في ظلّ أجواء الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيد للأسرة المسيحية، يتعرّض المسيحيين في فلسطين عمومًا؛ وقطاع غزّة خاصّة، جنبًا إلى جنبٍ مع جيرانهم من المسلمين إلى أبشع جرائم الإبادة الجماعية، والعقاب الجماعي عبر استخدام الاحتلال الأسلحة المحرمة دوليًا، لا سيّما الفوسفور الأبيض، وغيره من الأسلحة التي حولت جثامين أكثر من عشرين ألفًا إلى أشلاءٍ، جلهم من النساء والأطفال.
لا تقصف المساجد وحدها في غزّة، بل الكنائس أيضًا، ومؤسسات الأسرة المسيحية في غزّة، مثل جمعية الشبان المسيحية، ومستشفى المعمداني، وليس المسيحي مضطهد في غزّة فقط، بل يتعرّض المسيحيون في الضفّة الغربية والقدس إلى أكثر مما يتعرّضون له في قطاع غزّة، ولم يغب مشهد البصق الذي قام به وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، وغيره من المستوطنين على الصليب، ومن يحمله في أزقة القدس العتيقة، بالقرب من كنيسة القيامة.
يحتفي العالم بأعياد الميلاد المجيد وغزّة تنزف، وجزءٌ من العالم المسيحي منحازٌ لإسرائيل، في الوقت ذاته يتنصّل قسمٌ كبيرٌ من اليهود في الولايات المتّحدة مما يقوم به الصهاينة من مجازر، وانتهاكاتٍ جسيمةٍ للقانون الدولي الإنساني في فلسطين.
هذا الحراك المؤثر؛ لا سيّما داخل الولايات المتّحدة، ينبغي أن يستمر حتّى نيل شعبنا الفلسطيني حريته واستقلاله
نعود إلى سؤال المقال: متى تنتهي الحرب على قطاع غزّة…؟ إذ يستند استشراف الإجابة إلى تحليل عوامل داخليةٍ وخارجيةٍ، تمكننا من الإجابة على السؤال وتقدير الموقف، أهمّها:
1. عوامل داخلية:
• المعركة العسكرية الدائرة وحجم الخسائر (معركة عض الأصابع)، تقود المقاومة معركةً عسكريةً باقتدارٍ، وتكبد الاحتلال خسائر وصفها بنيامين نتنياهو في مستهل جلسته الحكومية يوم الأحد 2023/12/24، بأنّها باهظةٌ ومؤلمةٌ، وأن قصف العمق الإسرائيلي ما زال مستمرًا، اللافت أن المقاومة تطوّر أداءها مع طول المدّة وليس العكس، وبات من الواضح أنّها تستفيد من تجاربها القتالية.
• الجبهة الداخلية: رغم حجم الألم الذي يصعب وصفه، لا تتحمّله عواصم دولٍ كبرى، إلّا أنّ الجبهة الداخلية متماسكةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ، وبدأ الجسم الحكومي في استعادة دوره في ضبط الأسعار، والحالة الأمنية، رغم صعوبة الواقع الإنساني، وانعدامٍ كبيرٍ في الأمن الغذائي تجاوز 95%، في ظلّ شح المساعدات الإنسانية، التي تدخل عبر معبر رفح البري، إذ صرّح الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” عدنان أبو حسنة بأنّ ما يدخل غزّة من مساعداتٍ هو نقطةٌ في بحر الاحتياجات الإنسانية.
