أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وكذلك نادي الأسير في فلسطين، أن سلطات الاحتلال نقلت الأسير الفلسطيني القيادي البارز مروان البرغوثي من سجن عوفر إلى معتقل عزل أيالون في الرملة، حيث تبين فيما بعد أنه في حالة عزل داخل معتقل ريمونيم. ومع تضارب المعلومات حول مكان عزل البرغوثي، ورغم البيانات التي أصدرتها منظمات حقوقية وأخرى معنية بشؤون الأسرى الفلسطينيين وحمّلت الاحتلال مسؤولية الإضرار بحياته، تتمسك السلطات الإسرائيلية بتعتيم تامّ حول أوضاعه.
صحيح بالطبع أن البرغوثي كان ويظل معادلة كفاحية تخيم على مؤسسات دولة الاحتلال السياسية والعسكرية والأمنية، والأدلة على ذلك تتجاوز أحكام المؤبدات الخمسة مضافاً إليها 40 سنة الصادرة بحقه، لأنها ليست أكثر من مهزلة قضائية إسرائيلية تخفي قلق الاحتلال الكابوسي من شخصية قيادية رفيعة، يمتزج فيها الرمز والنقاء الثوري بالحيوية الكفاحية والفعل النضالي.
وصحيح في المقابل أن السياقات الراهنة لحرب الإبادة، التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، تتكفل بإعادة البرغوثي إلى صدارة الفعل الوطني الفلسطيني، خاصة حين يرتقي مثاله السياسي والتنظيمي والكفاحي إلى مصاف عليا مناقضة لكل ما يسعى الاحتلال إلى زرعه في نفوس الفلسطينيين على سبيل إضعاف الروح المعنوية وكسر إرادة المقاومة.
وكان البرغوثي، ومن قلب شروط العزل القصوى في زنزانته، قد أصدر بياناً دعا فيه الشعب الفلسطيني إلى الانتفاض بوجه الاحتلال، والالتفاف حول خيار المقاومة الشاملة وتفعيلها في الأراضي الفلسطينية كافة، لأن «الحرب الحالية لا تستثني أحداً». ولا عجب أن يلجأ الاحتلال إلى مزيد من إجراءات التنكيل والعزل والإخفاء بحقّ رجل كان أول نائب فلسطيني وأول عضو في اللجنة المركزية لحركة «فتح» يساق إلى المعتقل، وهو اليوم لا يكتفي بمخاطبة أبناء الشعب الفلسطيني عموماً، بل يسمّي أيضاً كوادر حركته التي كان أحد قادتها في الضفة الغربية، أسوة بأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
وليس خافياً أن الإدارة الأمريكية لن تكون أقل حرصاً من سلطات الاحتلال على خنق صوت البرغوثي في هذه السياقات الراهنة تحديداً، حين تسعى واشنطن إلى استدراج أطراف في السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أداء وظيفة أمنية ضمن ترتيبات ما يسمى «اليوم التالي» في قطاع غزة. ورغم أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سبق أن قطع الطريق تماماً على أي دور مستقبلي للسلطة في هذا المضمار، فإن أمثال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان وبعض القيادات الواهمة يواصلون اجترار حبال السراب.
ويبقى أن المصادفة وحدها لم تكن وراء تلازم أخبار إخفاء البرغوثي، مع تقارير نشرتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية حول طرائق الاحتلال الوحشية في التنكيل بالسجناء الفلسطينيين أبناء قطاع غزة داخل معسكرات الاعتقال العسكرية في النقب وقاعدة «سديه تيمان».
وإذا كان «اليوم التالي» في غزّة قريباً كل القرب من معادلة البرغوثي، فإنه استطراداً بعيد كل البعد عن أوهام سوليفان والرهط من خلفه.