ماذا يريد “داعش خراسان” من إيران؟

ماذا يريد “داعش خراسان” من إيران؟

رافق التفجيرات في كرمان بإيران في الثالث من يناير (كانون الثاني) استغراب عام، وقد وقع الانفجاران خلال مراسم ذكرى مقتل قاسم سليماني وقتل نحو 100 شخص من المشاركين في هذه المناسبة.

وبدأ المسؤولون الإيرانيون تكهناتهم بتصريحات مختلفة، منها أن الانفجارين وقعا عبر جهاز تحكم عن بعد، كما اتهموا إسرائيل وأميركا بالضلوع في “العملية الإرهابية” إلى أن تبنى تنظيم “داعش” مسؤولية الهجوم.

وقد أضاف المسؤولون الأمنيون الأميركيون كلمة “خراسان” إلى الجهة المتهمة بتنفيذ العملية، وذكروا أن “داعش خراسان” هو المسؤول عن العملية.

الصورة الذهنية لدى الإيرانيين عن “داعش” تقتصر على النشاط الذي يقوم به التنظيم في سوريا والعراق بواسطة متطرفين يحاولون تأسيس خلافة إسلامية، وأن هؤلاء يذبحون الأسرى من الرجال ويستغلون النساء والفتيات جنسياً.

وأيضاً، أنهم استقطبوا الآلاف من المرضى النفسيين والجنسيين من أنحاء العالم ليؤسسوا جيشاً من القتلة الذين يعانون عقداً نفسية. وقد رأينا الصورة المرعبة لحرق الطيار الأردني في قفص والقبور الجماعية للرجال والشبان الأيزيديين وكذلك النساء اللواتي اعتبرهن التنظيم “سبايا”.

بعد هزيمة “داعش” في الأراضي التي اغتصبها ومقتل قادته وعديد من مسلحي هذا التنظيم، عاد الإرهابيون الذين هاجروا إلى هذه المنطقة إلى بلدانهم واختفى بعضهم في العراق وسوريا.

من الراية البيضاء إلى السوداء

الإرهابيون القادمون من آسيا الوسطى توجهوا إلى أماكن آمنة في باكستان وأفغانستان. كما انضم عناصر من حركة “طالبان” إلى “داعش” وأعلنوا بيعتهم للتنظيم بعد الانشقاق من “طالبان”، إذ خرجوا من تحت الراية البيضاء وانضموا إلى الراية السوداء.

بعد ذلك، أصبح تنظيم “داعش” يتبنى مسؤولية أي انفجار في أفغانستان. هذا التنظيم لم يضم أياً من العرب وغالبية جنوده من آسيا الوسطى. وسعت “طالبان” إلى أن تقدم نفسها كممثل لفكر سياسي وادعت أنها تخوض حرباً ضد “داعش”.

وقد ألزم اتفاق الدوحة “طالبان” قتال “داعش”. وقد اختار تنظيم “داعش” المنشق من “طالبان” اسماً يرمز إلى أن أعضاءه من أفغانستان ليرسلوا رسائل عن مغزى عملياتهم الإرهابية.

و”داعش خراسان” يرمز إلى منطقة جغرافية كانت تشمل في العهد القديم مناطق من أفغانستان ونيسابور في إيران ومرو وبلخ. وقد تتوزع هذه المنطقة في الوقت الحاضر بين إيران وأفغانستان وتركمانستان. وفي تعريف أوسع تشمل قرغيزيا وكازاخستان وتعد هذه المناطق ضمن خراسان الكبرى أيضاً.

حماية مصالح “طالبان”

وفي فترة معينة من الحكم الساساني كانت الأراضي الأفغانية الحالية كلها تعد ضمن حدود خراسان الكبرى. لذلك يعتبر “داعش” أفغانستان مجال نشاطه يتعدى حدود البلد ويشمل إيران والهند وباكستان وأوزبكستان وقرغيزيا وحتى روسيا. أي إن “داعش خراسان” لا ينفذ عمليات خارج هذه الحدود لكنه يعمل على حماية مصالح “طالبان” إذا ما تطلب الموقف.

وكان التنظيم قد تبنى العملية التي استهدفت القوات الأميركية والمواطنين الأفغان في مطار كابول لتبرير موقف “طالبان”، وكانت تلك هي المرة الأولى التي سمعنا فيها عن تنظيم “داعش خراسان”. في تلك العملية التي وقعت في الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2021 وقتل فيها 169 من المواطنين الأفغان.

كما أجرت “طالبان” تغييراً على اسمها وصارت تقدم نفسها “حركة طالبان” للترويج بأنها تنظيم مدني يسعى إلى ترسيخ حكم سياسي ومدني في كابول. وأقدمت “طالبان” بعد تلك الفترة على تعاون استخباراتي وأمني هادف مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

كرمان وشيراز

من ضمن هذا التعاون الكشف عن مخبأ أيمن الظواهري الذي قاد تنظيم “القاعدة” بعد أسامة بن لادن وقتل بضربة نفذتها طائرة مسيرة أميركية في صيف 2022. كما أن “طالبان” تعاونت مع إيران في الكشف عن هوية منفذي الهجمات في شيراز (الهجوم الثاني في شيراز نفذه مواطن من طاجيكستان)، واللافت أن الهجومين الانتحاريين في كرمان نفذهما مواطنون من طاجيكستان أيضاً.

والصور التي نشرت عن المتورطين في الهجوم لم تظهر صورتهما بشكل كامل، كذلك اسمهما لم يكشف عن هويتهما بالكامل.