2. عوامل خارجيةً:
• جبهة إسرائيل الداخلية: يحكمها ثلاث مرتكزات هي:
أ. الخسائر البشرية: توابيت القتلى وعدد الجرحى والأسرى من أهمّ المحددات التي تضبط إيقاع الجبهة الإسرائيلية الداخلية، لا سيّما إذا أدرك المجتمع الإسرائيلي أنّ الحرب بلا أهدافٍ، وتخدم أجندة بنيامين نتنياهو الشخصية أكثر ما تخدم مصالح إسرائيل الكبرى، التي حاول نتنياهو أن يعزف على وترها عندما أطلق على حربه ضدّ غزّة بأنّها حرب الاستقلال الثانية. ضمن هذا المحدد بدأت تعلو الأصوات داخل إسرائيل، التي وصفها السفير الأميركي السابق في تل أبيب مارتن إنديك بأنّ ثمة تحوّلًا يحدث في إسرائيل، جوهره أنّ ما لا يقوله بنيامين نتنياهو بات يقوله كبار الصحافيين، ويلمح إلى الحرب والخسائر البشرية وعدم تحقيق الأهداف.
ب. الخسائر الاقتصادية: وصلت الخسائر الاقتصادية بسبب تداعيات معركة طوفان الأقصى إلى 600 مليون دولار أسبوعياً، وفق البنك المركزي الإسرائيلي، وسجلت إسرائيل عجزًا في ميزانيتها بنحو 17 مليار شيكلٍ (4.5 مليار دولار تقريباً) في شهر نوفمبر المنصرم؛ وفق وزارة المالية الإسرائيلية. كما يفاقم استهداف جماعة الحوثي باليمن للملاحة البحرية المرتبطة بإسرائيل؛ بسبب حربها على غزّة ومنعها دخول الدواء والغذاء لسكانها، الأزمة الاقتصادية، لتضاف إلى أزمة جنود الاحتياط، الذين تركوا أعمالهم اليومية في داخل إسرائيل وذهبوا للقتال في غزّة.
يتنصّل قسمٌ كبيرٌ من اليهود في الولايات المتّحدة مما يقوم به الصهاينة من مجازر، وانتهاكاتٍ جسيمةٍ للقانون الدولي الإنساني في فلسطين
• الحراك المجتمعي العالمي (حرب الرواية والسردية) لا يقل أهمّيةً عن المحدد الميداني المرتبط بالقتال على أرض غزّة، فقد ترك أثراً في نتائج استطلاعات الرأي في الساحة الأميركية، وفي ساحاتٍ غربيةٍ أخرى، يظهر تحوّل تلك المجتمعات لصالح القضية الفلسطينية وروايتها. هذا الحراك المؤثر؛ لا سيّما داخل الولايات المتّحدة، ينبغي أن يستمر حتّى نيل شعبنا الفلسطيني حريته واستقلاله، خصوصاً مع قرب حمى الدعاية الانتخابية، التي تبدأ في الأوّل من فبراير، ما يعزز من احتمال ضغط الإدارة الأميركية على إسرائيل لوقف حربها.
• الحراك الدبلوماسي: أحد نتائج قمة الرياض الأخيرة، تقوده مصر وقطر بإسنادٍ من دولٍ وعواصم مختلفة، وانعكس على التصويت في الأمم المتّحدة، حيث باتت الولايات المتّحدة معزولةً داخلياً وخارجياً، لأن تصويت 157 دولة في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة مع وقف إطلاق النار، مقابل عشرة ضدّ فقط، منهم الولايات المتّحدة وإسرائيل، يؤكد عزلتها، وهو ما يؤثر على مصالحها، وخصوصاً مع التوجّه العربي والإسلامي لتعزيز المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأميركية ولدول العدوان.
الخلاصة: وفقاً لما سبق، ومع زيادة الأصوات داخل إسرائيل وأميركا التي باتت تدعم وقفاً لإطلاق النار، وآخرهم توماس فريدمان أحد كتاب نيويورك تايمز، والمقرب من جو بايدن، والخبير الإسرائيلي رونين بريغمان وآخرون، ووفقاً لتقدير الموقف السابق فإنّ فرصة انتهاء الحرب قبل فبراير القادم كبيرةٌ، لكن ذلك يتطلّب استمرار الحراك الخارجي الرسمي والشعبي، وزيادة فعالية العمل المقاوم، وتعزيز صمود الجبهة الداخلية، واسنادًا أكبر من الضفّة الغربية، والداخل المحتل، ومن محور المقاومة.