هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تفتح جبهات جديدة ترهق اليمنيين أكثر

هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تفتح جبهات جديدة ترهق اليمنيين أكثر

التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب يفاقم الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلا لليمنيين، إذ يضاعف ارتفاع تكلفة تأمين السفن والشحن أسعار المواد الأساسية في البلد الذي يعاني من تدهور حاد في الغذاء.

صنعاء – يواصل المسلحون الحوثيون في اليمن، منذ أكثر من شهر، استهداف سفن تجارية في البحر الأحمر، يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو متوجهة إليها، وسط تحذيرات دولية من عواقب هذا التصعيد العسكري سواء على اليمن أو المنطقة بشكل عام.

وبدأت أول عملية للحوثيين في البحر الأحمر في 19 نوفمبر، حينما أعلنت الجماعة الاستيلاء على سفينة تجارية إسرائيلية (غالاكسي) واحتجاز طاقمها المكون من 25 فردا.

لكن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال حينها إن “السفينة المحتجزة، ليست مملوكة لإسرائيليين ولا تشغلها بلاده، وليس من بين طاقمها الدولي إسرائيليون”.

وجاء احتجاز السفينة بعد ساعات من تهديد جماعة الحوثي بأنها ستستهدف كافة السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، ردا على ما تصفه بـ”العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة”.

وأعقب هذه العملية استهداف عدد من السفن التجارية، باستخدام صواريخ وطائرات مسيّرة، وأسفرت بعض الهجمات الحوثية عن أضرار وحريق طالت السفن، دون رصد إصابات بشرية.

وأجبر هذا التصعيد العسكري للحوثيين بعض الشركات العالمية الكبيرة على وقف نشاطها الملاحي في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، نتيجة لتردي الوضع الأمني.

ومن بين هذه الشركات، شركة بريتيش بتروليوم وشركة MSC، وشركة إيه.بي مولر-ميرسك، وكذلك شركة CMA-CGM.

تحالف دولي ضد الحوثيين
نتيجة استمرار عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر الجاري عن تشكيل تحالف من عدة دول، من أجل ردع الهجمات التي تستهدف الملاحة البحرية.

وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان إن هذا التحالف عبارة عن” عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية وبطائرات مسيّرة شنها الحوثيون المتحالفون مع إيران”.

وأفاد أوستن، بأن الدول المشاركة تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا. وأضاف وزير الدفاع الأميركي أنّ هذه الدول ستقوم بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

وتعليقا على ذلك، قالت جماعة الحوثي في بيان صدر عنها في 20 من الشهر الجاري إن “تشكيل الولايات المتحدة قوة في البحر الأحمر تعدّ خطوة عدائية لحماية إسرائيل، محذرة من عواقب ذلك”.

يعيش الاقتصاد اليمني واحدة من أسوأ مراحله نتيجة استمرار الصراع وتدهور العملة وتوقف تصدير النفط. ويتزامن مع ذلك انقطاع المساعدات الإنسانية الأممية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، ذات الكثافة السكانية العالية، ما قد يدفع إلى انتشار الجوع في أوساط الملايين من السكان.

ومن شأن التصعيد في البحر الأحمر أن يدفع بتفاقم أكبر للوضع الإنساني في اليمن الذي يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.

ويعتقد الباحث الاقتصادي ماجد الداعري، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أنه من الطبيعي جدا أن تؤثر الهجمات على السفن التجارية على التدفقات الغذائية إلى العالم، أو إلى المناطق التي تقصدها السفن التجارية المتوجهة”.

وأضاف الداعري “هذا بالتأكيد يرفع من كلفة التأمين الخاص بالشركات، ويزيد من أعباء وصول السفن، لأن الكثير من السفن اضطرت أن تتجه إلى رأس الرجاء الصالح بدلا من البحر الأحمر، بسبب هجمات الحوثيين، ما يؤدي إلى تكبدها تكاليف إضافية مع طول الفترة الزمنية”.

وتابع” هذا الأمر ينعكس بالأخير على السعر الإجمالي للسلع المباعة، ويفاقم من حدة الوضع الإنساني الصعب والمجاعة التي بدأت في اليمن لأنه من بين الدول الأكثر تضررا إلى جانب مصر والدول المشاطئة أو الدول الأقرب إلى خط الملاحة الدولي في البحر الأحمر”.

