بكين – تخطط الصين لتوسيع استخدامها للشركات العسكرية الخاصة مع اتساع نفوذها في عدة مناطق من العالم، وخاصة في أفريقيا، ما يجعلها في مواجهة مع النفوذ المتزايد لروسيا وشركاتها الخاصة، وهو ما يثير التساؤل عمّا إذا كانت فاغنر الصينية ستزيح فاغنر الروسية من المشهد؟
وذكر أحد المعلقين في موسكو أن الشركات العسكرية الخاصة الصينية “خرجت من الظل”. وأشار المعلق في تصريح لرويترز إلى اجتماع عقد في بكين خلال ديسمبر الماضي، وشارك فيه مسؤولون من وزارة الخارجية الصينية وضباط من مختلف الشركات الأمنية الصينية، وشملت المناقشات تلميحات إلى الدور الأوسع الذي يمكن أن تلعبه القوات شبه العسكرية في اتخاذ موقف أكثر حزما على الصعيد العالمي.
وأعلن متحدثون شاركوا في الاجتماع أن خيارات الصين تقتصر على نشر المزيد من الشركات العسكرية الخاصة في جميع أنحاء العالم. وأكدوا الحاجة إلى ذلك حيث توظف أكثر من 47 ألف شركة صينية في المجموع 4.1 مليون شخص، بمن في ذلك 1.6 مليون مواطن صيني، في حوالي 190 دولة.
وتدل النقاشات العلنية على شعور الصين بأنها صارت تستطيع استخدام الشركات العسكرية الخاصة بشكل أكثر انفتاحا بسبب نمو قوتها في الخارج مقابل تراجع نفوذ روسيا والولايات المتحدة، وأنها ستوسع نشر هذه الكيانات، بما يمكّنها من الدفاع عن بنيتها التحتية على الأراضي الأجنبية وممارسة ضغوط سياسية إضافية على الدول الأخرى.
وجذب تطور أنشطة فاغنر الصينية انتباه دول آسيا الوسطى التي قد تصبح أهدافا لاعتماد بكين الأكبر على الشركات العسكرية الخاصة. وتراقب موسكو كذلك التطورات عن كثب، بعد أن كانت ترى في الشركات العسكرية الخاصة الصينية حلفاء ومساعدين. ويتوجب على الكرملين الآن مواجهة احتمال تحول هذه الكيانات الصينية إلى منافسين نشطين لشركاته العسكرية الخاصة.
وزاد الحذر الروسي من خطر فاغنر الصينية بعد أن تحركت الصين لبناء قوتها الناعمة في آسيا الوسطى وإقامة علاقات أمنية أو حتى قواعد، مستفيدة من هشاشة الجمهوريات الناشئة على الحدود مع روسيا.
وأكّد مراقبون روس في الماضي ثقتهم بالصين وتحركها الحذر إزاء توظيف الشركات العسكرية الخاصة في تحقيق أي هدف سياسي أوسع. لكنهم لم يدحضوا الفكرة القائلة إن الإجراءات الصينية قد تفيد موسكو من خلال إثارة فوضى واسعة النطاق. وتبعهم المتخصصون الغربيون، وتوقعوا أن تتجنب الصين خوض المجازفات بينما تصب الأمور في صالحها بالفعل.
غير أن هذا المنظور يتناقض مع منظور روسيا التي تورط قادتها في العديد من المشاكل بسبب التجاوزات التي ارتكبوها في أماكن مثل أفغانستان وأوكرانيا. وتشير تصريحات الصين المتعلقة بالشركات العسكرية الخاصة خلال الشهر الماضي وتصرفات بكين على أرض الواقع إلى أن البلاد قررت تغيير مسارها وأنها ترى أن الوقت صار مناسبا لاعتماد الشركات العسكرية الخاصة بطرق لم يتوقع الخبراء قبل بضع سنوات أنهم سيشهدونها في المستقبل القريب.
ولا يستبعد مراقبون أن تعوّض الشركات العسكرية الخاصة الصينية (التي تحمل أسماء لا يعرفها الكثيرون في الغرب) مجموعة فاغنر الروسية بصفتها كيانات ذات أهمية جيوسياسية أساسية. وتشير تصرفات بكين العلنية إلى أن هذا الأمر محتمل جدا. وقد تثبت هذه الكيانات كونها أكثر خطورة من الشركات العسكرية الخاصة الروسية، لاسيما إثر التقليل المتكرر لصعود الشركات العسكرية الخاصة الصينية وتوسيع نطاق أنشطتها.
ويركز تطور المهمة الصينية على حماية مصالح البلاد الاقتصادية، ما دفع الشركات المُعتمَدَة إلى الانخراط في الاهتمام بالقضايا السياسية. وزاد هذا توجس القوى الخارجية من استعداد الصين المتزايد للتباهي بقوتها المتنامية. وبقي رد فعل الولايات المتحدة محدودا حتى الآن.
◙ النقاشات العلنية تدل على شعور الصين بأنها صارت تستطيع استخدام الشركات العسكرية الخاصة بشكل أكثر انفتاحا بسبب نمو قوتها في الخارج مقابل تراجع نفوذ روسيا
ويرجح الباحث بول غوبل في تقرير لمؤسسة جايمس تاون أن يتوسع دور الشركات العسكرية الخاصة الصينية بسرعة أكبر على المدى القريب في آسيا الوسطى وأفريقيا على وجه الخصوص، حيث تفتقر بعض الحكومات في هاتين المنطقتين إلى القوة.
وبحسب غوبل يمكن للمجموعات الخارجية، مثل الشركات العسكرية الخاصة، أن تلعب دورا رئيسيا أقلّ كلفة، ما يسمح لمن يقفون وراءها بالحفاظ على غطاء يمكّنهم من النأي بالنفس. وعلى مدى أكثر من عقد اعتمدت الصين على شركاتها العسكرية الخاصة لحماية منشآتها في الخارج، وهي تميل إلى نشرها بدلا من طلب الحماية من الشركات المحلية أو الشركات العسكرية الخاصة العاملة في البلدان الأخرى.
وتعتمد بكين على الشركات العسكرية الخاصة أحيانا للضغط على الحكومات في البلدان الأخرى. وكان الأمر يمر دون أن يسبب ضجة كبيرة. وعادة ما ينكر المسؤولون الصينيون حقيقة لعب الشركات العسكرية الخاصة أدوارا تتجاوز الدفاع عن المصالح الصينية.
وتختار بكين في الغالب تسمية هذه الكيانات بأسماء أخرى لإخفاء حقيقتها. وهذا ما جعل المحللين الغربيين يشيرون إلى أن الشركات العسكرية الخاصة الصينية تختلف عن الشركات العسكرية الخاصة الروسية والأميركية؛ فالأولى شركات محدودة ودفاعية بينما الروسية والأميركية متعددة الإجراءات وذات غايات إستراتيجية أوسع.
العرب