بكين – تراجعت الصادرات الصينية في العام الماضي للمرة الأولى منذ سبع سنوات، وفق ما أظهرته بيانات الجمعة، في الوقت الذي يفاقم فيه التوتر مع الولايات المتحدة والتعافي الاقتصادي العالمي المتعثر الصعوبات التي تواجهها بكين في إطلاق عجلة النمو داخليا.
ولطالما كانت الشحنات الموجّهة إلى الخارج ضرورية لتعزيز نمو إجمالي الناتج الداخلي على مدى العقود الأربعة الماضية. وأتت الأرقام فيما أظهر تقرير آخر أن البلاد تواجه خطر الدخول في دوامة انكماش يمكن أن تعقّد أكثر خطط تحفيز الاقتصاد.
وسلّطت البيانات الضوء على التحوّل الجيوسياسي إذ تراجع حجم التجارة السنوية مع الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بينما بلغت التجارة مع روسيا مستوى قياسيا رغم الضغوط الدولية الرامية إلى عزل موسكو ردا على حربها في أوكرانيا.
وحذّر مسؤولون في إدارة الجمارك من عقبات إضافية مقبلة خلال العام الحالي في ظل الضبابية التي تخيم على آفاق الاقتصاد العالمي والحروب التجارية بعد تراجع الصادرات في العام الماضي بواقع 5.5 في المئة على أساس سنوي.
وقال الوزير المساعد في الإدارة العامة للجمارك وانغ لينغجون إن “تعقيدات البيئة الخارجية وضبابيتها تزدادان وعلينا تجاوز الصعوبات وبذل المزيد من الجهود لدعم نمو التجارة الخارجية بشكل أكبر”.
ونمت صادرات الصين بوتيرة أسرع في ديسمبر الماضي، في حين استمرت الضغوط الانكماشية الشهر الماضي، مما أبقى التوقعات حية للمزيد من إجراءات تيسير السياسات لدعم الاقتصاد الذي يحمل جيوب ضعف كبيرة حتى عام 2024.
ويمكن لصناع السياسات في الصين أن يتنفسوا الصعداء بعد ظهور أدلّة على أن التجارة العالمية تجتاز منعطفا بطيئا مع احتمال انخفاض تكاليف الاقتراض في الأفق.
لكن أزمة العقارات التي طال أمدها والمستهلكون الحذرون والتحديات الجيوسياسية يشيرون إلى عام مليء بالمطبات لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهرت البيانات أن الصادرات نمت بنسبة 2.3 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، مقارنة مع زيادة 0.5 في المئة في نوفمبر، وهو الشهر الذي شهد ارتفاعا للمرة الأولى منذ أبريل 2023، متجاوزة الزيادة المتوقعة في مسح أجرته رويترز والبالغة 1.7 في المئة.
والبيانات مقارنة مع مستوى منخفض عام 2022 عندما كان تأثير سياسات صفر كوفيد واضحا. وبالمجمل، انخفضت الصادرات بنسبة 4.6 في المئة عام 2023، في أول تراجع سنوي منذ عام 2016.
ونمت الواردات خلال الشهر الماضي بنسبة 0.2 في المئة على أساس سنوي، مخالفة التوقعات بزيادة نسبتها 0.3 في المئة، لكنها لا تزال تعكس انخفاضا بنسبة 0.6 في المئة خلال الشهر السابق.
5.5 في المئة نسبة تراجع حجم التجارة في 2023 بمقارنة سنوية وهو الأدنى منذ 2016
وقال تيانشين شو، كبير الاقتصاديين في وحدة المعلومات الاقتصادية في مجلة إيكونوميست، إن “البيانات الأفضل مدفوعة في المقام الأول بأشباه الموصلات والإلكترونيات، ويأتي الانتعاش على هذا الجانب من الانتعاش الدوري في طلب المستهلكين في الخارج”.
وأوضح أن هذا الرقم مدعوم أيضًا بقاعدة إحصائية منخفضة منذ “كان هناك اضطراب شديد في الصادرات في ديسمبر الماضي بعد إعادة فتح الصين المفاجئ”.
ومع ذلك، فإن بيانات الصادرات الصينية المحسنة الشهر الماضي تنضم إلى بيانات كوريا الجنوبية وألمانيا وتايوان في الإشارة إلى أن التجارة العالمية بدأت في العودة، بعد أن أدى ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقليص الطلب خلال 2023.
