلب المحلي على المنتجات النفطية وبمواصفات عالمية تراعي الشروط البيئية وبناء طاقات تكريرية تصديرية تكون رافداً مهماً للاقتصاد العراقي وتحقيق إيرادات مالية جديدة وفرص العمل التي سيقدمها هذا مصفى للشباب المتدرب والمتعلم من خلال بناء (أكاديمية الفاو لتكنولوجيا المصافي).
دعوات لمشاريع مماثلة
لكن المتخصص في المجال النفطي حمزة الجواهري أوضح أن مشروع الفاو الاستثماري من المشاريع الاستثمارية التي طال انتظارها وهو مهم جداً بالنسبة إلى الصناعة النفطية بالعراق، لافتاً إلى أن المستقبل هو تصدير المشتقات النفطية والمنتجات البتروكيماوية خصوصاً الأولية منها التي تستخدم في الصناعة التحويلية في ما بعد. ودعا إلى إنشاء مشاريع مماثلة لمشروع الفاو الاستثماري لتغطية كل إنتاج العراق وتصدير الفائض منه.
وعن العوائق نبه إلى أن هناك جهات سياسية ودولاً إقليمية وعالمية لا ترغب في تطور العراق في أي حال من الأحوال، أو أن يصبح قوة اقتصادية.
أفضل الخيارات
في المقابل، رأى المتخصص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، أن فكرة توجيه الاستثمار لتعزيز إمكانات عمليات التصفية النفطية هي من أفضل الخيارات القائمة، وتوفر للعراق إمكانية زيادة طاقته في التصفية وزيادة المنتجات النفطية وتعفيه من مسؤولية التمويل الخاصة بالمشروع.
واعتبر أن القدرة الإنتاجية لمصفى الفاو والمقدرة بـ300 ألف برميل تعد كمية كافية تقريباً لتغطية الاحتياج المحلي، إضافة إلى المصافي القائمة في العراق وقدرتها وطاقاتها المستقبلية.