ولفت الداعري إلى أن” ارتفاع تكاليف التأمين على السفن ينعكس بشكل طبيعي على سعر الجملة النهائي للسلع، ويفاقم من الحالة المعيشية السيئة في اليمن خاصة في ظل انهيار سعر صرف العملة وعدم استقرار الوضع الاقتصادي في البلاد واستمرار توقف تصدير النفط، وتواصل المعاناة الإنسانية بشكل عام” .

وأضاف الداعري “كل هذه التطورات تؤثر سلبا وبشكل كبير على الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن اليمني البسيط”.

تسود اليمن مخاوف من عواقب اقتصادية وخيمة جراء استمرار التصعيد في البحر الأحمر وباب المندب، حيث برزت بوادر تأثيرات فعلية على ارتفاع قيمة السلع الواصلة إلى اليمن.

ويرى الصحافي الاقتصادي وفيق صالح أن “زيادة التوتر الأمني في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، مع مهاجمة الحوثيين للسفن التجارية، وتعليق شركات الشحن الكبرى المرور من البحر الأحمر من الأمور التي لها تداعيات عديدة على الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية وعلى الاقتصاد اليمني”.

وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أنه “من الناحية الأولى سيؤدي هذا التصعيد المسلح في البحر الأحمر إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن البحري بنسبة كبيرة جدا الأمر الذي سيعمل على رفع أسعار السلع والبضائع والوقود”.

ولفت إلى أن” اختيار شركات ملاحة كبرى طريق رأس الرجاء الصالح سيكلفها أعباء مالية، وسيعمل على صعود أسعار السلع وسيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم”.

وأشار صالح إلى أن “تعليق شركات الشحن الكبرى أنشطتها الملاحية عبر البحر الأحمر، يثير مخاوف حقيقية من تأثر سلاسل الإمداد وتدفق السلع إلى اليمن التي تعتمد على أكثر من 90 في المئة على الاستيراد لتغطية الاحتياجات الغذائية للسكان”.

وذكر أن “أولى بوادر أزمات التدفق السلعي والتمويل إلى اليمن بدأت ملامحها من خلال مواجهة الكثير من التجار والمستوردين، إشكاليات حقيقية مع شركات الملاحة التي ترفض المرور عبر البحر الأحمر، علاوة على ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن البحري والذي وصل خلال الأيام الأخيرة إلى أكثر من 200 في المئة، وسط توقعات بتزايد حدتها في الفترة المقبلة مع تصاعد الاضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب”.

ونبه صالح أن “هذه التطورات الأمنية في البحر الأحمر تنذر بعودة إشكاليات الشحن البحري إلى اليمن، والتي عانى منها القطاع الخاص طوال السنوات الماضية، في ظل ارتفاع كلفة التأمين على النقل البحري، والاضطرابات الأمنية التي تسود المنطقة”.

وعلاوة على ذلك فإن هذه الأحداث” قد تدفع الدول الغربية الكبرى إلى تهميش مضيق باب المندب من خلال توجيه حركة النقل التجاري البحري لطرق بديلة تحت سيطرتها مثل مشروع الطريق الرابط بين دول آسيا وأوروبا عبر البحر المتوسط وإعادة تفعيل طريق رأس الرجاء الصالح”.

يواجه الحوثيون اتهامات متكررة بخلق أزمات متجددة وفتح جبهات ترهق اليمن واليمنيين في مختلف النواحي، خصوصا من الناحية المعيشية التي تزداد تدهورا مع مرور الوقت.

ويقول المواطن عبدالله محسن إن اليمن يتجه إلى المزيد من التصعيد العسكري والسياسي نتيجة التوترات في البحر الأحمر، ما سينعكس سلبا على واقع اليمنيين في مختلف المحافظات.

وأضاف أن انخراط الحوثيين في الصراع الدائر بقطاع غزة سيؤدي إلى أعباء تداعيات اقتصادية كبيرة سيتحمل تبعاتها المواطن اليمني البسيط الذي يعاني من الفقر والمرض.

ولفت محسن إلى أن اليمنيين يناصرون القضية الفلسطينية، لكن غير مستعدين لتحمل تبعات صراعات غير معروفة نتائجها.

وذكر أنه في حال هنالك نصرة للقضية الفلسطينية فإن العديد من الدول العربية الغنية معنية بتقديم العون لغزة، وليس اليمن الذي هو في حاجة ماسة إلى المساعدة في مختلف المجالات.

العرب