وبلغت التجارة بين الصين وروسيا عام 2023 أكثر من 240 مليار دولار، متجاوزة الهدف البالغ 200 مليار دولار الذي حدده البلدان الجاران في اجتماعات ثنائية العام الماضي. وتمثّل الأرقام زيادة قدرها 26.3 في المئة بمقارنة سنوية.
في المقابل بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين 664 مليار دولار العام الماضي، في انخفاض نسبته 11.6 في المئة، وهو أول تراجع منذ عام 2019.
وبحسب وكالة بلومبرغ ينعكس ضعف الطلب على السلع الآتية من الخارج في البيانات التي تظهر أن مؤشر أسعار المستهلك تراجع بنسبة 0.3 في المئة الشهر الماضي، في ثالث تراجع شهري تواليا وأطول مدة يسجّل فيها تراجعا متواصلا منذ أكتوبر 2009.
664 مليار دولار حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين العام الماضي، في انخفاض نسبته 11.6 في المئة، وهو أول تراجع منذ عام 2019
وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاءات أن التضخم بلغ معدلا نسبته 0.2 في المئة على مدى العام بأكمله.
وشهدت الصين انكماشا في يوليو الماضي كان الأول منذ عام 2021. وبعد انتعاش لم يدم في الشهر التالي واصلت الأسعار تراجعها منذ سبتمبر.
وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في شركة بن بيونت لإدارة الأصول، “الضغط الانكماشي على الاقتصاد الصيني مازال قائما حيث ظل الطلب المحلي ضعيفا. ويواصل قطاع العقارات الضغط على الاقتصاد”.
ويتوقع المحللون المزيد من تدابير دعم السياسات على المدى القصير لتحفيز الطلب.
وقال محللو بنك يو.بي.أس في مذكرة “من المرجح أن ينتعش الاستهلاك في العام القمري الجديد، لكن هناك حاجة إلى المزيد من التحفيز لتعزيز إنفاق الأسر والقضاء على الضغوط الانكماشية”.
وسيتعين على صناع السياسة الصينيين أيضًا التعامل مع الاقتصادات الخارجية الضعيفة، حيث حذر البنك الدولي الثلاثاء من أن النمو العالمي من المتوقع أن يتباطأ للعام الثالث على التوالي.
وقال دان وانغ، كبير الاقتصاديين في بنك هانج سينغ، “زادت الطلبيات الأجنبية الجديدة للمنتجين الصينيين بشكل ملحوظ الشهر الماضي، لكنه ليس اتجاها طويل الأجل”.
واشترى أكبر مستهلك للطاقة في العالم مستويات قياسية من الفحم والنفط الخام خلال عام 2023، مع تعافي الطلب من الركود الناجم عن وباء كورونا على الرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة. كما تمتعت واردات خام الحديد بعام قياسي.
وقفزت واردات فول الصويا للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، مع قيام التجار الصينيين بتكثيف مشترياتهم، وخاصة من البرازيل، للاستفادة من الفاصوليا الأرخص ثمناً من المحصول الوفير هناك.
لكن العقود الآجلة لخام الحديد تراجعت الجمعة، على خلفية بيانات مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين، التي أشارت إلى توقعات الطلب الضعيف وأثرت على معنويات المستثمرين.
ويتوقع جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس قسم الاقتصاد الصيني في كابيتال إيكونوميكس، أن تتحسن أحجام الواردات على المدى القريب بفضل المزيد من الدعم السياسي الذي يعزز الطلب على السلع الأولية.
وقال في مذكرة إن “الانتعاش الدوري المستمر في النشاط الاقتصادي سيدعم ارتفاعا طفيفا في التضخم الأساسي”.
ومع ذلك يرى بريتشارد أن ضعف النمو العالمي واستمرار الإفراط في الاستثمار في الصين يعنيان أن مخاطر الانكماش ستظل تخيم على اقتصادها لبعض الوقت.
ويعتقد معظم المحللين أن ارتفاع الصادرات لن يوفر سوى دفعة متواضعة للطلب المحلي. وقال تشانغ “تحسنت الصادرات على الهامش لكن الصادرات باعتبارها ركيزة للنمو في الصين ليست قوية بما يكفي لتعزيز الطلب المحلي الإجمالي”.
العرب