لكن ما الدليل على أنهما من طاجيكستان وأن تنظيم “داعش” أو “داعش خراسان” من نفذ الهجوم؟

في المرحلة الأولى يفجر انتحاري نفسه، ثم عندما يتجمع الحاضرون والمسعفون لنجدة الجرحى يفجر انتحاري آخر نفسه في المكان من أجل قتل عدد أكبر من الحاضرين.

وقد شهدنا عمليات كثيرة مثل هذه العملية في أفغانستان وبخاصة في كابول وقد راح ضحيتها كثير من الأبرياء.

وفي الانفجارات التي وقعت في كابول كان يقتل العشرات، لا بل المئات من المواطنين الأبرياء. الهجمات نفذت بشكل عشوائي وشملت ضحايا من مذاهب وانتماءات قبلية مختلفة.

الهدف الذي كانت تتبعه “طالبان” هو زعزعة الأمن في البلاد وممارسة الضغط على الحكومة الشرعية في أفغانستان والبلدان الغربية.

وتبريرهم قتل المدنيين يستند إلى مواقف أيديولوجية متشددة تستهدف كل من يتعاون ويعيش في ظل الحكومة المنتمية لـ”الكفار” ولا يهتم المهاجمون بالانتماءات المذهبية والقومية للضحايا.

استخدام الهوية الطاجيكية

اللافت أن غالبية المواطنين في كابول من السنة وعمليات القمع التي تقوم بها “طالبان” لا تقتصر على الشيعة فحسب، بل تشمل السنة والمواطنين من أصول طاجيكية وأوزبكية وحتى البشتون في قندهار وولاية جلال أباد.

أما استخدام الهوية الطاجيكية والتعريف بأن المهاجمين في شيراز وكرمان ينتمون إلى طاجيكستان تتبع مخططاً من قبل الجهات التي تستهدف البلد، إذ إن المنافس الوحيد لـ”طالبان” ومن شأنه أن يكون ممثلاً للمقاومة الوطنية الأفغانية هو أحمد مسعود، هذه المقاومة لديها نفوذ في إيران وآسيا الوسطى وكذلك بين البلدان الغربية.

ويستقر أحمد مسعود في طاجيكستان، كذلك يضم البلد عدداً آخر من القادة السابقين الذين نجوا من هجمات “طالبان”، إذ يترددون على طاجيكستان باستمرار.

تقديم الإرهابيين الذين ينفذون عمليات في إيران على أنهم من طاجيكستان يتبع هدفين: الأول، الضغط على طاجيكستان من أجل التخلي عن أحمد مسعود وجبهة المقاومة، إذ تحاول “طالبان” الترويج بأن وجود قوى المقاومة الوطنية في طاجيكستان يؤدي إلى انعدام الأمن في البلاد، ويجعل طاجيكستان مكاناً لعبور الإرهابيين إلى البلدان المجاورة.

وأما الهدف الثاني فهو المحاولة لدق إسفين بين إيران والقوميات المعارضة لـ”طالبان” بخاصة الناطقين باللغة الفارسية منهم الطاجيك والهزارة والأوزبك. ويقيم النظام الإيراني علاقة جيدة مع هذه القوميات على رغم تعاونه مع “طالبان”. كما يقيم النظام علاقات جيدة مع جبهة المقاومة الأفغانية.

الادعاء بأن الانتحاريين ليسوا من الأفغان من شأنه أن يحث النظام الإيراني على تحديد علاقاته مع المجموعات المعارضة لـ”طالبان”.

كما أن “طالبان” تسعى إلى تقديم نفسها للعالم بأنها مظلومة وتخوض حرباً ضد الإرهابيين الأجانب القادمين من طاجيكستان. وتحاول التضخيم من خطر “داعش” في أفغانستان من أجل إيجاد تحالف يساعد “طالبان” في التصدي للتنظيم، وفي نهاية المطاف إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بـ”طالبان”.

وكان موقع “داعش” الذي ورد فيه تبني عملية كرمان لم يذكر اسم “داعش خراسان” لكن المسؤولين الأمنيين في الولايات المتحدة الأميركية قالوا لوكالة “رويترز” إن لديهم أدلة تثبت تورط “داعش خراسان” في الهجمات الانتحارية في كرمان. أي إن “دواعش” أفغانستان هم من نفذوا الهجوم، وهذا يعني أن المتورطين في الهجمات ينتمون إلى الجزء الإرهابي من تنظيم “طالبان”. ونعرف أن هذا التنظيم لا يهمه الانتماء الطائفي للضحايا وأنه يسعى إلى إلحاق الضرر بالجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية والترويج بأن “داعش” نشط في أفغانستان وأن “طالبان” بحاجة إلى دعم دولي للقضاء عليه.

عندما حاصرت “طالبان” أحمد مسعود وأمر الله صالح في الجبال كانت إيران كلها تتضامن مع سهل بنجشير والشعب الأفغاني الأعزل هناك، لكن النظام الإيراني لم يفعل شيئاً وغض الطرف عن الجرائم التي ارتكبتها “طالبان” هناك وأقام في ما بعد علاقات مع عناصرها واعتبرهم أصدقاء وأخوة.

يقيم أحمد مسعود في طاجيكستان وتشعر “طالبان” بالخطر منه. الخطط بعيدة الأمد تملى على “طالبان” بضرورة تخلي النظام الإيراني عن دعم المجموعات المنافسة لها، وأن تقتنع بأن الاستقرار في إيران مرتبط بدعم النظام لها والتعاون معها.

هذا، والجدير بالذكر أن طاجيكستان لم تتعرف بعد إلى هوية المهاجمين اللذين نفذا عملية الانفجار في إيران.